الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنها لم تعمل شهادتها في حديث البخاري] (1)، وإنما دله عليه الصلاة والسلام على طريق الورع، وقد سبق حديث الإفك.
* * *
باب: تَعْديلِ النِّساءِ بَعْضِهنَّ بَعْضاً
1487 -
(2661) - حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، وَأَفْهَمَنِي بَعْضَهُ أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ، وَعُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا، فَبَرَّأَهَا اللهُ مِنْهُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ، وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصاً، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ، وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً، زَعَمُوا: أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَراً، أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سَهْمِي، فخَرَجْتُ مَعَهُ، بَعْدَ مَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ، فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجٍ وَأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَزْوَتهِ تِلْكَ وَقَفَلَ، وَدَنَوْناَ مِنَ الْمَدِينَةِ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بِالرَّحِيلِ، فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي، أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، فَأَقْبَلَ الَّذِينَ
(1) ما بين معكوفتين ليس في "ع".
يَرْحَلُونَ لِي، فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ، وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّي فِيهِ، وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ، وَلَم يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ، وَإنَّمَا يَأَكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ، فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَ مَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ، فَأَمَمْتُ مَنْزِلِي الّذِي كُنْتُ بِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُوني فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ، فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَأَتَانِي، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ، فَاستَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ، حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ، فَوَطِيءَ يَدَهَا فَرَكبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ، حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَ مَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى الإِفْكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْراً، يُفِيضُونَ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، إِنَّمَا يدخُلُ فَيُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُولُ:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، لَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ، مُتَبَرَّزِنَا، لا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيباً مِنْ بُيُوتِنَا، وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ، أَوْ فِي التَنَزُّهِ، فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي، فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلْتُ لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلَاّ شَهِدَ بَدْراً؟! فَقَالَتْ: يَا هَنْتَاهْ! أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرتِنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضاً إِلَى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي، دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ، فَقَالَ:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ "، فَقُلْتُ: ائْذَنْ لِي إلَى أَبَوَيَّ. قَالَتْ: وَأَنَا حِينَئِذٍ
أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا، فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ، فَقُلْتُ لأُمِّي: مَا يَتَحَدَّثُ بهِ النَّاسُ؟ فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّةُ! هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ، فَوَاللهِ! لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ، عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا، وَلَهَا ضَرَائِرُ، إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا. فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ! وَلَقَدْ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ، لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ، وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ، فَأَمَّا أُسَامَةُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلَا نَعْلَمُ -وَاللهِ- إِلَّا خَيْراً، وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ، وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ، فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ، فَقَالَ:"يَا بَرِيرَةُ! هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئاً يَرِيبُكِ؟ "، فَقَالَتْ بَرِيرَةُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْراً أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَنِ الْعَجِينِ، فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ يَوْمِهِ، فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي، فَوَاللهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْراً، وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْراً، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي". فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا وَاللهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ: إِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ، ضَرَبْنَا عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرجِ، أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ. فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرجِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحاً، وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَا تَقْتُلُهُ، وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. فَقَامَ أُسُيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ، وَاللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ.
فَثَارَ الْحَيَّانِ: الأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، حَتَّى هَمُّوا، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ، فَنَزَلَ فَخَفَّضَهُمْ، حَتَّى سَكَتُوا وَسَكَتَ، وَبَكَيْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ، فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ، قَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْماً، حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي -قَالَتْ:- فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي، إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَأَذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ فِيَّ مَا قِيلَ قَبْلَهَا، وَقَدْ مَكثَ شَهْراً لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ -قَالَتْ:- فَتَشَهَّدَ، ثُمَّ قَالَ:"يَا عَائِشَةُ! فَإِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ الله، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ، فَاسْتَغْفِرِي اللهَ، وَتُوبِي إِلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ، ثُمَّ تَابَ، تَابَ الله عَلَيْهِ". فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً، وَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ لأُمِّي: أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا قَالَ، قَالَتْ: وَاللهِ! مَا أَدْرِي مَا أقولُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَتْ: وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثةُ السِّنِّ، لَا أَقْرَأُ كَثِيراً مِنَ الْقُرْآنِ، فَقُلْتُ: إِنِّي وَاللهِ! لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا يَتَحَدَّثُ بهِ النَّاسُ، وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُم بِهِ، وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنِّي لَبَرِيئَةٌ، لَا تُصَدِّقُونِي بذَلِكَ، وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بِأَمْرٍ، وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنِّي، وَاللهِ! مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفُ إِذْ قَالَ:{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]. ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِي اللهُ، وَلَكِنْ وَاللهِ! مَا ظَنَنْتُ أَنْ يُنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْياً، وَلأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللهُ، فَوَاللهِ!
