الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليها، وما سمي التأويل عند الإسماعلية مقصور على أئمتهم دون غيرهم (1).
وقد جعلوا محمدا صلى الله عليه وسلم صاحب التنزيل، فالتنزيل اختص به الناطق في حياته. وهو علم الظاهر وأحكام الشريعة والعلم المصرح بتعليمه وتبيينه واعتناقه لطبقات العامة. والباطن اختص به الإمام أو الأساس، وهو علم التأويل والحقيقة ومرموزاتها وتعاليمها التي لا يمكن الإفصاح عتها إلا لجنود الدعوة المخلصين الذين تدرجوا في مراتبها وتربعوا في مناصبها وهم طبقات الخاصة. (2)
المنهج العام للتفسير:
(3)
لم يتناول ابن حيون في تفسيره القرآن كله، بل أخذ بعض الآيات التي ظهر له أنها تؤيد المذهب الذي يدعو إليه.
وقد تعرض في كتابه تأويل الدعائم لتأويل كم هائل من الآيات والأحاديث.
وتجدر الإشارة إلى أن التأويل عند الإسماعيلية يختلف عن التفسير بمعناه الشرعي الصحيح لدى أغلب الفرق الإسلامية الأخرى، فهو تأويل غريب لا يتلاءم مع مفهوم اللغة والشرع والعقل، ولذا فسوف أكتفي بعرض بعض النماذج التي لا أزمة لها وهي تبين عن نفسها.
قال في أساس التأويل:
في قوله تعالى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} (4)، قال:
الطريقة هي النبي الناطق في زمانه، والإمام في أوانه من بعده، والماء الغدق هو العلم الغزير (5).
وفي تأويل قوله جل ذكره {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} (6) قال: فصاحب العصر سواء كان نبيا أو إماما يدعى ناطقا، لأنه ينطق بالظاهر، ويقوم به، وحجته يدعى صامتا لأنه صامت عن الظاهر قائم بالباطن.
(1) تاريخ الدعوة الإسماعيلية 1/ 12.
(2)
مقدمة المحقق 1/ 5.
(3)
وممن تكلم عن منهج ابن حيون في تفسيره: عبد السلام الكنوني في المدرسة القرآنية 1/ 171 - 174، ووسيلة بلعيد في التفسير واتجاهاته ص: 402 - 404.
(4)
الجن: 16.
(5)
مقدمة المحقق ص: 39.
(6)
الأنبياء: 22.
فالإمام والحجة يتعاقبان تعاقب الليل والنهار
…
وفي ذلك قال الله تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} (1)، إن آيات الله في الباطن حجج على خلقه، وهم الذين افترض عليهم طاعتهم.
وفي تأويل آيات الفاتحة قال:
{اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (2):
والصراط في اللغة: الطريق. ممثل هنا بالطريق لأن من لزم الطريق يصل، وكذلك من لزم الإمام يصل، والمراد ههنا بالطريق الإمام لا الطريق المسلوك في الأرض.
وقد أثبت النعمان وجود الظاهر والباطن في القرآن مستشهدًا بقوله تعالى {ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون} (3) وبقوله تعالى {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} (4).
ويقول: إن من معجزات القرآن أن يأتي بالشيء الواحد، وله معنى في ظاهره ومعنى في باطنة، وبذلك كان ظاهره معجزة الرسول، وباطنه معجزة الأئمة من أهل بيته (5).
وقال في قوله تعالى {ألم نشرح لك صدرك} (6) قال: عنى به شرح الظاهر (7).
ويؤول قوله تعالى {محمد رسول الله والذين معه} (8) بأنهم الأئمة، ثم قال: وقد بينا في غير موضع أن اسم الإيمان يقع على الرسول والأسس والأئمة وجميع المؤمنين المتصلين بهم. (9)
وذكر أنهم الذين اتبعوه بالحقيقة وآمنوا به وصدقوه بظاهره وباطنه وقاموا بأمره في حياته وبعد مماته من أسبابه الذين كانوا في عصره والأئمة من بعده منهم {معه} باتباعهم إياه وتمسكهم بأمره واتصالهم به لأنهم في نظام واحد معه، فهم حبل الله المتصل طرفه بيد الله وطرفه بيد العباد كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرسول هو أول حدّ من الحبل في العالم السفلي والأساس متصل به، والأئمة يتصلون بالأساس واحدا بعد واحد، والطرف الأدنى الذي هو بيد العباد إمام كل زمان في زمانه فمن تمسك به فقد تمسك بحبل الله،
(1) الإسراء: 12.
(2)
الفاتحة: 7.
(3)
الذاريات: 94.
(4)
لقمان: 20.
(5)
أساس التأويل ص: 33.
(6)
الشرح: 1.
(7)
أساس التأويل ص: 343.
