الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعا: موقفه من تفسير القرآن بالسنة:
قال عند قوله تعالى {يرثني ويرث من آل يعقوب} (1): وأنكر آخرون وراثة المال في هذا لقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة"(2) وهذا الحديث يجب أن يكون حكمه مخصوصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن نفسه على لفظ الجماعة
…
ويحتمل أن تكون هذه شريعة كانت ونسختها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمنع وراثته. (3)
وقال: وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بالموت فيوضع بين الجنة والنار كأنه كبش أملح" قال: "فيقال ياأهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت" قال: "فيقال: ياأهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت ثم يؤمر به فيذبح" قال: "فيقول: ياأهل الجنة خلود بلا موت وياأهل النار خلود بلا موت " ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {وأنذرهم يوم الحسرة} (4) الآية وأشار بيده في الدنيا يريد الغفلة في الدنيا". (5)
وفي قوله تعالى {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا حملته أمه كرهًا ووضعته كرها} (6) ذكر مارواه ابن مسعود أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل: أي الأعمال أفضل؟
قال: "إيمان بالله، والصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله "(7).
(1) مريم: 6.
(2)
أخرجه البخاري - كتاب الفرائض - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لانورث ما تركنا صدقة" 12/ 6، 7، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "لانورث ماتركنا فهو صدقة" 3/ 1379.
(3)
الهداية 3/ 2.
(4)
مريم: 39.
(5)
الهداية 3/ 12. أخرجه البخاري - كتاب التفسير - باب {وأنذرهم يوم الحسرة} رقم 4730، ومسلم - كتاب الجنة - باب النار يدخلها الجبارون رقم 2849 من حديث أبي سعيد.
(6)
الأحقاف: 15.
(7)
أخرجه البخاري - كتاب التوحيد - باب وسمى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة عملا 13/ 510، ومسلم - كتاب الإيمان - باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال 1/ 89.
وذكر غيره من أحاديث في بر الوالدين وعقوقهما.
وريما تكلم عن الحديث من حيث الصناعة الحديثية مثل الحديث المروي في حل أكل ذبائح المجوس وهو قوله: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب"(1) فأشار إلى أن سنده غير متصل، وأن المراد به الجزية فقط.
وقد ذكرت صاحبة التفسير واتجاهاته تبعا لفرحات أن من أهم خصائص منهج مكي:
1 -
اقتصاره على رواية الصحيح من الحديث دون غيره، وهو بهذا تقدم خطوة حاسمة بمنهج التفسير بالمأثور نحو تخليصه من الروايات الضعيفة والواهية والموضوعة.
2 -
حذفه الأسانيد وهو ماذكره في مقدمته بقوله: وأضربت عن الأسانيد ليخف حفظه على من أراده.
وقالت: واعتمد مكي في تفسير القرآن على الأحاديث الصحيحة دون غيرها، بعد حذف أسانيدها، قصد التخفيف على من يرغب في حفظ الكتاب. وهو منهج سلكه كثير من المفسرين والفقهاء، خاصة بعد أن دونت الأحاديث وعرف رجالها ووضعت المجاميع والمسانيد.
قالت: ومما يؤكد اعتماد مكي على صحيح الحديث دون غيره ماقام بتحقيقه حسن فرحات إذا تتبع بعض الأحاديث الواردة في التفسير وقارنها مع ماخرجه ابن كثير في تفسيره فلاحظ التطابق بينهما في التفسيرين والمعلوم أن ابن كثير قد اشتهر بنقل الأحاديث الصحيحة مسندة ونقد رجالها جرحًا وتعديلاً (2).
(1) أخرجه مالك في الموطأ - كتاب الزكاة - باب جزية أهل الكتاب والمجوس 1/ 278 عن محمد بن علي أن عبد الرحمن بن عوف قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". قال ابن كثير: روي مرسلاً وقال: لم يثبت بهذا اللفظ (التفسير 3/ 37) وقال ابن عبد البر: هذا منقطع (انظر تنوير الحوالك 1/ 205) وقال الألباني: ضعيف (انظر إرواء الغليل 5/ 88).
(2)
التفسير واتجاهاته ص: 178.
وهذا الذي ذكرته بالنسبة لاعتماده ذكر الصحيح فقط ليس بصحيح، كما أن تفسير ابن كثير به جملة من الأحاديث الضعيفة، والغريب أنها أتبعت كلامها ببعض مواضع استدلال مكي بالحديث فكانت الأمثلة في أحاديث ضعيفة ومن ذلك قولها:
والمثال الأول منها: ماذكره مكي في تفسير قوله عز وجل {فويل لهم مما كتبت أيديهم} (1) قال سفيان وابن عباس: ويل ماء يسيل من صديد، في أسفل جهنم، وروى عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الويل جبل في النار"(2) وروى عنه عليه السلام أبو سعيد الخدري أنه قال: "ويل وادي في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره"(3).
وكل من حديث عثمان وأبي سعيد غير صحيح.
قالت: ومن أمثلة تفسيره للقرآن بالحديث ماجاء في بيان معنى قوله تعالى {ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك} (4) قال: معناه نعظمك بالحمد والشكر وقيل: التسبيح الصلاة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لله في السموات السبع ملائكة يصلون". وإن عمر بن الخطاب قال له: يارسول الله ماصلاتهم؟ فلم يرد عليه النبي عليه السلام شيئا، فأتاه جبريل عليه السلام فقال له: يانبي الله: سألك عمر عن صلاة أهل السماء. "قال: نعم"، فقال له: اقرأ على عمر السلام وأخبره أن أهل السماء الدنيا سجود إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت. وأهل السماء الثانية ركوع إلى يوم القيامة يقولون: سبحان ذي العزة والجبروت. وأهل السماء الثالثة قيام إلى يوم القيامة يقولون: سبحان الحي الذي لا يموت (5).