مَا رَامَ مَجْلِسَهُ، وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ، فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ لِي:"يَا عَائِشَةُ! احْمَدِي اللهَ، فَقَدْ بَرَّأَكِ اللهُ". فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: لا وَاللهِ! لا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَاّ اللهَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} [النور: 11] الآيَاتِ، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَح بْنِ أُثَاثَةَ؟ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ: وَاللهِ! لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئاً أَبَداً، بَعْدَ مَا قَالَ لِعَائِشَةَ. فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ. . . غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللهِ! إِنِّي لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ الَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ:"يَا زَيْنَبُ! مَا عَلِمْتِ؟ مَا رَأَيْتِ؟ "، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللهِ! مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إلَاّ خَيْراً. قَالَتْ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي، فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ.
(فأيتهن): بتاء التأنيث.
قال الزركشي: هو الوجه، ويروى:"فَأَيَّهُنَّ"(1)؛ يعني (2): بدون تاء تأنيث.
قلت: دعواه أن الرواية الثانية ليست على الوجه، خطأ؛ إذ المنصوص:
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 585).
(2)
"يعني" ليست في "ع".
أنه إذا أريد بأَيّ المؤنثُ، جاز إلحاقُ التاء به، موصولاً كان أو استفهامياً (1)، أو غيرَهما.
(فخرجتُ معه بعد ما أُنزل الحجاب): الحجابُ نزل بعد تزويج زينبَ بنتِ جحش، وتزويجُها في ذي القعدة سنة أربع على الأصح، والإفكُ في غزوة المريسيع (2)، [وهي غزوة (3) بني المصطلق في شعبان من سنة خمس على الأصح، وفي البخاري: كانت غزوة المريسيع](4) سنة ست، وقال ابن عقبة: سنة أربع، والصحيح ما سبق (5).
(أُحمل في هَوْدَجٍ): هو القُبَّةُ التي فيها المرأةُ، وهي الخِدْر.
(وقفل): أي: رجع.
وما أحسنَ قولَ صاحبِنا زينِ الدينِ بنِ (6) العجميِّ -رحمه الله تعالى- بوجه (7) هذه الكلمة حيث يقول:
سرَى قَلْبِيَ المُضْنَى خِلَالَ رِكَابِهِمْ
…
وَنَجْمُ سُرُورِي بَعْدَ بُعْدِهِمُ أَفَلْ
وَقَدْ فَتَحَ التَّسْهِيدُ أَجْفَانَ مُقْلَتِي
…
وَسَارَ مَنَامِي خَلْفَ قَلْبِي وَمَا قَفَلْ
(1) في "ع": "استفهامية".
(2)
في "ع": "غزوة تبوك المريسيع".
(3)
"غزوة المريسيع وهي غزوة" ليست في "ج".
(4)
ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(5)
انظر: "التوضيح"(16/ 566).
(6)
"ابن" ليست في "ع".
(7)
في "ج": "موجه".
(آذَنَ): روي بمد الهمزة وتخفيف الذال المعجمة، والقصر، وتشديدها؛ أي: أعلمَ.
(فإذا عِقدٌ): بكسر العين (1).
(من جَزْع): -بفتح الجيم وإسكان الزاي-: الخرز المنظوم اليماني.
(أظفار): كذا الرواية بألف.