(8)
الفتح: 29.
(9)
أساس التأويل ص: 345.
وكل واحد منهم في زمانه هو العروة الوثقى التي لا انفصام لها، كالسلسلة، كل عروة منها متصلة بالأخرى فمن تمسك بأدناها فقد تمسك بها كلها وبعضها مع بعض وذلك قول الله عز وجل:{محمد رسول الله والذين معه} (1)
وذكر في تأويل قوله تعالى {فصلّ لربك وانحر} (2) أن معناها:
أقم الدعوة لله باطنا، وهي باطن الصلاة وأقمها في الظاهر ولا الظاهر دون الباطن {وانحر} أي خذ عهد الأساسية على أساسك ونصبه للبيان تتصل ذريتك الباطنة ويكثر المستجيبين لدعوتك وينبتر أمر شانئك وقائل ذلك فيك. فكان كما وعد الله جل ذكره، والنحر إنما يكون للجمال وهي أمثال الأئمة، والذبح للغنم وهي أمثال المؤمنين، والبقر أمثال الحجج، فضرب مثل أساس إبراهيم بالكبش وأساس موسى بالبقر وأساس محمد بالبعير وذلك الذي ذكره من قول إبراهيم لأساسه إسماعيل. (3)
وقال في قوله تعالى {ولقد آتيناك سبعا من المثاني} (4) أي الأئمة السبعة (5)، أئمة الإسماعيلية.
وقال في تأويل قوله تعالى {فإن مع العسر يسرا} (6) مع التنزيل الظاهر بيان باطني يوضحه وييسره لمن عسر عليه أمره بالبيان الذي هو التأويل (7).
وقال في تأويل قوله تعالى {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربهم} (8) فالشهداء الأئمة والصدّيقون هم أيضا.
ومن ذلك قول الله عز وجل {وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون} (9) وقوله تعالى {أيها الصديق} (10)، وقوله صلى الله عليه وسلم:"اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله "(11) يعني الإمام (12)
(1) الفتح: 29.
(2)
الكوثر: 2.
(3)
أساس التأويل ص: 347.
(4)
الحجر: 87.
(5)
أساس التأويل ص: 268.
(6)
الشرح: 5.
(7)
أساس التأويل ص: 438.
(8)
الحديد: 19.
(9)
الزمر: 69.
(10)
يوسف: 46.
(11)
أخرجه الترمذي - كتاب التفسير - باب ومن سورة الحجر 5/ 298 وقال الترمذي: حديث غريب. وقال الألباني: ضعيف (ضعيف الجامع رقم 127) وانظر أيضا الموضوعات 1/ 74.
(12)
أساس التأويل ص: 341.
ويقول في تأويل الدعائم:
كذلك يرفض المؤمن المستجيب ما كان عليه من ظاهر أهل الباطن ويتمسك بظاهر أهل الحق وباطنهم ومثل ما يترك من سرته عند قطعها ويربط ويكوى طرفه إلى أن يجف ويسقط مثل ما يترك المستجيب عليه من توحيد أهل الظاهر الذي هو إلى الشرك أقرب كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (1) فيترك على ذلك في وقت الأخذ عليه إلا أنه يعرف أنه سيوقف على حقيقة توحيد الله وتنزيهه عن كل مثل وضد لئلا يعتقد ما كان عليه من ذلك من التشبيه والشرك وذلك مثل ربط السرة وحسمها فإذا عرف حقيقة توحيد الله وتبين له ذلك سقط عنه ما كان يعتقده من افتراء المبطلين على الله في ذلك وهذا مثل سقوط سرة المولود بعد أيام من ولادته. (2)
ويقول:
وقد سمعتم فيما بسط لكم من الأصول وقرئ عليكم من حد الرضاع في الباطن أن لكل جنس من الحيوان أمثالا من الناس يرمز في الباطن بهم لهم ويكنى عنهم بذكرهم في القرآن وفي الكلام ومن ذلك قول الله: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء} (3) فأخبر تعالى جل من مخبر أن جميع الدواب والطير أمثال للعباد الآدميين فضرب من ذلك أمثالا كثيرة قد سمعتم بعضها وتسمعون من ذلك ما يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى وقد سمعتم أن أمثال حشرات الأرض وخشاشها والهوام أمثال الحشو والرعاع من الناس وأن النحل أمثال المؤمنين.
ومن ذلك الحديث المأثور (4): "المؤمنون كالنحل لو علمت الطير ما في بطونها لأكلتها" كذلك المؤمن لو علم الكافر ما فيه من الفضل والعلم والحكمة لقتله حسدا له والزنابير أمثال حشو أهل الباطل الذين يتشبهون بأهل الإيمان كما أن الزنبور يشبه النحل ويحكي صنعة بيتها الذي تصنعه بالشمع
(1) يوسف: 106.
