الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان بمكة وما حفظ أنه كانت قط في الإسلام صلاة بغير الحمد لله رب العالمين وروي عن عطاء بن يسار وغيره أنها مدنية. وأما أسماؤها فلا خلاف أنه يقال لها: فاتحة الكتاب. واختلف هل يقال لها: أم الكتاب؟ فكره ذلك الحسن بن أبي الحسن وأجازه ابن عباس وغيره.
وقوله في سورة البقرة (1):
هذه السورة مدنية نزلت في مدد شتى وفيها آخر آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} (2)
وهو يتعرض لعد الآي ومن ذلك قوله: وعدد آي سورة البقرة مائتان وخمس وثمانون آية، وقيل: وست وثمانون، وقيل: وسبع وثمانون. (3)
ثانيا: موقفه من العقيدة:
وأما من الناحية الكلامية فمنهجه منهج الأشعري يأول آيات العقائد تأويل الأشعرية ويوجهها توجيههم، ولنأخذ مثالا على ذلك قال في قوله تعالى:{ثم استوى على العرش} (4) والمعتقد في هذا أنه سبحانه مستو على العرش على الوجه الذي قاله، وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته كان الله ولا شيء معه، كان سبحانه قبل أن يخلق المكان والزمان وهو الآن على ماعليه كان. (5)
وقوله: {العلي} (6): يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان لأن الله سبحانه وتعالى منزه عن التحيز (7)
وله ردود على المعتزلة وغيرهم وقد هاجم الزمخشري الذي ذهب إلى أن "لن" لتأبيد النفي لينفي رؤية الله سبحانه في قوله {لن تراني} (8) وهنا نرى أن الثعالبي ينقد تفسير الزمخشري (9) كما أنه لا يحبذ مطالعته متأثرا في ذلك ببعض شيوخه الأشاعرة الذين يرغبون عنه لاعتزاله (10).
(1) الجواهر1/ 48.
(2)
البقرة: 281.
(3)
الجواهر1/ 44.
(4)
الرعد: 2.
(5)
الجواهر 2/ 263.
(6)
البقرة: 255.
(7)
الجواهر1/ 244.
(8)
الأعراف: 143 وانظر الجواهر 2/ 52.
(9)
انظر أيضا الجواهر 4/ 226.
(10)
انظر: معجم الجواهر ص: 177.
وفي قوله {ليس عليك هداهم} (1) قال: ثم أخبر سبحانه أنه يهدي من يشاء، وفي الآية رد على القدرية، وطوائف المعتزلة، ثم بين تعالى أن النفقة المقبولة ما كان ابتغاء وجه الله، وفي الآية تأويل وهو أنها شهادة من الله تعالى للصحابة أنهم إنما ينفقون ابتغاء وجه الله سبحانه فهو خبر عنهم لهم فيه تفضيل.
وقال في قوله تعالى {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ماكسبت} (2)
ويومًا نصب على المفعول، لاعلى الظرف، وجمهور العلماء على أن هذا اليوم المحذر منه: هو يوم القيامة والحساب والتوفية، وقال قوم: هو يوم الموت، والأول أصح، وهو يوم تنفطر لذكره القلوب، وفي هذه الآية نص على أن الثواب والعقاب متعلق بكسب الإنسان، وهذا رد على الجبرية.
الجانب الصوفي في منهجه:
وإذا كان منهج الثعالبي منهجا تحقيقيا في أساسه وطابعه العام فإنه لم يخل من جانب صوفي واضح إذ كان هو نفسه صوفيا سنيا لا يذهب مذهب الحلول والغوص في مذهب وحدة الوجود (3)، وهو ينقل في تفسيره نصوصا عن القشيري والمحاسبي من رعايته ومن مختصرها للعز بن عبد السلام ومن كتاب سنن الصالحين لأبي الوليد الباجي ومن التنوير لابن عطاء الله السكندري وعن صاحب التشوف المغربي وعن أبي القاسم عبد الرحمن بن يوسف اللجائي الصوفي وعن أبي مدين البجائي التلسماني وعن أبي الحسن الشاذلي وغيرهم. (4)
ومفهوم الولي عنده مفهوم قرآني قال في تفسير قوله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} (5): وأولياء الله هم المؤمنون الذين والوه بالطاعة والعبادة وهذه الآية يعطي ظاهرها أن من آمن واتقى الله فهو داخل في أولياء الله وهذا هو الذي تقتضي الشريعة في الولي. (6)
وقد انتقد ظاهرة التصنع والرياء لدى بعض المتصوفة المرائين المتصنعين
(1) البقرة: 272.
(2)
البقرة: 281.
(3)
انظر مايأتي في المبحث الثاني من هذا الفصل في تفاسير الصوفية المدروسة هناك.
(4)
انظر مقدمة الطالبي (1 / ع).
(5)
يونس: 62.
(6)
الجواهر 2/ 183.
فقال عند تفسير قوله تعالى {فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين} (1):
وهذا كله تغليظ على المرائين والمتصنعين ولا خلاف أعلمه بين أرباب القلوب وأئمة التصوف أن المتصنع عندهم بهذه الأمور ممقوت وأما من غلبه الحال لضعفه وقوي الوارد عليه حتى أذهبه عن حسه فهو إن شاء الله من السادة الأخيار يطول تعدادهم كابن وهب، وأحمد بن معتب المالكيين ذكرهما عياض في مداركه وأنهما ماتا من ذلك، وكذلك مالك بن دينار مات من ذلك ذكره عبد الحق في العاقبة ومن كلام عز الدين بن عبد السلام رحمه الله في قواعده الصغرى قال: وقد يصيح بعضهم لغلبة الحال عليه، وإلجائها إياه إلى الصياح، وهو في هذا معذور، ومن صاح لغير ذلك فمتصنع ليس من القوم في شيء، وكذلك من أظهر شيئا من الأحوال رياء أو تسميعا فإنه ملحق بالفجار دون الأبرار. (2)
ونعلق على ماذكره هنا بأن أولى الناس بالخشوع النبي صلى الله عليه وسلم ثم صحابته الكرام وعلماء الأمة الصدور من التابعين ومن بعدهم كالأئمة الأربعة ومن في منزلتهم ولم يصدر ذلك عن أحد منهم مما يدلل على كون ذلك مدخلا من مداخل الشيطان وتلبيسا من تلبيساته كما أفاض في ذكر جمل من ذلك ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس وأفرده الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل في رسالة مستقلة.
ومن صوفياته قوله تحت قوله تعالى {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض} (3) وأخذ أبو سليمان الداراني قدح الماء ليتوضأ لصلاة الليل وعنده ضيف فرآه لما أدخل إصبعه في أذن القدح أقام كذلك مفكرًا حتى طلع الفجر، فقال له: ماهذا ياأبا سليمان؟ فقال: إني لما طرحت إصبعي في أذن القدح تذكرت قول الله سبحانه {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم} (4) فتفكرت في حالي، وكيف أتلقى الغل إن طرح في عنقي يوم القيامة، فما زلت في ذلك حتى أصبحت.
(1) الزمر: 22.
(2)
الجواهر4/ 55.
(3)
آل عمران: 191، الجواهر 1/ 404 - 405.
(4)
غافر: 71.