وقال الخطابي وغيره: الصواب: "ظَفارِ" -بفتح الظاء المعجمة وكسر الراء- مبني؛ كحَضارِ، وهي مدينة باليمن ينسب [إليها الجَزْعُ]، وكذا ذكره البخاري في كتاب: المغازي.
قالوا: فدل على أن (2) المذكور هنا وهمٌ.
ومنهم من وَجَّهَ الروايةَ الأولى بأن الأظفارَ عودٌ يُتطيب به، فجاز أن يُجعل كالخرز، ويُتحلى به، إما لحسن لونه، أو لطيب ريحه (3).
(يَرحلون): بفتح الياء والحاء المهملة المخففة (4).
قال القاضي: رَحَلْتُ البعيرَ -مخففاً- (5) شَدَدْتُ عليه الرَّحْلَ (6).
(1)"بكسر العين" ليست في "ج".
(2)
في "م": "فدل أن".
(3)
انظر: "أعلام الحديث"(2/ 1311)، و"التنقيح"(2/ 585).
(4)
"المخففة" ليست في "ع".
(5)
في "ج": "مخففة".
(6)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 285).
وعند (1) أبي ذر (2): "يُرَحِّلُونَ": -بتشديد الحاء مع ضم الياء وفتح الراء-، وكذا "فَرَحَّلُوهُ" -بتشديد الحاء-، والمعروفُ التخفيف (3).
(ولم يغشَهُنَّ اللحمُ): وفي المغازي: "لم يَهْبُلْنَ": -بضم الباء الموحدة وكسرها-؛ أي: لم (4) يكثر شحومُهن عليهن.
(فإنما يأكُلْنَ العُلْقَةَ من الطعام): العُلْقَة: -بضم العين المهملة وبالقاف-: اليسيرُ من الطعام الذي فيه بُلْغَةٌ.
(بعد ما استمرَّ الجيش): استفعلَ من مَرَّ، ومنه:{سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: 2]؛ أي: ذاهب (5)، هذا قولُ الفراء، وأما الزجَّاج فقال: معناه: دائم.
(فَأَمَّمْتُ منزلي): -بتشديد الميم-؛ أي: قَصَدْتُ.
وحكى السفاقسي تخفيفها، ومنه:{آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} [المائدة: 2].
(وظننت): الظن هنا بمعنى العلم؛ لأن فقدهم إياها محقَّقٌ قطعاً، فهو أمر معلومٌ عندها.
(سيفقِدوني): بقاف مكسورة ونون واحدةٍ.
قال الزركشي: فيحتمل أن يكون حذف إحدى النونين، وأن تكون [النون] مشددة (6).
(1) في "ع": "وكذا عند".
(2)
في "ج": "وكذا عند ذر".
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 586).
(4)
"لم" ليست في "ع" و"ج".
(5)
انظر: "التنقيح"(2/ 586)، ووقع في المطبوع:"ومنه: شجر مستمر".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 586).
قلت: هذا ظاهر في أنه لم يطلع على رواية معينة في هذه الكلمة، ويروى بنونين.
(صفوان بن المعطَّل): بفتح الطاء المهملة المشدّدة.
(السُّلَمي) بضم السين المهملة وفتح اللام.
(فاستيقظتُ باسترجاعِه): يعني قوله: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فيحتمل أن يكون شَقَّ عليه ما جرى عليها، أو يكون عَدَّها مصيبةً لما وقع في نفسه أنه لا يسلم من الكلام.
(بعد ما نزلوا مُعَرِّسين): التعريس: النزولُ في آخر الليل.
وقال أبو زيد: هو النزول في أي وقت كان، ويشهد له ما وقع هنا (1)؛ فإنها رضي الله عنها قالت:
(في نَحْرِ الظَّهيرة): أي: حين بلغت الشّمسُ منتهاها من الارتفاع، كأنها وصلت إلى النحر، وهو أعلى الصَّدر.
وقيل: نحرها: أولُها، و (2) الظهيرة: شدة الحرّ.
(يُفيضون): يُشيعون الحديث، يقال (3): أماض القومُ في الحديث: إذا اندفعوا فيه.
