الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الفقه المالكي والظاهري وأثره في التفسير بالمنطقة:
عندما شعر أهل المنطقة بقلة منابع العلم في بلادهم خاصة بعد وفاة من عندهم من التابعين واستشهاد كثير من العلماء في الحروب الطويلة مع الخوارج بدأ توجههم يتكثف نحو المشرق لطلب العلم، تعويضا عن هذا النقص واتصلوا بكبار المحدثين والفقهاء من أمثال أبي حنيفة النعمان ومالك بن أنس وسفيان الثوري - وكان صاحب مذهب متبوع - وغيرهم ثم عادوا إلى القيروان ونشروا علم هؤلاء الشيوخ فكانت تلك هي البذرة الأولى لظهور المذاهب في المغرب.
ونظرًا لتطور البنية العامة للمجتمع الإسلامي وظهور المدارس الفقهية في الساحة وبروز المذاهب الفقهية المختلفة ظهر مايسمى بالتفسير الفقهي وتأثر بما صاحب ذلك من تقليد وانتصار لصاحب المذهب المتبوع حيث التمس كل تابع الأدلة الشرعية لمتبوعه، وأهم مايلتمس فيه الأدلة الشرعية هو كتاب الله سبحانه وتعالى.
فظهرت كتب خاصة بأحكام القرآن تتتبع آيات الأحكام فقط وتفسيرها، وتستنبط منها الأحكام الشرعية المستفادة، وظهرت كتب في التفسير غلب عليها الطابع الفقهي والاستطراد في الأحكام كلما مر صاحبها بآية من آيات الأحكام.
المذهب المالكي
(1):
لقد تلقى أهل القيروان مذهب السلف على يد الصحابة والتابعين، ثم
(1) انظر: الفرق الإسلامية 127، الصراع المذهبي 39، الحياة الاجتماعية 58.
شاهدوا بأعينهم الفتن التي أدى إليها التأويل والبعد عن النصوص، ولذلك ماإن أدخل علي بن زياد (ت 381 هـ) الموطأ إلى إفريقية وفسر لهم قول مالك ولم يكونوا بعرفونه، حتى أقبلوا عليه إقبالا منقطع النظير، لأنهم وجدوا فيه ضالتهم المنشودة لجمعه بين البساطة والأصالة، واعتماده على الحديث فإن صاحب هذا المذهب يدرس في مدينة رسول الله ص:، ويلتزم النص من الكتاب والسنة، ولايأخذ إلا عن الثقات، وبرع في السنة حتى سمي أمير المؤمنين في الحديث، وهو إلى جانب ذلك شديد الورع لايفتي إلا بحذر شديد وينفر من الرأي والتأويل. (1)
ويرجع سبب اختيار الأفارقة لمذهب مالك على غيره إلى اعتماده على الحديث وتقدمه على غيره من المذاهب التي سلكت نفس المنهج فقد كانوا متعطشين للوصول إلى المذهب الذي تتمثل السنة فيه، وقد وجدوا ذلك في مذهب مالك المبني أساسا على حديث أهل الحجاز، وهم الصفوة والكثرة من الصحابة والتابعين، كما أشار الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب إلى أن السبب في ميل الأفارقة إلى مذهب مالك هو اتحاد سندهم وسند مدرسة مالك، حيث ذكر أن رواية الأفارقة للحديث أي قبل نشأة المذاهب، أكثر ما كانت بطريق المدنيين وسندهم. (2)
وهناك أمر آخر يجدر التنبيه عليه، وبه يكتمل هذا التعليل، وهو التقدم الزمني للمذهب المالكي على غيره من المذاهب الأخرى المشتهرة بالاعتماد على الحديث، وخاصة مذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام أحمد، فكان الخيار أمام الأفارقة محصورا في المذهبين الحنفي والمالكي، فتجنبوا الأول لاشتهاره بالميل إلى الرأي، الذي كان سببا في الفتن التي عاشوها كما تقدم، وأقبلوا على الثاني، لاعتماده على الحديث وموافقة ذلك مافي نفوسهم من التعطش إلى السنة.
(1) انظر أعلام الفكر الإسلامي1/ 383، الرياض 1/ 432، مقدمة الرياض ص: 11
فما بعدها، جذوة المقتبس 306.
(2)
انظر الإمام المازري 15.
ويأتي في الدرجة الثانية من التعليل ماذهب إليه ابن خلدون (1) من أن رحلة أهل إفريقية كانت غالبا إلى الحجاز فاقتصروا على الأخذ عن علماء المدينة، وكذلك لمناسبة البداوة بين الشعبين.
وعلى يد علي بن زياد تخرجت الطبقة الأولى من علماء المالكية بالقيروان (2)، مثل أسد بن الفرات، والبهلول بن راشد، وعبدالله بن غانم، وغيرهم ثم تسارع أهل هذه الطبقة للأخذ مباشرة عن الإمام مالك، حتى زاد الرواة عنه من أهل القيروان عن ثلاثين تلميذا (3)، وبذلك كثر رواة الموطأ بالقيروان، وانتشر علم مالك، فأقبل عليه.
ثم جاء الإمام سحنون فجمع في مدونته علم مالك وفقهه، واستشهد لمسائلها بالآثار، فأصبحت عمدة المذهب، والكتاب الثاني بعد الموطأ، وقد أخذها عنه أهل إفريقية والمغرب والأندلس، حتى بلغ تلاميذه نحو السبعمائة (4) نشروا علم مالك في هذه البلاد، قال الخشني: ثم قدم سحنون بذلك المذهب، وجمع مع ذلك فضل الدين والعقل والورع والعفاف والانقباض، فبارك الله تعالى فيه للمسلمين، فمالت إليه الوجوه وأحبته القلوب وصار زمانه كأنه مبتدأ، وقد محا ماقبله فكان سراج القيروان (5)، وأقبل تلاميذ سحنون ومن بعدهم على التصنيف في المذهب واهتموا بالمدونة خاصة، مابين شارح ومختصر ومعلق ثم جاء ابن أبي زيد القيرواني الملقب بمالك الصغير، وعلى يديه استقر المذهب فهو الذي لخص المذهب وضم نشره، وذب عنه، وملأت البلاد تآليفه (6) واستمر المذهب في نمو حتى صار في مطلع القرن الخامس هو المذهب الوحيد بإفريقية، وهكذا أصبحت القيروان هي المركز الثاني للمذهب المالكي بعد المدينة المنورة.
وبعد رحيل العبيديين لم يزل أمر السنة يقوى والمعز يعد العدة للتخلص من سلطانهم حتى كانت سنة 435 هـ وفيها قطع دعوتهم، ولعنهم على المنابر،
(1) المقدمة 449.
(2)
انظر موطأ ابن زياد 31.
(3)
انظر المعالم 2/ 38.
(4)
انظر الشجرة 1/ 69.
(5)
المعالم 2/ 83.
(6)
الديباج 137.