الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الهمزة وعوض منها الألف واللام، ولزمتا للتعظيم.
وقيل: أصله لاه. دخلت الألف واللام ولزمتا للتعظيم، ووجب الإدغام لسكون الأول من المثلين. ودل على ذلك قولهم: لهي أبوك، يريدون: لله أبوك
…
ويدل عليها أيضًا قوله: لاه ابن عمك. يريد: لله.
وذكر الزجاج في بعض أماليه عن الخليل: أن أصله: ولاه، ثم أبدل من الواو همزة كإشاح ووشاح. والألف في لاه منقلبة عن ياء دل على ذلك قولهم: لهي أبوك. فظهرت الياء عوضًا من الألف تدل على أن أصل الألف الياء. وختم كلامه عن هذه الثلاثة بالتنبيه على القياس على ذلك فيما يغفله بعد من الأشباه والنظائر فقال: وإنما أشبعنا الكلام في هذين الاسمين لقياس عليهما شبههما مما لعلنا نغفله. وكذلك نغفل في كل ماهو مثل هذا.
وفي مشكل إعراب سورة الفاتحة:
تكلم عن كلمة سورة واشتقاقها ومعاني كل، ثم عن كلمة الحمد وسبب رفعها وتعلق اللام في قوله: لله. ثم تكلم عن كلمة: إياك فأطال في بيان مشكل إعرابها.
وفي مشكل إعراب سورة الكوثر قال:
قوله تعالى: {إنا أعطيناك} (1) أصل إنا: إننا. فحذفت إحدى النونات لاجتماع الأمثال، والمحذوف هي الثانية بدلالة جواز حذفها في أن تقول: إن زيدًا لقائم، فحذفت الثانية وتبقى الأولى على سكونها ساكنة. ولو كانت المحذوفة هي الأولى لبقيت الثانية متحركة، لأنها كانت كذلك قبل الحذف، ولا يجوز حذف الثانية لأنها من الاسم.
تاسعا: موقفه من القراءات:
لقد وقع حسن فرحات في خلل في دراسته حيث أغفل جانب القراءات في تفسير مكي مع أهميته القصوى واهتمامه بها وبتوجيهها على الرغم من حديثه عن القراءات عند مكي من خلال كتبه الأخرى في القراءات وننقل هنا بعضًا من مواضع ذكر مكي في تفسيره للقراءات وتوجيهه لها:
في قوله تعالى {بما كانوا يكذبون} (2) قال: أي بتكذيبهم الرسل، وقيل بتكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا التفسير يدل على صحة قراءة من قرأ {يُكَذّبون} بالتشديد.
ويدل على قوة التشديد أن الكذب لايوجب العذاب الأليم، إنما يوجبه التكذيب. وأيضًا فإنه تعالى أخبرهم بالشك في أول الكلام،
(1) الكوثر: 1.
(2)
البقرة: 10.
ومن شك في شيء فقد كذب به، فالتكذيب أولى بالآية على هذا القول.
ومما استدل به من قرأ {يَكْذِبون} بالتخفيف، أن الله عز وجل أخبر أنهم يقولون آمنا وما هم بمؤمنين فأخبر عنهم بالكذب في قولهم آمنا وتواعدهم عليه بالعذاب الأليم، فهو من الكذب أولى من أن يكون من التكذيب، إذ لم يتقدم في صدر الآية إلا الإخبار عنهم بالكذب لابالتكذيب.
والقراءتان قويتان متداخلتان حسنتان لأن المرض: الشك، ومن شك في شيء، فقد كذب به (1).
قوله تعالى {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم
…
} (2) قال: ومن قرأ {قُتِل} فالمعنى عند عكرمة أن القتل إخبار عما فعل بالأنبياء، وأنهم قتلوا فيمامضى وأن من كان معهم لم يضعف بعدهم ولا تضعضع. ثم أخبر عن قولهم بعد نبيهم وثباتهم على دينهم، فيكون التمام على هذا قتل وفيه بعد، لأن مابعده من صفة نبي ويكون معنى الآية: إن الله وبخ بذلك أصحاب النبي الذين ضعفوا يوم أحد، حين قيل: قتل محمد. فأخبرهم أن كثيرًا من الأنبياء قتلوا، فلم يضعف من كان معهم ليتأسوا بهم.
وقيل المعنى: أن الله أخبر أنه قد قتل مع الأنبياء ربيون كثير فما وهن من بقي ولا ضعف، ولا ذل، فيتأسى المؤمنون بهذا، فلا يضعفوا لما أصاب أصحابهم من القتل يوم أحد فلا يكون التمام على هذا {قتل} ، لأن الربيين مرفوعون بقتل. والأول أحسن لأن كعب بن مالك قال: أول من عرف رسول الله أنه لم يقتل يوم أحد، أنا، رأيت عينه من تحت المغفر فناديت بأعلى صوتي: هذا رسول الله. فأومأ إلي النبي أن اسكت، وكان قد صاح الشيطان يوم أحد: قتل محمد فانهزم المسلمون خلا قليل منهم، فأنزل الله {وكأين من نبي قتل} (3) أي كثير من الأنبياء قتلوا، ولم يضعف من كان معه بعده ولا ذل. فكيف أردتم أيها المؤمنون أن تضعفوا حين سمعتم الشناعة بأن محمدًا قد قتل، فتأسوا أيها المؤمنون بمن كان قبلكم من أصحاب الأنبياء الربيين وعلى هذا التأويل اختار قوم من العلماء قراءة من قرأ {قتل} لأنهم عوتبوا على ضعف بعضهم لما سمعوا بقتل النبي عليه السلام ومن قرأ {قاتل} حمله
(1) الهداية 1/ 13.