(ويُريبني): بفتح أوله وضمه، يقال: رابني، وأَرابني بمعنىً؛ من الشك والوهم.
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 587).
(2)
الواو ليست في "ج".
(3)
"يقال" ليست في "ج".
(اللُّطف): قال الزركشي: بضم اللام؛ أي: الرفق والبر.
قال ابن الأثير: ويروى (1): بفتح اللام والطاء، لغة فيه (2).
قلت: الذي وقع في "المشارق": ولا أعرفُ منهُ اللَّطَفَ الذي كنتُ أعرفه، كذا رويناه بفتح اللام والطاء، ويقال -أيضاً- بضم اللام وسكون الطاء، و (3) هو البر والتحَفي (4).
وهذا صريح في أن الثاني ليس بمروي له، ويحتمل بعد ذلك قوله: ويقال -أيضاً-: أن يكون مروياً في الجملة، أو لغة فيه، ولكنها غير مرويَّة.
(كيف تيكم؟): هي في الإشارة للمؤنث مثل: ذاكم في المذكر.
قال الزركشي: وهي تدل على لطف (5) من حيث سؤالُه عنها، وعلى نوع جفاء من قوله:"تيكم"(6).
(حتى نقَهْتُ): -بفتح القاف-؛ أي: أفقتُ من مرضي.
وحكى الجوهري وابن سيده فيه الكسر -أيضاً (7) -.
(أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ): هي سلمى بنتُ أبي رُهم بن المطلب بن عبد منافٍ
(1)"ويروى" ليست في "ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 587).
(3)
الواو ليست في "ع".
(4)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 357).
(5)
في "ج": "لفظ".
(6)
انظر: "التنقيح"(2/ 587).
(7)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
خالةُ أبي بكر الصديق، وابنُها مِسطحٌ هو (1) بكسر الميم: لقبٌ له، وأصلُه عودٌ من أعواد الخِباء، واسمه عامرٌ، وقيل: عَوْفُ بنُ أُثاثَةَ بنِ عَبَّادِ بنِ عبدِ المطَّلبِ ابنِ عبدِ منافٍ (2).
(قِبَل): بكسر القاف وفتح الباء الموحدة.
(المناصِع): بصاد مهملة.
قال الأزهري: موضعٌ خارج المدينة للحديث كانوا يتبرزون فيه (3).
(متبرَّزِنا): -بفتح الراء المشددة- وهو بدلٌ من المناصع؛ يعني: أنه موضعُ التبرُّز، وهو قضاءُ الحاجة.
(الكُنُف): -بضمتين- جمع كَنيف، وأصلُه السترُ.
(وأَمرُنا أمرُ (4) العربِ الأَوَّلُ): قال القاضي: بفتح الهمزة [وضم اللام، نعتٌ للأمر، وقيل: هو وجهُ الكلام.
ورُوي: الأُوَلِ -بكسر اللام وضم الهمزة] (5) مخففة الواو- وصفاً للعرب، لا للأمر. تريد رضي الله عنها: أنهم بعد لم يتخلقوا بأخلاق أهل الحواضر (6) والعجم (7).
(1)"هو" ليست في "ع" و"ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 587).
(3)
انظر: "تهذيب اللغة"(2/ 23)، (مادة: نصع)، وانظر:"التنقيح"(2/ 589).
(4)
"أمر" ليست في "ع".
(5)
ما بين معكوفتين ليس في "ع".
(6)
في "ج": "الحاضرة".
(7)
انظر: "مشارق الأنوار"(1/ 51).
فإن قلت: الأُوَل -بضم الهمزة- على هذه الرواية جمعٌ لأُولى، وواحد العرب لا يصح وصفُه به.
قلت: قدر ابنُ الحاجب (1) العربَ اسمَ جمعٍ لجماعات، فواحده جماعةٌ، ووصفُها بالأُولى ممكن، فجاز بهذا الاعتبار.
(بنت أبي رُهْم): بضم الراء وإسكان الهاء.
(في مِرْطِها): -بكسر الميم-: كساءٌ من صوفٍ أو خزّ أو كتان (2)، قاله الخليل.
وقال ابن الأعرابي: هو الإزار.