(2)
تأويل الدعائم ص: 48.
(3)
الأنعام: 38.
(4)
قد يكون مأثورا عن علي أو جعفر الصادق أو غيرهما، وليس ذلك صريحا في نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما يتبين من كلامه لمن تأمله.
فيبنيه الزنبور بالطين وليس فيه عسل كذلك أمثاله من حشو أهل الباطل لا خير عندهم وإن تشبهوا بأهل الحق، والضب أحد الحشرات فضرب صلى الله عليه وسلم جحر الضب وخشرم الدبر والدبر جماعة الزنابير كما قلنا مثلا لدعوة أشرار الناس وأوباشهم وأخبر الأمة أنهم سيسلكون في أتباعهم أمثالهم مسلك من تقدمهم من الأمم وقد فعلوا واتبعوا السفلة والأشرار وأوباش الخلق وائتموا بهم وكذبوا عليه صلى الله عليه وسلم فزعموا أنه قال:"أطع إمامك وإن كان أسود مجدعا "(1) فائتموا بالسودان والعبدان والأوباش والأشرار ونصبوهم أئمة من دون أولياء الله فهذا تأويل الحديث ومنه قول يعقوب ليوسف: {وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث} (2) فأما جحر الضب وخشرم الدبر فليس مما يدخله الناس ولا يصح القول بذلك في الظاهر وقول الله تعالى: {ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط} (3) له تأويل سيأتي ذكره في موضعه إن شاء الله تعالى. (4)
ويقول:
والصلاة مثلها مثل إبراهيم صلى الله عليه وسلم وهو الذي بنى البيت الحرام ونصب المقام فجعل الله البيت قبلة والمقام مصلى وحكى قوله تعالى: {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} (5) وكان هذا القول هو افتتاح الصلاة للمصلين، والزكاة مثلها مثل موسى {إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى اذهب إلى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى} (6) فكان أول ما أمره الله أن يدعوه إليه أن يزكى، والصوم مثله عيسى عليه السلام وهو أول ما خاطب به أمه أن تقول لمن رأته من البشر وهو قوله الذي حكاه تعالى عنه لها:{فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} (7) وكان هو كذلك يصوم دهره ولم يكن يأتي النساء كما لا يجوز للصائم أن يأتيهن في حال
(1) حديث صحيح أخرجه البخاري - كتاب الأذان - باب إمامة العبد والمولى 2/ 184 عن أنس بلفظ: اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل حبشي كأن رأسه زبيبة. وأخرجه مسلم - كتاب المساجد - باب كراهية تأخير الصلاة 1/ 448 عن أبي ذر بلفظ: إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أسمع وأطع وإن كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف.
(2)
يوسف: 6.
(3)
الأعراف: 40.
(4)
تأويل الدعائم ص: 50.
(5)
الأنعام: 79.
(6)
النازعات: 16 - 18.
(7)
مريم: 26.
صومه والحج مثله مثل محمد صلى الله عليه وسلم وهو أول من أقام مناسك الحج وسن سنته وكانت العرب وغيرها من الأمم تحج البيت في الجاهلية ولا تقيم شيئا من مناسكه كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية} (1)
…
وكان الحج خاتمة الأعمال المفروضة وكان هو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلم يبق بعد الحج من دعائم الإسلام غير الجهاد وهو مثل سابع الأئمة الذي يكون سابع أسبوعهم الأخير الذي هو صاحب القيامة
…
قال: ففضله الله بذلك على سائر من تقدمه من المرسلين وجعل له دونهم فضيلتين ومثلين الحج والجهاد وإذا كان الذي مثله مثل الجهاد من أهل دعوته وشريعته وأحد أولاده وأئمة دينه فلذلك قام هو أيضا بالجهاد مع إقامة الحج، والجهاد ليس من أصل الأعمال إنما هو دعاء إلى اتباع الشريعة وقتل من امتنع من ذلك وكذلك مثله الذي هو خاتم الأئمة لا يكون في وقته عمل كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله:{يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (2)
…
قال: وكذلك يجري هذه الأمثال في أسابيع الأئمة يكون أول كل أسبوع منهم مثله مثل الولاية لأنه أول من افترض الله منهم ولايته والثاني مثله مثل الطهارة والثالث مثله مثل الحج على ما تقدم من أمثال النطقاء والسادس منهم يسمى متما كما سمى محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ويكمل به أمر الأسبوع ويكون السابع أقواهم ويتم الأمر به ومثله مثل الجهاد على ما تقدم به القول. فهذه أمثال السبع الدعائم التي هي دعائم الإسلام وأمثالها الذين هم النطقاء والأئمة كذلك هم دعائم الدين التي استقر عليها فافهموا الأمثال أيها المؤمنون تكونوا من العالمين فإن الله يقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} (3). (4)
ويقول: وكل ما أظهر من الباطن على ألسنة الأنبياء والأئمة صار ظاهرا وكان قبل ذلك باطنا ولا يزال ذلك حتى يقوم آخر قائم من أئمة محمد
(1) الأنفال: 35.
