الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخط مغلطاي على "حاشية أسد الغابة": عبد الله بن يزيد رضيع عائشة، روى عنه عبد الله بن زيد الجرمي، إن كان رضع (1) من أُم رومان، فله صحبة؛ لكون أمه توفيت في عهده عليه الصلاة والسلام على الصحيح، ويؤيده ما في "الصحيحين": عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها رجل، فقال:"من هذا؟ "، فقلت: أخي من الرضاعة (2)، [ولا نعلم لها أخاً من الرضاعةِ](3) غيره، فشبه أن يكون هو، والله أعلم.
* * *
باب: شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَالسَّارِقِ وَالزَّانِي وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 4 - 5]
وَجَلَدَ عُمَرُ أَبَا بَكْرَةَ وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ وَنَافِعاً بِقَذْفِ الْمُغِيرَةِ، ثُمَّ اسْتَتَابَهُمْ، وَقَالَ: مَنْ تَابَ، قَبِلْتُ شَهَادَتَهُ.
وَأَجَازَهُ عَبْد اللهِ بْنُ عُتْبَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعِكْرِمَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ، وَشُرَيْحٌ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ."
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: الأَمْرُ عِنْدَناَ بِالْمَدِينَةِ: إِذَا رَجَعَ الْقَاذِفُ عَنْ قَوْلِهِ،
(1) في "م": "رضيع".
(2)
رواه البخاري (2647)، ومسلم (1455).
(3)
ما بين معكوفتين ليس في "ج".
فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ: إِذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، جُلِدَ، وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِذَا جُلِدَ الْعَبْدُ، ثُمَّ أُعْتِقَ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِنِ اسْتُقْضِيَ الْمَحْدُودُ، فَقَضَايَاهُ جَائِزَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ، ثُمَّ قَالَ: لا يَجُوزُ نِكَاحٌ بِغَيْرِ شَاهِدَيْنِ، فَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ مَحْدُودَيْنِ، جَازَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ، لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ شَهَادَةَ الْمَحْدُودِ وَالْعَبْدِ وَالأَمَةِ لِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَكَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهُ.
وَقَدْ نَفَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزَّانِيَ سَنَةً. وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ حَتَّى مَضَى خَمْسُونَ لَيْلَةً.
(باب: شهادة القاذف والسارق والزاني): ثم قال بعد كلام طويل: وكيف تعرف توبته؟ وهذا كالترجمة المستقلة المعطوفة، ثم بين كيفيةَ المعرفة بالتوبة بتغريبِ من يُغَرَّب مدةً معلومة، وُيهجر: أن الثلاثة مدة معلومة حتى تتحقق التوبة، ويحسن الحال.
وسأل ابن المنير فقال: ليس مجرد الغربة عاماً توبة توجِب قبولَ الشهادة باتفاق، فكيف يتجه كلام البخاري؟
وأجاب (1): بأنه أراد: أن الحال تتغير في السنة، وتنتقل إلى حال لا تحتاج معها إلى تغريب، وكأنها مَظِنةٌ لكسر سورة النفس وهيجان الشهوة،
(1) في "ع": "فأجاب".
ثم لا غربةَ عليه بعدها، فدل ذلك على أن الحال قابلة لتغير الأحكام، يرد بذلك على مَنْ زعم أن التربة لا تُقبل باعتبار الشهادة، وإنما تقبل باعتبار زوال اسم الفسق، وما فيه صريح الرد على الشافعي، بل ساق البخاري الآثار الدالة على أن القاذف لا بد في توبته من إكذابه نفسَه (1)، والآثار الدالة على عدم الاحتياج لذلك، وجعلها مسألة نظرية، والأدلةُ فيها متعارضة، لكن الصحيح بعد ذلك أن إكذابَه لنفسه (2) لا يشترط.
ألا ترى أنه لو كان صادقاً في نفس الأمر، كيف يجوز له إكذابُ نفسه (3)، وهو حينئذ كاذبٌ في إكذاب نفسه؟ فعلى هذا ينسدُّ على الصادق في قذفه بابُ التوبة.
