الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحصيل الحاصل فإن قلت: يلزم عليه أن تكون الفاتحة في القرآن مرتين لنزولها مرتين وكان تكرر كما تكرر {فبأي آلاء ربكما تكذبان} (1) قلنا: إنما ذلك إذا نزلت على أنها غير الأولى. فقد ذكر الأصوليون على أن الغيرين يصدقان على المثلين، أما إذا نزلت على أنها هي الأولى بعينها فلا يلزم ذلك فيها.
زاد القاضي العماد في إبطال النزول بمكة والمدينة أنه يلزم منه أن يكون كلما نزل بمكة نزل بالمدينة مرة أخرى، لأن جبريل عليه السلام كان يعرضه القرآن في كل سنة مرة وفي الأخيرة مرتين فيكون ذلك إنزالا آخر وهذا لايقوله أحد.
وقال: ولعلهم يعنون بنزولها مرتين، أن جبريل نزل حين حولت القبلة فأخبره عليه الصلاة والسلام أن الفاتحة ركن في الصلاة كما كانت بمكة وأقرأه فيها قراءة لم يكن أقرأه بها في مكة فظنوا ذلك إنزالا وهو ضعيف. (2)
ثانيا: موقفه من العقيدة:
من مواضع تعرض ابن عرفة للمسائل الاعتقادية قضية الاسم والمسمى وقد ذكر فيها ثلاثة أقوال قال:
الأول: أن الاسم هو المسمى وهو قول أهل الحق.
الثاني: أنه غيره وهو مذهب المعتزلة. ومثله للأشعري في بعض كتبه.
الثالث: ما كان اسمًا لله تعالى باعتباره صفة فعل كخالق فهو غير المسمى، وإلا فهو المسمى وهو قول الباقلاني الإمام. (3)
وقال أيضا: قال الفخر ابن الخطيب في نهاية العقول: المشهور عن أصحابنا أن الاسم هو المسمى، وعن المعتزلة أنه التسمية، وعن الغزالي أنه مغاير لهما، والناس طولوا في هذا وهو عندي فضول. (4)
ويفسر ابن عرفة آيات العقيدة، معتمدًا مذهبه السني المالكي الأشعري، رادًا على المخالفين كالمعتزلة، وغيرهم.
(1) الرحمن: 13 وقد تكررت في 31 موضعا كما تقدم.
(2)
تفسير ابن عرفة1/ 91 - 92.
(3)
تقييد البسيلي، وبدأ ذلك بقوله: وحصل شيخنا في المسألة من حيث الجملة ثلاثة أقوال:
…
فذكرها.
(4)
تفسير ابن عرفة 1/ 84.
قال ابن عرفة: ولما قال {إياك نعبد} أوهم أن للإنسان في العبادة ضربا من المشاركة والاختيار، فعقبه بطلب الهداية تنبيها على كمال الافتقار وأن كل العبادة والطاعة من الله تعالى وليس للعبد عليها قدرة، فهو دليل لأهل السنة. (1)
وقد تعرض ابن عرفة إلى رأي المعتزلة في قول الزمخشري: إن الشيء يطلق على الممكن والمستحيل. ثم قال معلقًا على هذا الرأي: وظاهر الآية حجة للمعتزلة لأنه لو كان المراد أن الله على كل موجود قدير، للزم تحصيل الحاصل، ثم تعرض بعد ذلك إلى شرح متعلق القدرة فقال: القدرة تتعلق بالممكن المعدوم المقدر الوجود، كما يفهم من معنى قوله تعالى {الزانية والزاني
…
} (2)، المراد من حصل منه الزنى بالفعل، ومن سيحصل منه الزنى؛ يصدق عليه في الحال أنه زان باعتبار، على تقدير أنه سيوجد منه، وهذا كما يقول المنطقيون: القضية الخارجية، والقضية الحقيقية، ويجعلون الخارجية عامة في الأزمنة الثلاثة، مثل كل أسود مجمع للبصر، وكل أبيض مفرق للبصر، المراد كل موصوف بالسواد مطلقًا في الماضي والحال والاستقبال (3).
ثم ذكر حجة الزمخشري في نفي الرؤية، قال: وقوله {لن تراني} (4) استدل بها الزمخشري على عدم الرؤية منطلقًا، لأن لن عنده لنفي دائم وهي المسماة بلن الزمخشرية ونحن نقول: إنها لنفي غير دائم، ويثبت بعد ذلك الرؤية مستدلا عليها بقوله تعالى {فإن استقر مكانه فسوف تراني} (5)، قال: دليل على أن الرؤيا ممكنة لأن استقرار الجبل في مكان، ممكن عقلا، وقد علق عليه بسوف تراني فدل على إمكان الرؤية إذ لايصح تعليق المستحيل على الممكن
…
(6)
كما يناقش الزمخشري في تفسير قوله تعالى {لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم} (7)، الذي يرى أن {بإذن ربهم} تعني بتسهيله فرد ابن عرفة عليه بأن هذا التفسير متماش مع مذهبه في نسبة أفعال العباد إليهم، وأنها ليست مقدورة لله، وإنما ييسرها ويسهلها الله عليهم
…
.
(1) تفسير ابن عرفة 1/ 102 - 103.
(2)
النور: 2.
(3)
ق: 9.
(4)
الأعراف: 143.
(5)
الأعراف 143.
(6)
ق: 144.
(7)
إبراهيم: 1.
