الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادسا: موقفه من السيرة والتاريخ وذكر الغزوات:
والمصنف يتعرض للسيرة في مناسبات كثيرة منها ماتقدم في أسارى بدر. (1)
ومن مواضع تعرضه للأمور التاريخية حديثه عن شهور العرب وإطالته فيها تحت قوله تعالى {شهر رمضان} (2).
سابعا: موقفه من الإسرائيليات:
والمصنف إذ ينعى على التفسير بالمأثور إغراقه في الإسرائيليات ونقلها عن أئمة أهل الكتاب ممن أسلم أمثال عبد الله بن سلام رضي الله عنه ووهب بن منبه وكعب ابتكر تعاملا جديدا معها وهو النقل المباشر من الأسفار ومن ذلك (3):
قوله: وقد جاء ذكر اللعنة على إضاعة عهد الله في التوراة مرات وأشهرها العهد الذي أخذه موسى على بني إسرائيل في (حواريب) حسبما جاء في سفر الخروج في الإصحاح الرابع والعشرين، والعهد الذي أخذه عليهم في (مؤاب) وهو الذي فيه اللعنة على من تركه وهو في سفر التثنية في الإصحاح الثامن والعشرين والإصحاح التاسع والعشرين ومنه: أنتم واقفون اليوم جميعكم أمام الرب إلهكم
…
لكي تدخلوا في عهد الرب وقسمه لئلا يكون فيكم اليوم منصرف عن الرب
…
الخ (4)
ثامنا: موقفه من اللغة:
ومما قاله المصنف في تقديمه لكتابه:
وقد اهتممت في تفسيري هذا ببيان وجوه الإعجاز ونكت البلاغة العربية وأساليب الاستعمال.
وقال: واهتممت بتبيين معاني المفردات في اللغة بضبط وتحقيق مما خلت عن ضبطه وتحقيقه كثير منه قواميس اللغة.
وهو كما قال فعلا حيث خرج من التفسير إلى إضافة قاموس لغوي لمفردات القرآن ومن أمثلة ذلك:
(1) وانظر في ذلك أيضا 1/ 1 / 263، 264، 2/ 1 / 173.
(2)
انظر 2/ 1 / 169، 171.
(3)
انظر 2/ 1 / 68
(4)
وانظر أيضا في النقل عن أسفار التوراة 2/ 1 / 9، 143، 175، وفي الإسرائيليات أيضا 2/ 2 / 487 - 488.
الإطناب في كلمة حجارة (1)
الإطناب الشديد في فواتح السور (2)
وجعل المقدمة الثانية: في استمداد علم التفسير وركز على أهمية علمي البيان والمعاني ثم الشعر وبهما صدر العلوم التي يستمد منها التفسير فقدم ما حقه التأخير وأخر ما حقه التقديم. (3)
وجعل المقدمة التاسعة: في أن المعاني التي تتحملها جمل القرآن تعتبر مرادة بها.
وأما المقدمة العاشرة والأخيرة فكانت في إعجاز القرآن ويقول فيها: وإن علاقة هذه المقدمة بالتفسير هي أن مفسر القرآن لا يعد تفسيره لمعاني القرآن بالغًا حد الكمال في غرضه ما لم يكن مشتملاً على بيان دقائق من وجوه البلاغة في آيه المفسرة بمقدار ما تسموا إليه الهمة من تطويل واختصار. (4)
وفي هذا مبالغة مكشوفة فإن تفسير ترجمان القرآن وحبر الأمة على الإطلاق كان خاليا مما ذكر ثم من بعده من أئمة التفسير من الصحابة الكبار والتابعين الأبرار الذين أجمعت الأمة على إمامتهم في ذلك الفن لم يتعرضوا لما ذكر، ثم جهابذة المفسرين المشهود لهم أمثال الإمام مالك والإمام أحمد وبقي بن مخلد والنسائي وابن أبي حاتم والطبري ثم ابن كثير وغيرهم لم يتعرضوا لما ذكر أيضا.
ومن إطناباته اللغوية التي خرجت عن حد التفسير والتي هي كثيرة:
كلامه عن اشتقاق كلمة الفاتحة في قريب من صفحة كاملة. (5)
كما أفاض في وجه إضافة سورة إلى فاتحة الكتاب بما يقرب من صفحة أيضًا. (6)
وكذا في أصل كلمة بسملة أكثر من صفحة كاملة. (7)
وفي متعلق الباء. (8)
وفي اشتقاق كلمة اسم. (9)
وفي الفرق بين الحمد والثناء والمدح. (10)
كما نقل بابا من كلام سيبويه باختصار فوقع في أكثر من
(1) 1/ 1 / 344.
(2)
1/ 1 / 207 - 218.
(3)
1/ 1 / 18 - 23.
(4)
1/ 1 / 102.
(5)
1/ 1 / 131.
(6)
1/ 1 / 132.
(7)
1/ 1 / 137.
(8)
1/ 1 / 146 - 147.
(9)
1/ 1 / 147 - 151.
(10)
1/ 1 / 154 - 158.