(2)
الأنعام: 158.
(3)
العنكبوت: 43.
(4)
تأويل الدعائم ص: 51 - 53.
صلى الله عليه وعلى آله الأئمة من ذريته الذي هو صاحب القيامة فيكشف الباطن كله ويرتفع الظاهر والعمل كما قال تعالى: {لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} (1) وكما قال تعالى {يوم يكشف عن ساق} (2) والساق من الباطن لأنها مما يستر ولا يكشف {ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} يعني أنه قد ارتفع العمل والانتفاع بالطاعة فلا يستطاع ذلك. (3)
ويقول:
والعرب في لغتها والمعروف من لسانها تسمى الشيء باسم ما صحبه ولاءمه وألفه ومن ذلك أيضا كان الكتاب مثل الإمام لأن القرآن هو أليف كل إمام وبه يعمل وعليه يعول وعنده علمه قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} (4) يعني وصية عليا صلى الله عليه الذي أودعه ذلك والأئمة من ولده الذين انتقل ذلك عنه إليهم، والعرب تسمى الكتاب إماما قال أصحاب التفسير في قول الله:{وكل شيء أحصيناه في إمام مبين} (5) قالوا: يعني في كتاب. (6)
ويقول:
قول الله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} (7) وإنما خاطب الله عز وجل بهذا الخطاب المؤمنين جميعا وكذلك قال تعالى {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (8) وقد ذكرنا أن الولاية دعامة من دعائم الإسلام وأمر الله في كتابه بطاعة أولي الأمر وقرن ولايتهم بولاية رسوله بقوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} (9) وذلك فرض فرضه الله عز وجل على المؤمنين، والولاية أصلها السمع والطاعة، فلو كان القول في ذلك ما قالته العامة؛ من أن المراد بالولاية ها هنا وبالمؤمنين جميع من آمن بالله ورسوله، لم يدر من المأمور منهم بالسمع والطاعة، ومن يجب ذلك له من جميعهم، ولكانت طاعة جميعهم واجبة على جميعهم، وأهواؤهم مختلفة وقلوبهم وآراؤهم شتى، ومنهم المطيع والعاصي والمؤالف والمخالف.
وقد علم الله ذلك منهم فلم يكن سبحانه ليوجب من ذلك ما لا يعرف حقيقته ولا يصح أمره ولا يثبت واجبه، ولكن اسم الإيمان
(1) الأنعام: 185.
(2)
القلم: 42.
(3)
تأويل الدعائم ص: 55.
(4)
الرعد: 43.
(5)
يس: 12.
(6)
تأويل الدعائم ص: 61.
(7)
المائدة 55 - 56.
(8)
التوبة: 71.
(9)
المائدة: 55.
يقع على جميع من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله من أنبيائه وأئمة دينه وجميع أوليائه وجميع من صدق بذلك وأصل الإيمان التصديق قال الله تعالى {وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين} (1) أي ما أنت بمصدق لنا وإن صدقنا ومعلوم في لسان العرب الذي نزل به القرآن وخوطبوا منه بما يعرفون في لغاتهم ولسانهم أن الخطاب قد يكون عاما عندهم ويراد به الخاص كما قال الله تعالى {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم} (2) فأراد أن بعض الناس قال ذلك وأنه أراد أن بعض الناس هم الذين جمعوا لهم وذلك ما لا يجوز غيره لأن القائلين ذلك والمخاطبين به هم من الناس فلا يجوز أن يراد بقوله {قال لهم الناس} جميع الناس والذين جمعوا لهم هم جميع الناس والذين جمعوا لهم من الناس فهذا مما ظاهره يقع على العموم وباطنه يراد به الخاص دون العام وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب وما يجري منه بين الناس ويتداولونه بينهم كما يقول القائل منهم لقيت العلماء ورأيت الملوك وسمعت كلام الناس وركبت الخيل وشاهدت الأعمال وأشباه ذلك من القول وهو لم يرد بذلك الجميع وإنما أراد البعض ممن لقيه ورآه وشاهده فكذلك قول الله {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} (3) ولم يرد به جميع المؤمنين لأن الخطاب بذلك لمن أوجب عليه ولاية من أوجب ولايته منهم وإنما أراد بالمؤمنين ها هنا الأئمة الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله بقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (4) كما قرن ولايتهم بولايته وولاية رسوله وقد تقدم البيان فيما سمعتموه أن اسم الإيمان يقع على جميع من آمن بالله ورسوله قال الله عز وجل حكاية عن موسى صلى الله عليه وسلم: {سبحانك تبت إليك وأنا أول
المؤمنين} (5) وقال: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله} (6) وقال {وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب} (7) ومن ذلك قول الله تعالى: {والذين آمنوا بالله ورسوله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} (8) وقد أخبر الله أن الشهداء إنما هم واحد في كل أمة بقوله: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} (9) وقال: {وجيء بالنبيين والشهداء} (10) فليس كل من آمن بالله وبرسوله يكون صديقا
(1) يوسف: 17.