(1) البقرة: 79.
(2)
أخرجه ابن جرير 1/ 378، 379 مطولا من طريق كنانة العدوي عن عثمان به. وكنانة عده الحافظ من الرابعة (التقريب 5668) ولا يعرف بسماع من عثمان، وفي الإسناد من لم أجد له ترجمة، ولم يعزه السيوطي في الدر لغير ابن جرير.
(3)
أخرجه الترمذي - كتاب صفة جهنم - باب ماجاء في صفة قعر جهنم رقم 2576، وابن حبان (انظر موارد الظمآن ص: 649) والحاكم 4/ 596 وقال الترمذي: غريب. وقال ابن كثير: منكر (التفسير 1/ 168) وقال الألباني: ضعيف (انظر ضعيف الترمذي 1/ 617، ضعيف الجامع 6/ 269).
(4)
البقرة: 30.
(5)
أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة 1/ 262، وأبو الشيخ في العظمة
3/ 1014، والحاكم في المستدرك 3/ 87 من حديث عبد الله بن عمر مطولا وأخرجه ابن نصر أيضًا من رواية سعيد بن جبير والحسن مرسلاً 1/ 264، 266، وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري فتعقبه الذهبي بقول: منكر غريب وما هو على شرط البخاري عبد الملك ضعيف تفرد به. أ. هـ وقال ابن كثير: حديث غريب جدًا بل منكر نكارة شديدة (التفسير 4/ 445).
وهذا أيضا حديث غير صحيح.
وتحت قوله تعالى {أفمن شرح الله صدره للإسلام} (1) ذكر أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم سألوه بقولهم: أو ينشرح القلب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "نعم، إذا أدخل الله فيه النور انشرح، وانفسح". قالوا: فهل لذلك من علامة تعرف؟ قال: "نعم. التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل الموت"(2).
وهو حديث ضعيف كذلك.
أما الأمثلة على الأحاديث الصحيحة فقد تقدم جملة منها.
وبالنسبة لأسباب النزول فهو من المهتمين بها المعتنين بإيرادها
قال في قوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (3): أي صلاة من مات منكم، وهو يصلي إلى بيت المقدس.
وقال المشركون من أهل مكة: تحير محمد في دينه، فكان ذلك فتنة للناس، واختبارًا وتمحيصًا للمؤمنين.
قال قتادة: صلت الأنصار حولين بين بيت المقدس قبل هجرة النبي، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فصلى نحوها ستة عشر شهرًا، ثم وجهه الله نحو الكعبة، فقال قائلون من الناس: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وقالوا: لقد اشتاق الرجل إلى مولده، فابتلى الله عباده بما شاء من أمره، فأنزل الله في اليهود والمنافقين:{سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم} إلى
(1) الزمر: 22.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره 1/ 210، وابن جرير 8/ 26 - 27 وغيرهما عن ابن مسعود موصولا وعن غيره مرسلا (وانظر الدر المنثور 5/ 358) وقال ابن كثير: فهذه الطرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة يشد بعضها بعضا والله أعلم. (التفسير2/ 175) وقال ابن الجوزي: روي من طرق كلها وهم والصواب عن عمرو بن مرة عن أبي جعفر عبد الله ابن المسور مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك قاله الثوري، وابن المسور متروك. العلل المتناهية 2/ 318.
(3)
البقرة: 143.
{مستقيم} ، وأنزل في المؤمنين {وما كان الله ليضيع إيمانكم} إلى {رحيم} . (1)(2)
وقال في قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم} (3): هذه الآية نزلت في سبب أقوام سألوا النبي صلى الله عليه وسلم مسائل امتحانا له، فيقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتي؟ فنهى الله عز وجل عن ذلك. (4)
قال أنس: سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يوم وقال:"لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم " فألقى الناس ثيابهم على رؤوسهم يبكون، فأنشأ رجل كان إذا لاحى دعي بغير أبيه، فقال: يارسول الله! من أبي؟ قال: "حذافة " فقام عمر فقبل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، أعوذ بالله من شر الفتن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"أما والذي نفسي بيده، لقد صورت مثل الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر ". (5)
قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولدا أعق منك قط، أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارفت أهل الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
وقال أبو هريرة: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان، حتى جلس على المنبر، فقام رجل فقال: أين أنا؟ فقال: "في النار"، وقال آخر: من أبي؟ فقال: "حذافة"، فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا
(1) الهداية ق: 84 والآيتان من سورة البقرة برقم: 142، 143.
(2)
أخرجه ابن جرير 2/ 5 وهو ضعيف لإرساله ولكن روى البخاري نحو ذلك من حديث البراء - كتاب التفسير - باب {سيقول السفهاء من الناس} 8/ 171.
(3)
المائدة: 101.
(4)
أخرجه البخاري - كتاب التفسير - باب {لاتسألوا عن أشياء} 8/ 280 وابن جرير 7/ 80 عن ابن عباس به.
(5)
أخرجه البخاري - كتاب التفسير - باب {لاتسألوا عن أشياء} 8/ 280، ومسلم - كتاب الفضائل - باب توقيره صلى الله عليه وسلم 7/ 94.