وقال النضر: لا يكون المرط إِلا درعاً (3)، وهو من خَزٍّ أخضرَ، ولا يلبسه إلا النساء.
قال القاضي: وظاهرُ الحديث يصحح قولَ الخليل، ففي الحديث:"خرجَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرطٍ مرجلٍ من شعرٍ أسودَ"(4).
(تعَس): -بفتح العين- قيده الجوهري بمعنى: العثار، وأتعسه الله: أَكَبَّه (5): دعاءٌ عليه أن لا يستقيل من عثرته، وكلامُ ابن الأثير يقتضي أن
(1)"الحاجب" ليست في "ع".
(2)
في "ع": "أو خزاً أو كتاناً".
(3)
في "ج": "ذراعان".
(4)
رواه مسلم (2081)، عن عائشة رضي الله عنها. وانظر:"مشارق الأنوار"(1/ 377).
(5)
في "ج": "وأكبه".
الأعرفَ كسرُ العين، ثم قال: وقد تفتح (1).
(يا هنْتاه!): بسكون النون وفتحها، والسّكونُ أشهر.
قال صاحب "نهاية الغريب": وبضم الهاء الأخيرة، وتُسَكَّن؛ أي: يا هذه! قاله الخطابي.
وقيل: بل نسبتها للبله وقلة المعرفة بالشر، يقال: امرأة هنتاه (2)؛ أي: بلهاء (3).
(وضيئة): بالهمز؛ أي: حَسَنَةٌ؛ من الوضاءة، وهي الحُسْنُ.
(لا يرقَأُ لي دمع): بهمز يرقا؛ أي: لا ينقطع، وَرَقأً الدمعُ -بالهمزة (4) -: سكنَ.
(وسل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بَريرَةَ): قال الزركشي: قيل: إن هذا وهم؛ فإن بريرةَ إنما اشترتها عائشةُ (5) وأعتقتْها قبلَ ذلك.
قال: والمَخْلَصُ (6) من هذا الإشكال: أن تفسير (7) الجارية ببريرةَ
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 588).
(2)
في "ع": "هنية".
(3)
انظر: "التنقيح"(2/ 588).
(4)
في "ج": "بالهمز".
(5)
"عائشة" ليست في "ع".
(6)
في "ع": "والملخص".
(7)
في "ع": "يفسر".
مُدرجٌ في الحديث من بعض الرواة ظناً منه أنها هي (1).
قلت: هذا ضيقُ عَطَن؛ فإنه لم يرفع الإشكال إلا بنسبة الوهم إلى الراوي، مع أن ادعاءه كونَه مدرجاً لا ثبتَ يقوم عليه، والمخلص عندي من الإشكالِ الرافعِ لتوهيمِ الرواة وغيرِهم: أن يكون إطلاقُ الجارية على بريرة، وإن كانت معتقة إطلاقاً مجازياً باعتبار ما كانت (2) عليه، واندفع الإشكال، ولله الحمد.
(إنْ رأيتُ منها أمراً أَغْمِصه): -بالغين المعجمة وكسر الميم-؛ أي: أَعيبه، يقال: غَمَصْتُ عليه قولاً قاله؛ أي: عِبْتُهُ عليه.
(تنام عن العجين، فتأتي الدّاجنُ فتأكلُه): قال ابن المنير: وقولها: سوى أن الداجنَ تأكل عجينها، من الاستثناء البديع الذي يراد به التسجيل على نفي العيوب؛ كقوله:
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ (3) غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ
…
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
فغفلتُها عن عجينها (4) أبعدُ لها من هذا العيب، وأقربُ إلى أن تكون به (5) من المحصَنات الغافلات المؤمنات.
(1) انظر: "التنقيح"(2/ 589).
(2)
في "ج": "كان".
(3)
في "ع": "فيهن".
(4)
في "ع" و"ج": "العجين".
(5)
في "ع": "فيه".
قلت: ليس في الحديث صورة استثناء بـ: "سوى" ولا غيرها من أدواته (1)، وإنما فيه: إنْ رأيتُ منها أمراً (2) أَغْمِصُه عليها قَطُّ أكثرَ من أنها جاريةٌ حديثة السن، تنام عن العجين، فتأتي (3) الداجنُ فتأكله، لكن معنى هذا قريبٌ (4) من (5) معنى الاستثناء.