صفحة كاملة وهو باب ما ينصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره. (1)
وفي جملة الحمد هل هي إنشائية أم خبرية. (2)
وهو لاشك متمكن من اللغة وإمام بارع فيها وله إضافات جميلة ومن ذلك قوله عند قوله تعالى {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} (3)
وقد عن لى في بيان إيقاعهم الفساد أنه مراتب:
أولها: إفسادهم أنفسهم بالإصرار على تلك الأدواء القلبية التى أشرنا إليها فيما مضى وما يترتب عليها من المذام ويتولد من المفاسد.
الثانية: إفسادهم الناس ببث تلك الصفات والدعوة إليها وإفسادهم أبناءهم وعيالهم في اقتدائهم بهم في مساوئهم كما قال نوح عليه السلام {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} (4)
الثالثة: إفسادهم بالأفعال التي ينشأ عنها فساد المجتمع، كإلقاء النميمة والعداوة وتسعير الفتن وتأليب الأحزاب على المسلمين وإحداث العقبات في طريق المصلحين.
والإفساد: فعل ما به الفساد، والهمزة فيه للجعل أي جعل الأشياء فاسدة في الأرض.
والفساد أصله استحالة منفعة الشيء النافع إلى مضر به أو بغيره، وقد يطلق على وجود الشيء مشتملا على مضرة، وإن لم يكن فيه نفع من قبل يقال: فسد الشيء بعد أن كان صالحا، ويقال: فاسد إذا وجد فاسدا من أول وهلة، وكذلك يقال: أفسد إذا عمد إلى شيء صالح فأزال صلاحه، ويقال: أفسد إذا أوجد فسادا من أول الأمر. والأظهر أن الفساد موضوع للقدر المشترك في الأطعمة، ومنه إزالة الأشياء النافعة كالحرق والقتل للبرآء، ومنه إفساد الأنظمة كالفتن والجور، ومنه إفساد المساعي كتكثير الجهل وتعليم الدعارة وتحسين الكفر ومناوأة الصالحين، ولعل المنافقين قد أخذوا من ضروب الإفساد بالجميع، فلذلك حذف متعلق تفسدوا تأكيدا للعموم المستفاد من وقوع الفعل في حيز النفي.
(1) 1/ 1 / 156 - 157.
(2)
1/ 1 / 160 - 161.
(3)
البقرة: 205، 1/ 1 / 284.
(4)
نوح: 27.
وذكر المحل الذي أفسدوا ما يحتوى عليه وهو الأرض لتفظيع فسادهم بأنه مبثوث في هذه الأرض لأن وقوعه في رقعة منها تشويه لمجموعها. والمراد بالأرض هذه الكرة الأرضية بما تحتوى عليه من الأشياء القابلة للإفساد من الناس والحيوان والنبات وسائر الأنظمة والنواميس التي وضعها الله تعالى لها. (1)
ومن التحقيقات اللغوية عميقة الدلالة كلامه عن "كذلك" في قوله تعالى {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} (2).
وكلامه عن "لعل" وانفراده بقول مستقل فيها حيث يقول:
وعندي وجه آخر مستقل وهو أن "لعل" الواقعة في مقام تعليل أمر أو نهى لها استعمال يغاير استعمال "لعل" المستأنفة في الكلام سواء وقعت في كلام الله أم في غيره، فإذا قلت: افتقد فلانا لعلك تنصحه، كان إخبارا باقتراب وقوع الشيء وأنه في حيز الإمكان إن تم ما علق عليه، فأما اقتضاؤه عدم جزم المتكلم بالحصول فذلك معنى التزامي أعلى قد يعلم انتفاؤه بالقرينة، وذلك الانتفاء في كلام الله أوقع، فاعتقادنا بأن كل شيء لم يقع أو لا يقع في المستقبل هو القرينة على تعطيل هذا المعنى الالتزامي دون احتياج إلى التأويل في معنى الرجاء الذي تفيده "لعل" حتى أن يكون مجازًا أو استعارة لأن "لعل" إنما أتي بها لأن المقام يقتضي معنى الرجاء فالتزام تأويل الدلالة في كل موضع في القرآن تعطيل لمعنى الرجاء الذي يقتضيه المقام والجماعة لجئوا إلى التأويل لأنهم نظروا إلى "لعل" بنظر متحد في مواقع استعمالها بخلاف "لعل" المستأنفة فإنها أقرب إلى إنشاء الرجاء من إلى إخبار به، وعلى كل فمعنى "لعل" غير معنى أفعال المقاربة (3).
وقد أطال في معنى الواو في قوله تعالى {أولو كان آباؤهم} (4)
كما توسع في اسم الإشارة: ذلك في تفسير قوله تعالى {ذلك الكتاب} (5)
ومن إطنابه في مسائل البيان بما يخرج أيضًا عن
(1) 1/ 1 / 284.
(2)
البقرة: 143 وانظر 2/ 1 / 15، 17.
(3)
1/ 1 / 330.
(4)
البقرة: 170، وانظر 2/ 1 / 107.
(5)
البقرة: 2، وانظر: 1/ 1 / 219، 220.