ثم ناقش ابن عطية في نفس الموضوع الذي فسر بإذن ربهم بعلم الله، واقتضائه وتوفيقه، فرد عليه ابن عرفة بأن هذه نزعة اعتزالية ولولا قوله واقتضائه لكان صريحًا في اتباع المعتزلة، لانهم يقولون: إن العبد يستقل بافعاله، ويخلقها، وإن الله لم يخلق الشر، ولا أراد.
ثم يفسر ابن عرفة الآية بما يراه صوابًا وهو أن معنى قوله بإذن ربهم، أي بقدرته وخلقه واختراعه وأنه خلق الهداية والضلال، وأراد تعالى أن يكون في ملكه مالا يريد (1).
وفي قوله تعالى {ولكم في القصاص حياة
…
.} (2)، قال ابن عرفة: فيه دليل لأهل السنة القائلين بأن لاحسن ولا قبح لأن الآية خرجت مخرج الامتنان بتعداد هذه النعم فدل على أنها تفضل من الله تعالى، ولو كان القصاص واجبًا في العقل لما
حسن كونه نعمة، ولما صح الاتيان به لأن ذلك تحصيل الحاصل (3).
وهو يفسر الألفاظ حسب اصطلاح أهل الكلام عليها:
وقال في تفسير قوله تعالى {فيعلمون أنه الحق
…
} (4)، الحق يقع في القرآن كثيرًا كقوله تعالى {ماخلقنا السموات والارض وما بينهما إلا بالحق} (5)، فمن يفهمه على ظاهره يعتزل، لأن مذهب المعتزلة مراعاة الأصلح على قاعدة التحسين والتقبيح. والصواب أن يقال في تفسير الحق: هو الأمر الثابت في نفس الأمر الذي دل الدليل الشرعي على ثبوته. أو يقال: إنما هو الثابت بدليل شرعي أو مدلول الكلام القديم الأزلي (6).
وفي قوله تعالى {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} (7) قال ابن عرفة: حكى ابن الخطيب اختلاف المتكلمين على الاستطاعة مع الفعل أو قبله؟ قال: والآية حجة لمن يقول إنها قبله، ورد ابن عرفة هذا الرأي وقال: الاستطاعة تطلق على معنين فتارة يراد بها التمكن من الفعل كقوله: زيد الفاعل مستطيع على القيام فهذا لاخلاف أنها تشترط فيها المقارنة وليست هي المصطلح عليها عند المتكلمين، وتارة يراد بها القدرة على
(1) ق: 180.
(2)
البقرة: 179.
(3)
ق: 41.
(4)
البقرة: 26.
(5)
الأحقاف: 3.
(6)
ق: 11.
(7)
آل عمران: 97.
الفعل فهذه التي تعرض لها الأصوليون وذكروا فيها الخلاف، والآية من القسم الأول (1).
ويفسر لفظة "إله" من قوله تعالى {وإلهكم إله واحد لاإله إلا هو الرحمن الرحيم} (2)، معتمدا على الأصوليين واللغويين، ويختم كل ذلك بالاستشهاد بالقرآن. قال: الإله في اصطلاح المتقدمين من الأصوليين هو الغني بذاته المفتقر غيره إليه، وعند الأصوليين المتأخرين واللغويين: هو المعبود تقربا، وبه يفهم قوله عز وجل {وقال فرعون يا أيها الملأ ماعلمت لكم من إله غيري} (3)، وقول إبراهيم لأبيه آزر {أتتخذ أصنامًا آلهة ..} (4)، وقول الله عز وجل {ءآلهتنا خير أم هو
…
} (5)(6).
كما يستدل ابن عرفة بقوله {ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم} (7) لعقيدة أهل السنة فقال: وفيه دليل لأهل السنة في أن الله تعالى يخلق الخير والشر (8).
وفي قوله تعالى {ومن يرتدد منكم عن دينه} (9)، قال ابن عرفة: في لفظ هذه الآية رحمة وتفضل من الله عز وجل لأن قبلها {حتى يردوكم عن دينكم} (10)، فكان المناسب أن يقال: ومن يرد منكم عن دينه لكنه لو قيل هكذا لدخل في عمومه من أكره على الردة فإن الله سبحانه لما قال ومن يرتدد: يكون الوعيد مختصًا بمن ارتد مختارًا متعمدًا وتسائل ابن عرفة: هلا قيل فيمت وهو مرتد ليناسب أول الآية آخرها؟ ويسمونه رد العجز على الصدر فقال: إن من عادتهم يجيبون بأنه لو قيل كذلك لتناول مرتكب الكبيرة من المسلمين لأنه يصدق عليه أنه مرتد عن دينه لقوله تعالى {إن الدين عند الله الإسلام} (11)، وأشار إلى مفهوم الإسلام الوارد في الحديث والمتمثل في الشهادتين وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والحج للمستطيع فأفاد بأن الإسلام حقيقة مركبة من هذه القواعد الخمسة فمتى عدم بعضها عدم الإسلام لامتناع وجود الماهية بدون بعض أجزائها، فمن فعلها كلها ثم بدا له
(1) ق: 83.
(2)
البقرة: 163.
(3)
القصص: 38.
(4)
الأنعام: 74.
(5)
الزخرف: 58.
(6)
ق: 39.
(7)
النساء: 168 - 169.
(8)
ق: 113.
(9)
البقرة: 217.
(10)
البقرة 217.
(11)
آل عمران: 19.