(من يَعْذِرني من رجلٍ؟): بفتح حرف المضارعة.
قال في "البارع": أي: مَنْ ينصرني عليه؟ والعذير: الناصر.
وقال الهروي: من يقومُ بعذري (6) إن كافأتُه على سوء فعله، كذا في "المشارق"(7).
(فقام سعدُ بنُ مُعاذ): حكى القاضي عن بعض شيوخه: أن ذكرَ سعد ابن معاذ في هذا الحديث وهمٌ؛ لأنه مات سنةَ أربع، وحديثُ الإفك كان سنة ست في غزوة المريسيع (8).
قلت: وقد مضى (9) الخلاف فيها، وإن منهم من قال: إنها كانت في سنة أربع.
(1) في "ج": "ولا غيرها من أدواته وإنما فيه من أدواته".
(2)
"أمراً" ليست في "ج".
(3)
في "ع": "فيأتي".
(4)
في "م": "قريباً".
(5)
في "ج": "من أنها جارية حديثة السن".
(6)
في "ع": "يعذرني".
(7)
انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 70).
(8)
انظر: "مشارق الأنوار"(2/ 239).
(9)
في "ع" و"ج": "قلت: ومعنى".
قال إسماعيل القاضي: والأولى أن يكون قبل الخندق، قال القاضي عياض: فعلى هذا تخرج هذه أن سعد بن معاذ كان حياً إذ ذاك (1).
(إن كان من الأوس، ضربنا عنقَه، وإن كان من إخواننا [من] الخزرج، أمرتَنا ففعلنا فيه أمرَكَ): قال السفاقسي: وإنما قال سعدُ بنُ معاذ ذلك؛ لأن الأوسَ قومُه، وهم بنو النجار، ومن آذى النبي صلى الله عليه وسلم، وجبَ قتلُه، ولم يقل كذلك في الخزرج؛ لما كان بينهم من قبل (2)، فبقيت فيهم بعدُ أَنَفَةٌ أن يحكم بعضُهم في بعضه، فإذا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم، امتثلوا أمره (3).
(فقام سعدُ بنُ عبادةَ، وهو سيدُ الخزرج): وكان من رهط عبد الله بن أَبي رُهْمِ بنِ ساعدة، كذا في السفاقسي (4).
(وكان احتمَلَتْه الحميَّةُ): -بالحاء المهملة- من "احتملته"، كذا لأكثرهم، ووقع في بعض النسخ (5):"اجْتَهَلَتْه (6) ": -بالجيم والهاء-، وصَوَّبه الوقشي، وصوب القاضي كليهما (7)، فقال: احتمل الرجلُ: إذا غضبَ، قاله يعقوب.
فمعنى احتملته: أغضبته، ومعنى اجتهلته: حملته على أن يجهل؛
(1) المرجع السابق، (2/ 240).
(2)
في "ع": "قتل".
(3)
"انظر: "التوضيح" (16/ 583).
(4)
المرجع السابق، (16/ 584).
(5)
"في بعض النسخ" ليست في "ج".
(6)
في "ع": "أجهلته".
(7)
في "ج": "كلاهما".
أي: يقولُ قولَ أهل (1) الجهل (2).
(فقال: كذبتَ لَعَمْرُ اللهِ): أي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجعل حكمَه إليك، كذا (3) قال الداودي.
وقال السفاقسي: الظاهر أنه قال له: كذبت؛ أي: إنك لا تقدرُ على قتله (4).
(فقام أُسيد بنُ حُضير (5)): كلا العلمين على صيغة المصغَّر.
(فقال: كذبتَ لعمرُ الله): أي: لن يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقتله.
وقوم أُسيد بنو عبد الأشهل.
وهؤلاء الثلاثة: السَّعدان، وأُسيد، من نقباء الأنصار.
