الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: أمثلة الرأي المذموم
تفسير هود بن محكم الهواري الإباضي من خلال كتابه تفسير كتاب الله العزيز
مؤلف هذا التفسير هو هود بن محكم الهواري إباضي من علماء النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة والنصف الأول من القرن الثالث جزائري من أهل المنطقة (1).
التعريف بالتفسير:
وتفسير الكتاب العزيز من التفاسير المطبوعة حديثا، تمت طباعته في أربعة مجلدات بدار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى 1990 م، بتحقيق بالحاج بن سعيد الشريفي وهو إباضي أيضا (2).
(1) تقدمت ترجمته في أهل المنطقة برقم 240.
(2)
محقق الكتاب واضح جدًا أنه إباضي المذهب كما يظهر من ثنائه العطر على صاحبه وعلى الإباضية عامة ويكفي في بيان ذلك وصفة عبد الوهاب الرستمي مؤسس الدولة الرستمية بالامام عبد الوهاب رضي الله عنه. 1/ 17
وقد ذكر في شيوخه علي بن يحيى بن معمر صاحب كتاب الإباضية في موكب التاريخ 1/ 8 كما ذكر أنه أبدى ملاحظاته لأستاذه المرحوم إبراهيم بيوض وهو إباضي عن علاقة تفسير هود بن محكم بتفسير يحيى بن سلام فقال: ما كنا نعلم هذا ولا سمعنا به 1/ 23
ويقول في تعليقه على السعي بين الصفا والمروة: وذهب بعض الإباضية إلى أنه سنة يلزم تاركه دم
…
ورجح بعض المحققين من الأصحاب فرضيته فلا يتم حج أو عمرة لمن تركه عمدًا 1/ 161.
ويقول المحقق أيضا: فإن الراجح عند الأصحاب وعند إمامنا جابر بن زيد أن الصلاة الوسطى هي صلاة الصبح، وهو قول روي أيضًا عن عمر ومعاذ وجابر بن عبد الله وغيرهم. 1/ 228
وقد وصف المحقق محمد إطفيش بأنه قطب الأئمة 2/ 249، كما أن تعليقه على آية الحجر رقم 2 إذ يقول:"ومسألة الخلود - أي للعصاة في النار - كما تعلم من مسائل الخلاف بين الإباضية وبين بعض الفرق الإسلامية " 2/ 341 يؤكد ماذهبت إليه.
ولقد ظل هذا التفسير أكثر من أحد عشر قرنًا منسيا مغمورًا إلى أن ظهرت مخطوطاته المتفرقة في بعض الخزائن الخاصة، وهي خزائن لعلماء من القرون الأربعة الأخيرة يحتفظ بها أبناؤهم وحفدتهم وهي موجودة في وادي ميزاب جنوب الجزائر بمدن العطف، وبني يسجن، والقرارة، وفي جزيرة جربة، بالبلاد التونسية (1).
إن المصادر الإباضية القديمة هي وحدها التي أشارت إلى هذا التفسير وأول مصدر مطبوع ذكره هو كتاب السير للبدر الشماخي وبعد ذلك بقليل ذكره موتلانسكي (2) في بحث له أورد فيه قائمة بأسماء كتب للإباضية لمؤلف مجهول وهي لأبي القاسم البرادي الإباضي.
وقد ذكر محقق تفسير كتاب الله العزيز أن هناك صلة وثيقة بين تفسير هود وبين تفسير يحيى بن سلام البصري وبينهما قرن من الزمان، ويؤيد ذلك بكثرة الروايات فيه عن علماء البصرة صحابة وتابعين، ثم عقد مقارنة بينهما تثبت العلاقة الوثيقة. (3)
ثم قال: واليوم وبعد أكثر من عشر سنوات من التحقيق والمقارنة والاستقراء، أستطيع أن أقول بدون تردد أن الشيخ هودًا الهواري اعتمد اعتمادًا كثيرا إن لم أقل اعتمادًا كليا، على تفسير ابن سلام البصري. ولو جاز لي أن أضع للكتاب عنوانًا غير الذي وجدته في المخطوطات لكان العنوان هكذا: تفسير الشيخ هود الهواري
(1) انظر مقدمة التحقيق 1/ 5.
(2)
كان موتلانسكي ترجمانًا عسكريًا بملحقة غرداية بعد إلحاق وادي ميزاب سنة1882 م واخضاعه للنظام العسكري الفرنسي. انظر المرجع السابق 1/ 6.
(3)
1/ 22، 23.
مختصر تفسير ابن سلام البصري، لأن تفسير ابن سلام أصل لتفسير الشيخ هود الهواري مافي ذلك شك، وهذا هو عين الحقيقة والصواب. والأمانة العلمية تقتضيني أن أجلو هذا وأبينه في تقديمي للكتاب (1).