(2)
آل عمران: 173.
(3)
المائدة: 55.
(4)
النساء: 59.
(5)
الأعراف: 143.
(6)
البقرة: 285.
(7)
الشورى: 15.
(8)
الحديد: 19.
(9)
النساء: 41.
(10)
الزمر: 69.
وشهيدا بل أكثرهم وإن آمنوا في الظاهر فقد أشركوا كما أخبر تعالى عن ذلك بقوله: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (1) والمراد بالصديقين والشهداء من المؤمنين الأئمة منهم وكذلك قوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (2) فالأئمة أولياء من دونهم من المؤمنين، وولايتهم مفترضة على سائر من دونهم من المؤمنين وهم أولياء المؤمنين الذين ولايتهم فرض عليهم، وبعض الأئمة أولياء بعض لأنه لم يكن منهم إمام يستحق الإمامة إلا من بعد أن كان مأموما وكان من قبله إمامه والرسول إمام جميع الأئمة ووليهم فهذا معنى قول الله:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} وولاية من له الولاية منهم من يولي منهم عليه واسم الإيمان كما ذكرنا يجمعهم والخطاب وإن جمعهم في الظاهر فإنه يخص بعضهم دون بعض في الباطن وقوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} (3) وكل المؤمنين القائمين بما افترضه الله عليهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويركعون في الظاهر وقد نص الله على ولاية من وصفه بهذه الصفة ودل بها عليه فلو حمل ذلك أيضا على ظاهره لرجع إلى المعنى الذي بينا فساده، ولكن الصلاة والزكاة كما بينا ذلك في كتاب الدعائم من
الإيمان ومما يوجبه وهما مفروضتان مع سائر الفرائض على الأئمة وعلى كافة المؤمنين، ولكن المراد ها هنا بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون الأئمة صلى الله عليهم وسلم لأنهم هم الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة بالحقيقة ظاهرا وباطنا فأما في الظاهر فإن الصلاة الظاهرة التي هي الركوع والسجود والقيام والقعود والتشهد أفضلها ما كان في جماعة ومنها ما لا يجزى إلا كذلك كصلاة الجمعة والعيدين، ولا تكون جماعة إلا بإمام، فالأئمة هم الذين يقيمون الصلاة بالحقيقة وإيتاؤهم الزكاة هو أن العباد قد تعبدوا بدفع مايلزمهم منها إليهم وتعبدوهم بإيتائها من تجب له وصرفها في وجوهها فهم الذين يؤتون الزكاة بالحقيقة من يستحقها وركوعهم طاعتهم لله ولرسوله والصلاة في الباطن هي الدعوة فهم صلى الله عليهم وسلم يقيمونها والمال في الباطن هو العلم وإخراج الزكاة منه في الباطن هو إخراج ما أوجب الله على أهله الذين هم أئمة دينه أن يبذلوه لمستحقه.
(1) يوسف: 106.
(2)
التوبة: 71.
(3)
المائدة: 55.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل شيء زكاة وزكاة العلم نشره "(1) فهم المقيمون الصلاة والمؤتون الزكاة والراكعون بالحقيقة ظاهرا أو باطنا وإياهم عنى الله بذلك.
وقد روت العامة أن هذه الآية نزلت في علي صلى الله عليه وسلم وذلك قالوا: إنه تصدق بخاتمه على سائل مر به وهو راكع.