حد التفسير قوله:
فسورة الفاتحة بما تقرر منزلة من القرآن منزلة الديباجة للكتاب أو المقدمة للخطبة، وهذا الأسلوب له شأن عظيم في صناعة الأدب العربي وهو أعون للفهم وأدعى للوعي.
وقد رسم أسلوب الفاتحة للمنشئين ثلاث قواعد للمقدمة: القاعدة الأولى: إيجاز المقدمة لئلا تمل نفوس السامعين بطول انتظار المقصود وهو ظاهر في الفاتحة، وليكون سنة للخطباء فلا يطيلوا المقدمة كي لا ينسبوا إلى العي فإنه بمقدار ما تطال المقدمة يقصر الغرض، ومن هذا يظهر وجه وضعها قبل السور الطوال مع أنها سورة قصيرة. الثانية: أن تشير إلى الغرض المقصود وهو ما يسمى براعة الاستهلال لأن ذلك يهيئ السامعين لسماع تفصيل ما سيرد عليهم فيتأهبوا لتلقيه إن كانوا من أهل التلقي فحسب، أو لنقده وإكماله إن كانوا في تلك الدرجة، ولأن ذلك يدل على تمكن الخطيب من الغرض وثقته بسداد رأيه فيه بحيث ينبه السامعين لوعيه، وفيه سنة للخطباء ليحيطوا بأغراض كلامهم. وقد تقدم بيان اشتمال الفاتحة على هذا عند الكلام على وجه تسميتها أم القرآن. الثالثة: أن تكون المقدمة من جوامع الكلم وقد بين ذلك علماء البيان عند ذكرهم المواضع التي ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيها. الرابعة: أن تفتتح بحمد الله. (1)
وهو من المكثرين جدا في الاستدلال بالشعر في أصل الكتاب وحاشيته وقلما تمر صفحة إلا وفيها بيت من الشعر إن لم يكن أكثر.
وهو حريص جدا على نسبة الشواهد الشعرية لأصحابها حتى إنه قال فيما لم يقف على من قاله: كقول بعض فتاك العرب في أمه (أنشده في الكشاف ولم أقف على تعيين قائله)
…
(2).
ومن مواضع خروجه عن التفسير استطراده في تسمية بعض الشعراء تعليقا على اسم شاعر استدل ببيت له. (3)
ومن استطراداته بذكر أشعار كثيرة كشواهد في مسألة واحدة ما ذكره
(1) 1/ 1 / 152 - 153.
(2)
1/ 1 / 301.
(3)
1/ 1 / 220.
تحت قوله تعالى {الم} (1)
وقد وصل به الأمر إلى شرح شعر الشواهد. (2)
وهو يعتمد في كثير من ذلك على الكشاف وشروحه اعتمادًا كبيرًا.
ومن مواضع اهتمامه بالتنبيه على النكات البلاغية:
واختيار لفظ النور في قوله تعالى {ذهب الله بنورهم} (3) دون الضوء ودون النار لأن لفظ النور أنسب، لأن الذي يشبه النار من الحالة المشبهة هو مظاهر الإسلام التي يظهرونها، وقد شاع التعبير عن الإسلام بالنور في القرآن، فصار اختيار لفظ النور هنا بمنزلة تجريد الاستعارة لأنه أنسب بالحال المشبهة، وعبر عما يقابله في الحال المشبه بها بلفظ يصلح لهما أو هو بالمشبه أنسب في إصطلاح المتكلم كما قدمنا الإشارة إليه في وجه جمع الضمير في قوله {بنورهم} . (4)
وانظر كلامه عن المثل في اللغة والتمثيل. (5)
وله كلام جيد عن التشبيه في قوله {ومثل الذين كفروا} (6)
وفي الاستعارة هل هي تبعية أم تمثيلية؟ (7)
ومن اهتمامه بالتنبيه على النكات في المتشابه اللفظي قوله:
قد يقول قائل إن قريبًا من هذه الجملة تقدم عند قوله تعالى {قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير} (8) فعبر هنالك باسم الموصول (الذي) وعبر هنا باسم الموصول (ما)، وقال هنالك (بعد) وقال هنا (من بعد) وجعل جزاء هنالك انتفاء ولي ونصير، وجعل الجزاء هنا أن يكون من الظالمين، وقد أورد هذا السؤال صاحب درة التنزيل وغرة التأويل وحاول إبداء خصوصيات تفرق بين ما اختلفت فيه الآيتان ولم يأت بما يشفي
…
.ثم ذكر وجهًا آخر أحسن منه. (9)
وقد تعرض المصنف للإعجاز في مواضع عدة ومن ذلك:
مقارنة بين
(1) البقرة: 1، وانظر 1/ 1 / 109 - 110.
(2)
انظر: 1/ 1 / 316.
(3)
البقرة: 17.
(4)
البقرة: 17، 1/ 1 / 310.
(5)
1/ 1 / 302، 307.
(6)
البقرة: 171، 1/ 1 / 110.
(7)
راجع الصفحات 1/ 1 / 242، 245.
(8)
البقرة: 120.
(9)
249/ 1 / 38، 39.