(2)
آل عمران: 146.
(3)
آل عمران: 146.
على معنى أنهم وهنوا لقتل أصحابهم وجراحهم، فأنزل الله عليهم يعلمهم أن كثيرًا من الأنبياء قاتل معه أصحابه وأتباعه فلم يضعفوا لما أصابهم من قتل وجراح فيتأسوا بهم، واختار بعض أهل اللغة {قاتل} لأنه أبلغ في المدح للجميع (1).
وقال: {كهيعص} (2) قرأ بعض القراء بإمالة الياء، وعلة الإمالة أنها حرف مقصور، فإذا ثنيت ثنيت بالياء فشابهت ما ثني بالياء من الأسماء. فأميلت لذلك. وسبب الإمالة فيها عند الخليل وسبويه أنها أسماء للحروف فجازت إمالتها لتفرق ههنا بينها وبين الحروف التي لا يجوز إمالتها نحو: ما ولا وإلا
…
فإن سميت بشيء منها جازت الإمالة. ولا يحسن إمالة كاف ولا قاف وصاد لأن الألف متوسطة.
{واذكر عَبْدَنا إبراهيم} (3) قال: أي اذكر إبراهيم وولده إسحاق وولده يعقوب. ومن قرأ {عبادنا} بالجمع أدخل الجمع في العبودية. وجعل ما بعده معطوفًا عليه.
وهو يتعرض في حديثه عن القراءات للشاذ أيضا:
ومن ذلك عند قوله عز وجل {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} (4) قال: قرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه: وينهون عن المنكر ويستعينون بالله على ماأصابهم. ثم قال مكي زاد خمس كلمات ولا يقرأ بذلك اليوم، لأنه خلاف لخط المصحف المجمع عليه.
قال: وقرأ ابن مسعود "أكان للناس عجبٌ "(5) بالرفع جعل {أن أوحينا} في موضع نصب وهو بعيد، لأن المصدر معرفة، فهو أحق أن يكون اسم كان عجبا، لأنه نكرة.
وفي شرح مشكل الغريب اهتم بإيراد القراءات القرآنية لما لها من أثر في توجيه معاني الآيات ويبرز بوضوح في هذا الكتاب من كتب مفردات القرآن، طغيان مسائل القراءات القرآنية على الجانب اللغوي الذي امتازت به كتب المتقدمين من أئمة اللغة:
ومن ذلك قوله في تفسير كلمة {فأزالهما} (6)
(1) الهداية 1/ 160.
(2)
مريم: 1.
(3)
ص: 45.
(4)
آل عمران: 104.
(5)
وهي قراءة شاذة والجمهور قرأها {عجبا} يونس: 2.
(6)
البقرة: 36.
بالألف من الزوال أي نحّاهما، وبغير ألف من الزلل أي استزلهما (1).
وقوله في تفسير كلمة {يرتعْ} (2) من أسكن العين أراد يأكل، ومن كسر العين فمعناه يحرس بعضنا بعضا، ومنه رعاك الله أي حفظك الله (3).
وقال في مشكل الإعراب:
قوله تعالى: {إن هذان لساحران} (4)
على لغة بني الحارث بن كعب: يأتون بالمثنى بالألف على كل حال (5)، قال بعضهم:
…
تزود منا بين أذناه طعنة
وقيل: {إن} بمعنى نعم، وفيه بعد لدخول اللام في الخبر، وذلك لا يكون إلا في الشعر كقوله:
أم الحليس لعجوز شهربة (6)
وكان وجه الكلام: لأم الحليس عجوز كذلك
وجه الكلام في الآية إن حملت "إن" على "معنى" نعم: إن لهذان ساحران كما تقول: نعم لهذان ساحران، ونعم لمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي تأخير اللام مع لفظ إن بعض القوة على نعم.
وقيل: الهاء مضمرة مع إن، وتقديره إنه هذان لساحران كما تقول: إنه زيد منطلق، وهو قول حسن لولا دخول اللام في الخبر بعده.
فأما من خفف إن فهي قراءة حسنة لأنه أصلح أوجه الإعراب ولم يخالف بالخط لكن دخول اللام في الخبر يعترضه على مذهب سيبويه لأنه يقدر أنها المخففة من الثقيلة ارتفع مابعدها بالابتداء والخبر لنقص بنائها فرجع مابعدها إلى أصله فاللام لا تدخل في خبر الابتداء أى على أصله إلا في شعر كما ذكرنا.
(1) والقراءة بدون ألف هي {فأزلهما} بتشديد اللام وهي لغير حمزة من العشرة. انظر إتحاف فضلاء البشر ص: 134.
(2)
يوسف: 12.
(3)
{يرتع} بالياء وسكون العين هي قراءة عاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، وأما القراءة بكسر العين مع الياء أيضا فهي بنفس المعنى وهي قراءة نافع وأبي جعفر والخلاف في كون الفعل صحيحا أم معتلا، أما القراءة بكسر العين مع النون {نرتع} فهي التي بالمعنى الذي ذكره مكي وهي قراءة ابن كثير وفي إثبات الياء في آخره خلاف من رواية قنبل، وقرأ أبو عمرو وابن عامر بالنون وسكون العين. انظر إتحاف فضلاء البشر ص: 262 - 263.
(4)
طه: 63.
(5)
يعني على قراءة {إن} مشددة.
(6)
الشَهْرَبة: العجوز الكبيرة (انظر لسان العرب 4/ 2352).