وقد جاء في كتاب الدعائم عن محمد بن علي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن قول الله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} (2) من عنى بالذين آمنوا؟ فقال: إيانا عنى بذلك وأنه سئل عن قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} (3) في مواضع كثيرة من القرآن من مثل هذا مما لا يجوز أن يعنى بها جميع المؤمنين وقال: إيانا عنى بذلك. وقال في بعضها: وعلي صلى الله عليه وسلم أولنا وأفضلنا وأخيرنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان ذلك من قوله مما يؤيد ما ذكرناه من أن الأئمة هم الذين عنى الله بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} فيما يرتفع من حدود المؤمنين دونهم وأن اسم الإيمان يجمعهم وإياهم وكذلك المعنيون صلى الله عليهم بكثير من القول في القرآن مما قد ادعته العامة لأنفسها مثل قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} (4) ومثل قوله: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} (5) ومثل قوله {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} (6) ومثل قوله {وكونوا مع الصادقين} (7) ومثل قوله {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج} (8) ومثل قوله: {الصديقون والشهداء} (9) ومثل قوله: {ولكل قوم هاد} (10) ومثل قوله: {والراسخون في العلم} (11) ومثل قوله {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا} (12) ومثل هذا كثير. (13)
ويقول: فالمراد بالعلم في ذلك العلم المأثور عن أولياء الله وأنبيائه
(1) لم أجده كاملا والمشهور في كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة حديثان: لكل شيء زكاة وزكاة الجسد الصوم، لكل شيء زكاة وزكاة البيت دار الضيافة. (انظر كمثال العلل المتناهية في الأحاديث الواهية رقم 825، 885).
(2)
المائدة: 55.
(3)
آل عمران: 200.
(4)
البقرة: 143.
(5)
العنكبوت: 43.
(6)
النساء: 58.
(7)
التوبة: 119.
(8)
الحج: 78.
(9)
الحديد: 19.
(10)
الرعد: 7.
(11)
آل عمران: 7.
(12)
فاطر: 32.
(13)
تأويل الدعائم ص: 61 - 65.
وأئمته صلى الله عليهم والمراد بالعلماء هم صلى الله عليهم ومن تعلم منهم فهو يعد من العلماء على سبيل المجاز باتباعه لهم وتوليه إياهم كقوله تعالى: {فمن تبعني فإنه مني} (1) وقوله: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (2) فهم العلماء بالحقيقة صلى الله عليهم وقد يقع اسم العلماء على المجاز على كل عالم بشيء ما كان، فليس أولئك وإن وقع عليهم اسم العلماء ممن يعني بالعلماء في الحقيقة
…
قال: ومن ذلك قوله تعالى: {بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم} (3) يعني أولياءه ولا يكون أهل العلم ها هنا كل من علم شيئا ما كان وكذلك قوله: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} (4) وإنما عنى بالعلم ها هنا العلم الحقيقي الذي قد قدمنا ذكره المأثور عن أولياء الله. (5)
قال: ومما ذكرناه من أن العلماء بالحقيقة هم أولياء الله ما جاء في كتاب الدعائم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعلموا من عالم أهل بيتي أو ممن تعلم من عالم أهل بيتي تنجوا من النار". (6)
قال: ومنه قول نوح صلى الله عليه وسلم: {ولمن دخل بيتي مؤمنا} (7) وقد ذكرنا أن لسان العرب يسمى فيه الشيء باسم ما صحبه ولاءمه فمثل صلى الله عليه بيته الذي هو دعوته بأهل بيته القائمين بها والمعنى الذي أراد تمثيل دعوته بدعوة نوح هو أنه كما هلك من تخلف عنها، كذلك يهلك من تخلف عن دعوته، وكما نجا من دخلها كذلك ينجو من دخل دعوته، لأن نوحا أول أصحاب الشرائع وأول أولي العزم ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر أصحاب الشرائع وآخر أولي العزم. (8)
ويقول:
(1) إبراهيم: 36.
(2)
المائدة: 51.
(3)
العنكبوت: 49.
(4)
المجادلة: 11.
(5)
تأويل الدعائم ص: 65 - 66.
(6)
تأويل الدعائم ص: 67، وهذا الحديث لم أقف له على أصل لا صحيح ولا ضعيف ولا موضوع.
(7)
نوح: 28.
(8)
تأويل الدعائم ص: 69.
(9)
البقرة: 151.
{هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} (1) فالكتاب في الظاهر هاهنا كتاب الله، والحكمة مابينه رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء من عنده والكتاب في الباطن الإمام كما ذكرنا والحكمة في الباطن التأويل الباطن فعلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ظاهرا وباطنا على درجاتهم ومنازلهم والواجب لأهل كل طبقة منهم ومن ذلك قوله تعالى:{وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} (2) وهذا من أعظم نعمه فلم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلمهم من ذلك ظاهرا دون الباطن ولا باطنا دون ظاهر بل أسبغ الله عليهم به كما أخبر نعمه ظاهرة وباطنة، فعلمهم مما علمه الله تعالى ظاهر العلم وباطنه بأن علمهم تنزيل الكتاب وأخبرهم بواجب السنة وأوقفهم على إمام زمانهم من بعده وعلى واجب الإمامة للصفوة من ولده وأودع علم التأويل من أقامه مقامه لهم ليكون معجزة له وبأن ينقله كذلك واحد من بعد واحد منهم فيمن يخلفه للأمة ويقوم فيها مقامه من بعده. (3)
ويقول:
والطهارة في الباطن التطهر بالعلم وبما يوجبه العلم من أحداث النفوس قال الله: {وأنزلنا من السماء ماء طهورا} (4) وقال {وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام} (5) وقد تقدم القول بأن الماء مثله مثل العلم فكما يطهر الماء الظاهر من أحداث الأبدان الظاهرة، كذلك يطهر العلم من أحداث النفوس الباطنة وأفاعيلها الردية الموبقة وكذلك يكون الطهور بما يوجبه العلم من الواجبات قال تعالى {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم} (6)
…
(7)
وقال:
وقال تعالى: {وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن لا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} (8) فلم يسكنه إلا الصفوة من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم ولما تغيرت الأمور من بعده وسكن الحرم المشركون وبعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم كان فيما أنزله عليه قوله: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} (9) فنفاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرم فكان طهور البيت إسكان أولياء الله فيه وإخراج أعدائه
(1) الجمعة: 2.