(إذ قال: {صَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}: هكذا رأيته في بعض النسخ: {صَبْرٌ} -بدون فاء-، و (6) صحح عليه، وكلامُ الشيخ بهاءِ الدين أبي حامدٍ السبكيِّ في "شرح مختصر ابن الحاجب" الأصيلي يدل على أنه بالفاء، وذلك أنه قال: إذا كان الكلام المحكيُّ مقروناً بالفاء مثلاً، ولم يذكر الحاكي ما قبله، جاز له إثبات العاطف وحذفُه.
(1)"قول أهل" ليست في "ع"، و"أهل" ليست في "ج".
(2)
انظر: "التنقيح"(2/ 590).
(3)
"كذا" ليست في "ج".
(4)
انظر: "التوضيح"(16/ 584).
(5)
كذا في رواية أبي ذر الهروي، وفي اليونينية:"الحضير".
(6)
الواو ليست في "ع".
واستشهد للإثبات بأحاديث، منها: قول عائشة رضي الله عنها في (1) قصة الإفك: "ما أجدُ لي ولكم مثلاً إلا كما قالَ العبدُ الصالحُ: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18] " كذلك هو في "صحيح البخاري"، على أنه في "سيرة ابن إسحاق" بغير فاء. على أن هذا الذي ذكر فيه السبكي إثبات الفاء في البخاري إنما هو في الطريق التي فيها: كما قال العبد الصالح، وما نحن فيه على خلاف هذا، ونصه:"والله! ما أجدُ لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسفَ، إذ (2) قال"، فتأمله.
(فوالله! ما رامَ مجلسَهُ): أي: ما فارَقَه؛ من: رَام يَريم رَيماً، فأَمَّا مِنْ طلبِ الشيء، فرام يَروم رَوْماً.
(من البُرَحاء): -بضم الباء (3) الموحدة وفتح الراء، ممدود (4) -؛ من البَرْح، وهو أشدُّ ما يكون من الكَرْب.
(ليتحدَّرُ منه مثلُ الجُمان): -بضم الجيم (5) وتخفيف الميم-: الدُّرُّ.
وقال الداودي: هو شيءٌ كاللؤلؤ يُصنع من الفضة (6).
ويدل للأول قولُ الشاعر:
(1)"في" ليست في "ع".
(2)
في "ع": "إذا".
(3)
"الباء" ليست في "ع" و"ج".
(4)
في "ج": "ممدوداً".
(5)
في "ج": "بضم الموحدة الجيم".
(6)
انظر: "التوضيح"(16/ 587).
كَجُمَانَةِ البَحْرِيِّ جَاءَ بِهَا
…
غَوَّاصُهَا مِنْ لُجَّةِ البَحْرِ
(فلما سُرِّيَ (1)): أي: كُشف عنه، والتشديدُ فيه للمبالغة.
(مِسْطَحُ بنُ أُثاثةَ): بهمزة مضمومة وثاءين مثلثتين (2) بينهما ألف وآخره (3) هاء (4) تأنيث.
وضبطه المهلب بفتح الهمزة، ولم يُتابَع عليه (5).
(لا أُنفق على مسطحٍ بشيء): ويروى: "شيئاً".
(أَحمي سمعي وبصري): [أَحْمي فعلٌ مضارع، فهمزتُه (6) همزةُ قطع؛ أي: أمنعُهما من المأثم، ولا أكذبُ فيما سمعت وفيما أبصرت، فيعاقبني الله في سمعي وبصري](7)، ولكني أَصْدُقُ حمايةً لهما.
(وهي التي كانت تُساميني): أي: تنازعني (8) الحظوة، والمساماةُ: مُفاعَلَة من السموِّ.
وقد ذكر البخاري في كتاب: الاعتصام معلقاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد الرامين
(1)"فلما سري" ليست في "ج".
(2)
في "ع" و"ج": "مثلثين".
(3)
في "ع": و"آخرها".
(4)
في "ج": "وآخرها تاء".
(5)
انظر: "التنقيح"(2/ 591).
(6)
"فهمزته" ليست في "ع".
(7)
ما بين معكوفتين ليس في "ج".
(8)
في "ع": "ينازعني"، وفي "م":"تنازعي".