ثم سأل (4) فقال: إن كان صادقاً في قذفه، فمم يتوب إذن؟
وأجاب: بأنه يتوب من الهَتْك، ومن التحدُّث (5) بما رآه (6) وقد ستره الله، وأما إن كان كاذباً في قذفه، فإنه يتوب من البهتان، وقولُه تعالى:{فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: 13]؛ أي: هم المكذَّبون في حكم الله، عليكم أن تكذِّبوهم، وإن كانوا صادقين في نفس الأمر؛ لأن علينا أن نبني على ظاهر السلامة والستر والصيانة للمسلم، سواء وافقنا العلمَ، أو خالفناه (7)؛ كما
(1) في "ع" و"ج": "بنفسه".
(2)
في "ع": "بنفسه".
(3)
في "ع": "بنفسه".
(4)
"ثم سأل" ليست في "ع".
(5)
في "ع" و"ج": "التحديث".
(6)
في "ع": "رواه".
(7)
في "ع": "وأخلفناه".
نكذِّبُ (1) المدَّعِيَ إلا ببينة، وإن كان صادقاً في علم الله تعالى.
قلت: دعوى المدعي خبرٌ يحتمل الصدقَ والكذب، فليس لنا أن نكذِّبَه ولا نصدِّقَه (2) بالتشهِّي، وليس طلبُنا منه البينةَ على صحة دعواه دليلاً على تكذيبنا له فيها. ففيما قاله نظر.
و (3) قال البخاري بأثر الباب قبل الترجمة الثانية المذكورة:
(وجلدَ عمرُ أبا بكرة، وشبلَ بن معبد، ونافعاً بقذفِ المغيرة، ثم استتابهم، وقال: من تابَ، قُبلت شهادته): قال الطبري: كان المغيرة والياً على البصرة، وله مشربة تقابل مشربة (4) أبي بكرة، ولكل من المشربتين كَوَّةٌ تقابل كوةَ الأخرى، فكان مع أبي بكرة (5) في مشربته نافعُ بنُ كَلَدَة، وشبلُ بنُ معبد، وزيادٌ أخو أبي بَكْرة لأمه يتحدثون، فصفقَتِ الريحُ بابَ كوته، فقام ليصفقها، فبصر بالمغيرة -لفتحِ الريح بابَ كوةِ مشربته- بينَ رِجْلَي امرأة توسَّطَها، فقال للنفر: قوموا انظروا (6) واشهدوا، فنظروا فقالوا: من هذه؟ فقال: أم جميل بنتُ الأفقم، كانت تعشق المغيرةَ وأشرافَ الأمراء، فلما تقدم المغيرة للصلاة، منعه أبو بكرة.
وبلغ الأمرُ عمر، فأشخصهم، وبعث أبا موسى والياً على البصرة،
(1) في "ج": "لما يكذب".
(2)
في "ج": "نصدقه ولا نكذبه".
(3)
الواو ليست في "ع".
(4)
"تقابل مشربة" ليست في "ج".
(5)
في "م": "بكيرة".
(6)
في "ع" و"ج": "وانظروا".
فلما حضروه (1)، قال المغيرة: يا أمير المؤمنين! سل هؤلاء الأعبد: كيف رأوني، وهل عرفوا المرأة، فإن كانوا مستقبليَّ فكيف استنزوا؟ وإن كانوا مستدبريَّ فبأي شيء استحلوا النظر إليَّ على امرأتي؟ والله! ما كانت إلا زوجتي، وهي تشبهها.
فبدأ عمر بأبي بكرة، فشهد أنه رآه بين رجلَي أُمِّ جميل، وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة، قال: كيف رأيتهما؟ قال: مستدبرهما، فقال: كيف استبنت رأسها؟ قال: تحاملْتُ حتى رأيتها.
ثم شهد شبلٌ، ونافعٌ كذلك.
وشهد زيادٌ بأن قال: رأيته بين رجلي امرأة، وقدماها مخضوبتان تخفقان، واستين مكشوفتين، وحفزاناً شديداً. قال: هل رأيتَ كالميل في المكحلة؛ قال: لا، قال: هل تعرف المرأة؟ قال: لا، ولكن أُشَبِّهُها، قال له: تنحَّ، وأمر بالثلاثة فجُلدوا، وتلا قوله تعالى:{فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ} [النور: 13].
فقال المغيرة: اشفني (2) من الأَعْبُد يا أمير المؤمنين. فقال له: اسكتْ أسكتَ الله نَأْمَتَكَ، والله! لو تمت الشهادةُ، لرميتُك بأحجارِك.