(2)
لقمان: 20.
(3)
تأويل الدعائم ص: 71.
(4)
الفرقان: 48.
(5)
الأنفال: 11.
(6)
التوبة: 103.
(7)
تأويل الدعائم ص: 72.
(8)
الحج: 26.
(9)
التوبة: 28.
منه ولم يكن ذلك بالماء في الظاهر هو كما يكون الطهور الظاهر وقال الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {ياأيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر} (1) فكان أول ما افترض عليه بعد إنذاره أن يبدأ بتطهير ثيابه والثياب في التأويل الظاهر لأن الثياب ظاهرة فأمره الله بإقامة ظاهر الشريعة وتطهيره من أنجاس الكفرة الجاهلية وما كانت تعبده وتذهب إليه في ظاهر ماتتدين به وكذلك يجب كما ذكرنا على المؤمنين أن يبدأ ويبتدئ به من يعلمه الإيمان بإقامة ظاهره وتطهيره مما كان يذهب إليه من ظاهر أهل الباطن وقد فسر ذلك كثير من المفسرين من العامة على غير الطهر الظاهر المتعارف عندهم الماء فقال بعضهم قوله: {وثيابك فطهر} (2) أي طهر نفسك من الذنوب فكنى عنها بثيابه. وقال آخرون: أراد أن لا تلبس ثيابك على كذب ولا فجور ولا إثم، البسها وأنت طاهر من ذلك. وقال آخرون: أي قصرها. وقال آخرون: العرب تقول ألبست فلانا ثوب خزية وعار، إذا ألبسته ذما ونقيصة. فكلهم تأولوا ذلك على غير الطهارة من أنجاس الأبدان في الظاهر بالماء ومن أنجاس الأرواح في الباطن بالعلم. (3)
ويقول:
فالإيمان على ضربين براءة من الباطل وأهله ودخول في الحق وأهله، وقد ذكرنا أن مثل الصلاة مثل البراءة من الباطل وأهله والصلاة تدعى إيمانا وقد جاء أن القبلة لما صرفت إلى جهة الكعبة قال المسلمون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يارسول الله أفيذهب ثواب صلاتنا من قبل؟ فأنزل الله: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (4) يعني صلاتكم (5) فسمى صلاتكم إيمانا وكذلك هي في الباطن إيمان لأن الدعوة جماع الإيمان. (6)
ويقول:
وقد جاء أن عورة الرجل مابين السرة والركبتين وأن المرأة عورة كلها فباطن ذلك أن أمثال الرجال كما ذكرنا أمثال المفيدين وهم الذين يفيدون من دونهم من المؤمنين العلم والحكمة، وهم في ذلك على طبقات بعضها فوق بعض فكل مفيد مثله مثل الذكر وكل مستفيد مثله مثل الأنثى، والمستفيد يجب
(1) المدثر: 1 - 4.
(2)
المدثر: 4.
(3)
تأويل الدعائم ص: 72 - 73.
(4)
البقرة: 143.
(5)
لم يأت سبب النزول بهذا اللفظ والذي ورد في معناه أخرجه البخاري عن البراء - كتاب الإيمان - باب الصلاة من الإيمان 1/ 95.
(6)
تأويل الدعائم ص: 75.