وقد يكون الهواري رحل إلى القيروان طلبًا للعلم فتلقاه مباشرة من محمد بن يحيى بن سلام أو من أبي داود العطار تلميذ يحيى، والذي أضافه هو تحريف عقيدة ابن سلام السلفية في تفسيره إلى عقيدة الإباضية.
وقال البدر الشماخي - وهو إباضي - عن هذا التفسير: وهو كتاب جليل في تفسير كلام الله لم يتعرض فيه للنحو والإعراب بل هو على طرق المتقدمين. (2)
وقد كان له منزلة كبيرة في قومه؛ ذكر الشيخ ميمون حمودي أن رجلين اختصما على تفسير هود بن محكم الهواري حتى بلغ تشاجرهما قبيلتيهما، وحتى كادت الثورة تقوم بينهم. وتصاف الفريقان، وكاد الشر يقع بينهم. فلما رأى ذلك أبو محمد جمال نزع المصحف (التفسير) من بينهم فقسمه نصفين، فوافق قرطاسًا بين النصفين لم يكتب، وأعطى لكل نصفًا، وزال الشر واصطلحوا. (3)
نبذة عن الإباضية وعلاقتهم بالتفسير: (4)
سبق أن ذكرت في التمهيد أصل الخوارج ودخولهم المنطقة وانقاسمهم إلى فرق عدة، (5) وقد دخل المغرب منهم فرقتان فقط هما: الإباضية والصفرية، وكان ظهورهما في مطلع القرن الثاني.
وتنسب فرقة الإباضية إلى عبد الله بن إباض المري (6)، ومن أهم مبادئهم: تكفير مخالفيهم من المسلمين كفر النعمة، وتكفير مرتكب الكبيرة وخلوده في النار، ونفي رؤية الله في الآخرة، والقول بخلق القرآن، وتأويل صفات الله عز وجل، وإنكار الشفاعة
(1) 1/ 42.
(2)
السير ص: 381.
(3)
انظر المقدمة 1/ 19.
(4)
انظر في ذلك: التفسير والمفسرون 2/ 300 - 319، إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر 1/ 281 - 303.
(5)
انظر ص: 53.
(6)
الفرق بين الفرق 103.
لمرتكب الكبيرة، وتكفير بعض الصحابة. وهم يكثرون من التأويلات الباطلة كتأويل الميزان بأنه العدل، وتأويل الصراط بأنه الدين القيم. وهم أفضل من غيرهم من فرق الخوارج في بعض الأمور ومنها تحريم دماء مخالفيهم من المسلمين وعدم جواز سبي ذراريهم، واعتبار دارهم دار توحيد إلا معسكر السلطان، وتجويزهم مناكحتهم وموارثتهم، وهذا ماجعلهم أقدر من غيرهم على الاستمرارية في المجتمعات السنية.
وفي تاهرت انقسم الإباضيون على أنفسهم، وظهرت فرقة النكار الذين أنكروا إمامة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، ومن زعمائهم: أبو يزيد صاحب الثورة الشهيرة ضد العبيديين، وقد كان له منكرات لايفعلها حتى أعداء الدين؛ لأن مذهبه تكفير أهل السنة واستباحة أموالهم ونسائهم (1).
وقد نقل محقق تفسير هود عن ناصر المرموري ما نصه: كان علماء الإباضية يهابون تفسير القرآن. قال لي الإمام غالب رواية عن بعض مشايخه: إن الشيخ أبا نبهان جاعد بن خميس حاول ذلك فبدأ من سورة الناس، فلما بلغ سورة الحاقة عند قوله تعالى:{ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين} (2) قطع أوراقه وترك التفسير هيبة وخوفًا. (3)
ولا يعرف من مفسري الإباضية في منطقتنا - بل على الإطلاق - غير قلة سبق ترجمتهم في المفسرين من أهل المنطقة، وليس لهم تراث تفسيري باق ولا لغيرهم من الخوارج؛ سوى هذا التفسير الذي بين أيدينا، والتفاسير الثلاثة التي ألفها إطفيش من القرن الرابع عشر، وقد قام بدراسة منهج تفسير إطفيش الدكتور حسين الذهبي (4) والدكتور فهد الرومي (5) وها أنا أقدم دراسة لهذا التفسير والله المستعان.
(1) انظر: المؤنس 57، رحلة التجاني 328، مدرسة الحديث 1/ 96 - 98.
(2)
الحاقة: 44 - 47.
(3)
1/ 34.
(4)
انظر التفسير والمفسرون 2/ 319.
(5)
انظر اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر1/ 303.