قال الطبري: وردَّ عمرُ شهادتهم، ثم استتابهم، فتابَ نافعٌ وشبلٌ، وقبلَ شهادَتَهما، واستتاب أبا بكرة، فأبى.
قال غيره: قال له: تُبْ، وأقبلُ شهادتك، فأبى، وكرّر شهادته.
(1) في "ع" و"ج": "أحضروه".
(2)
في "ع": "أسعفيني".
قال شيخنا أبو عبد الله بن عرفة: وإلى هذه الآية أشار ابنُ التلمساني في مسألة الإجماع السكوتي في "شرح المعالم" بقوله: كقول عليٍّ لعمرَ رضي الله عنهما لما رأى جلدَ أبي بكرة: إن جلدته، فارجم صاحبك، وكان شيخُنا ابنُ عبد السلام رحمه الله يستشكل (1) صحة الملازمة في قول علي (2) مع قبول عمرَ له، ويحكي استشكاله عن شيخه أبي (3) الحسن البوذري (4)، وكانت (5) له مشاركةٌ حسنةٌ في الأصلين، ولم يجيبا عنه بشيء.
وكان يجري لنا جوابه بما أقوله: وهو أن القذف الموجبَ للحدِّ قسمان:
قذفٌ صدرَ من قائله على وجه التنقيص (6) للمقذوف، وقذفٌ صدرَ (7) على وجهِ شهادةٍ لم تَتِمَّ (8)، وهو الواقع في النازلة، فلما كرر أبو بكرة شهادته، أراد عمرُ جلده للقذفِ بقوله هذا، فقال له علي: إن جلدته، فارجمْ صاحبك؛ [أي: إن أردتَ جلده، لزم إرادتَك رجمُ صاحبك] (9)؛
(1) في "ع": "استشكل".
(2)
"علي" ليست في "ع".
(3)
في "ع": "أبو".
(4)
في "ع": "البردري".
(5)
في "ع": "وكان".
(6)
في "ع": "التنصيص".
(7)
"صدر" ليست في "ع".
(8)
في "ع": "يتم".
(9)
ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".
لأن إرادة جلده إما أن تكون لسابق شهادته (1) من حيث كونُه أحدَ الثلاثة، [أو لشهادته لا من حيث كونُه أحدَ الثلاثة](2)، فإن كان الأول، لم يحدَّ؛ لأنه قد حُدَّ لها، وإن كان لا من حيثُ كونُه أحدَ الثلاثة؛ لزم كونه -من حيث هو- زائداً عليها، وكلُّ ما كان زائداً عليها، كان رابعاً، وكلُّ ما كان رابعاً؛ لزم تمام النصاب، فيجب حَدُّ المغيرة.
وهذا التقدير يدل على صحة قول ابن الماجشون: بصحة افتراق (3) بينة الزنا في الأداء، وأن تمام النصاب بمن يجبُ قبولُه ولو بعدَ حَدِّ مَنْ لم يكمُلِ النصابُ به يوجِب حَدَّ المشهود عليه، والخلاف في المسألة معروف.
قلت: حاصلُ ما ذكره الشيخ: بيانُ الملازمة في القضية الشرطية، وهي: إن جلدته، فارجمْ صاحبَك، يعني: والتالي منتفٍ، فالمقدَّمُ مثله، فذكرَ بيانَ الملازمة لخفائها، وسكتَ عن بيان انتفاء التالي لوضوحه.
(ونهى عن كلام كعبِ بنِ مالك وصاحبيه): هما هِلالُ بْنُ أُمَيَّةَ، ومُرارَةُ بْنُ الرَّبيعِ، [وإذا جعلتَ أسماءَهم مرتبةً على هذا النمط: مرارة بن الربيع] (4)، كعب بن مالك، هلال بن أمية، اجتمع من أول (5) أسمائهم على الترتيب [لفظُ: مكة، ومن آخر أسماء آبائهم] (6) لفظ: عكة.
(1) في "ع" و"ج": "شهادة".
(2)
ما بين معكوفتين ليس في "ج".
(3)
في "ع": "اقتران".
(4)
ما بين معكوفتين ليس في "ع" و"ج".
(5)
"أول" ليست في "ع".
(6)
ما بين معكوفتين ليس في "ع".