عليه ستر جميع مايفيده المفيد فمثله في ذلك مثل المرأة التي يجب سترها كلها والمفيد لا ينبغي له كشف جملة ماعنده من ذلك لمن يفيده وإنما ينبغي له أن يفيده أطرافا من الحكمة والعلم ويكشف من ذلك لكل من يفيده بقدره ويكون عنده من ذلك ما يستره عمن دونه ليستحق به الفضل عليه وكان الذي يجب ستره على الرجل ثلاثة أشياء من بدنه فخذاه وفرجاه وفكاه ومن ذلك قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} (1) فعني بالذين آمنوا هاهنا: المفيدين، وبالذين ملكت أيمانكم: المستفيدين منهم غير المأذون لهم، وبالذين لم يبلغوا الحلم: المحرمين المستفيدين والمأذونين الذين لم يبلغوا حد الإطلاق. فأمر المفيدين أن يستروا عنهم من هذه الثلاث العورات كلها فلا يفاتحوهم بما في حدودها من العلم حتى يجب ذلك لهم. (2)
ويقول:
مثل الصلاة مثل أول قائم بالدعوة التي افترضت فيها وهو محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مما ذكرنا أن الشيء يسمى باسم ماصحبه ولاءمه وأن الطهارة مثلها مثل أساسه وهو علي صلى الله عليه وسلم وقيل إن ذلك يدل عليه حروفهما فقيل صلاة أربعة أحرف ومحمد أربعة أحرف وطهر كذلك ثلاثة أحرف وعلي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أحرف فلا يصح إقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا لمن أقر بأن عليا صلى الله عليه وسلم وصيه من بعده وكذلك لا تكون صلاة في الظاهر من مصل إلا بطهارة ومن ذلك أيضا قولهم الوضوء مفتاح الصلاة كذلك لا يولي النبي إلا من قبل وصيه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا مدينة العلم وعلي صلى الله عليه وسلم بابها فمن أراد العلم فليأت الباب"(3) ومنه قوله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها} (4)
…
(5)
(1) النور: 58.
(2)
تأويل الدعائم ص: 83.
(3)
أخرجه الحاكم - كتاب معرفة الصحابة 3/ 126 وقال: صحيح الإسناد. فتعقبه الذهبي بقوله: قلت: بل موضوع وأبو الصلت قال: ثقة مأمون قلت: لا والله لا ثقة ولا مأمون. وقال: قلت: العجب من الحاكم وجرأته في تصحيحه هذا وأمثاله من البواطيل وأحمد هذا دجال كذاب. أ. هـ وقال الألباني: موضوع (انظر ضعيف الجامع رقم 1416) وذكره الذهبي في ترتيب الموضوعات 1/ 287.
(4)
البقرة: 189.
(5)
تأويل الدعائم ص: 86.
ويقول:
فالقبلة في التأويل مثلها مثل الحجة لأهل دعوة الباطن وأساس الشريعة وهو وصي النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} (1) يعني عليا صلى الله عليه وسلم ونصبه للحجة وأساسا لإمامة من بعده وأمر الناس بالتوجه إليه وأن يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شطر المسجد الحرام وهو وجهه الذي قال فيه {فول وجهك شطر المسجد الحرام} (2) وقد ذكرنا أن مثل المسجد الحرام مثل الناطق ودعوته وحجة الناطق وهو وجهه الذي يتوجه إلى الناس به في التأويل وتوليته شطر المسجد الحرام هو توليته باطن الدعوة وهي نصفها لأنها دعوتان ظاهرة وباطنة، فظاهر الدعوة تكون للناطق يقيم بها ظاهر الدين وأحكامه. وباطنها وهي الدعوة الباطنة يقيم بها حجته ويقيم الحجة لها نقباءه ودعاته يدعون إليها فهذا تأويل قوله:{فول وجهك شطر المسجد الحرام} أي ول أمر وصيك أمر الدعوة الباطنة ثم قال لجميع المؤمنين: {وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره} أي حيث ما كنتم فاقبلوا على دعوة الحق. (3)
وقال:
الوفد في اللغة جمع وافد وهو الذي يأتي الملك عن القوم فكذلك الأئمة هم الذين يفدون إلى الله بأهل أزمانهم وهم الشهداء عليهم كما قال جل من قائل: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} (4) وقال: {وجيء بالنبيين والشهداء} (5) وقال: {أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم} (6) وكذلك الدعاة هم وفود أهل زمانهم إلى أئمتهم عندهم عليهم بأعمالهم التي طلعوا فيها عليهم. (7)
ويلاحظ فيما ذكرنا من النقول ما يقوم عليه تأويل هؤلاء من جعل كل شيء في الأئمة ودعوتهم وطاعتهم ومن هذا المنطلق يصلون لربط الشريعة ككل بما يمليه عليهم أئمتهم وهذا هو الأساس الذي هدموا به الدين وانسلخوا منه كلية والعياذ بالله ومن أراد الاستزادة عن المراحل التالية لتلك المرحلة وما وصل إليه الأمر عندهم عليه بمراجعة كتاب الحركات الباطنية في العالم الإسلامي.
(1) البقرة: 144.
(2)
البقرة: 149.
(3)
تأويل الدعائم ص: 237.
(4)
النساء: 41.
(5)
الزمر: 69.
(6)
الحديد: 19.
(7)
تأويل الدعائم ص: 239.