الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخرى إلى تحقيقها ونقدها والإشارة إليها من قريب أو بعيد. (1)
قال: لقد ذكرت تلك المصادر حوادث وأخبار في قصة داوود وأوريا وشعيب وابنتيه وسليمان والجن مما يتعارض أشد التعارض مع ما ينبغي أن يكون عليه الأنبياء من صفات خلقية نبيلة وكان على علمائنا أن يردوا هذه الأخبار (2) وأن لا يستشهدوا بها في كتبهم وألا يجعلوها في تفاسير تشرح كتاب الله تعالى. (3)
ثامنا: موقفه من اللغة:
لقد أشار مكي في مقدمة التفسير إلى أنه سوف لايطيل القول في الناحية الإعرابية خاصة لأنه أفردها بالتأليف، فقال: قدمت في أوله نبذًا من علل النحو وغامض الإعراب، ثم خففت ذكر ذلك فيها، لئلا يطول الكتاب ولأني قد أفردت كتابًا مختصرًا في شرح مشكل الإعراب خاصة (4).
وقد كان يؤكد على هذا المنهج الذي التزم به، ويذكر به من حين إلى آخر أثناء تفسيره للآيات القرآنية، ذكر في بيان قوله تعالى {هدى للمتقين} (5)، قال: وقد فسرنا إعراب هذا وما يشابهه في كتاب: تفسير مشكل إعراب القرآن، فأخلينا هذا الكتاب من بسط لئلا يطول، إلا أن يقع نادر من الإعراب، فنذكره على شرطنا المتقدم فاعلم ذلك (6).
ومن أمثلة اهتمامه باللغويات:
تفسيره لقوله تعالى {وترى الملائكة حافين من حول العرش} (7)، أي وترى يامحمد يوم القيامة الملائكة محدقين من حول العرش والعرش: السرير، وواحد حافين: حاف: قاله الأخفش، وقال المبرد: لا يفرد.
(1) ص: 274.
(2)
بعض هذه الأخبار ثابت عن بعض الصحابة أو كبار مفسري التابعين الذين شهدت لهم الأمة بالفضل والمعرفة بما يجوز على الأنبياء وما لايجوز وهم أعرف بالاعتقاد الصحيح منا والذي ينبغي أن يقال: إنه يجب تنقيح تلك الروايات ومعرفة الصحيح منها ثم توجيهه وحمله على المحمل اللائق فإن بعضها لاغنى عنه في التفسير. والله تعالى أعلم.
(3)
ص: 275.
(4)
الهداية 1/ 1.
(5)
البقرة: 2.
(6)
الهداية 1/ 9.
(7)
الزمر: 75.
ودخلت "من" في قوله: {من حول العرش} لأنه ظرف، والفعل يتعدى إلى الظرف بحرف وبغير حرف، ومثله قوله {وإلى الذين من قبلك} (1)، وقال بعض البصريين: دخلت من في الموضعين توكيدًا (2).
كما بين مكي إعراب الباء في باسم الله فقال: والباء متعلقة بفعل مضارع، والمعنى أبدأ باسم الله، فإذا اختلفت الأفعال التي نريد أن يسمى الله عليها، أضمرت لكل معنى فعلاً يشاكله، فإذا أردت القيام فقلت: باسم الله؛ أضمرت: أقوم باسم الله، وإذا أردت القعود؛ قدرت: أقعد باسم الله، وكذلك الركوب وشبهه
…
الخ.
وانتقل من بيان معنى الحروف، إلى تقرير قاعدة نحوية تتعلق بعمل حروف الجر، فقال: وإنما سميت الباء، ومن، وعن، وشبهها بحروف الجر، لأنها تجر الأفعال إلى الأسماء، لأن معناها الإضافة، تضيف فعلا إلى الاسم، أو معنى إلى الإسم كقولك: مررت بزيد، وعمرو كزيد، وإنما كسرت الباء لتكون حركتها مثل عملها (3).
وبين الفرق بين الاستفهام والتسوية عند تفسير قوله تعالى {إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم ام لم تنذرهم لايؤ منون} (4) قال: ومعنى لفظ الاستفهام في {ءأنذرتهم} التسوية وهو في المعنى خبر لكن التسوية تجري في اللفظ مجرى لفظ الاستفهام. والمعنى على الخبر تقول: سواء علي أقمت أم قعدت. وإنما صار لفظ التسوية مثل لفظ الاستفهام للمعارضة التي بينهما، وذلك أنك إذا قلت: قد علمت أزيد في الدار أم عمرو. فقد سويت علم المخاطب فيهما، فلا يدري أيهما في الدار، مع علمه أن أحدهما في الدار، ولايدري بعينه، فهذا تسوية.
وتقول في الاستفهام: أزيد في الدار أم عمرو؟ فأنت لاتدري أيهما في الدار، وقد استوى علمك في ذلك، وتدري أحدهما في الدار، ولا تدري عينه منهما فقد صار الاستفهام كالتسوية، في عواقب الأمور. غير أن التسوية إبهام على المخاطب وعلم يقين عند المتكلم، والاستفهام إبهام على المتكلم،
(1) الشورى: 3.
(2)
الهداية 3/ 398.
(3)
الهداية 3/ 202.
(4)
البقرة: 6.
ويجوز أن يكون المخاطب مثل المتكلم في ذلك، ويجوز أن يكون عنده يقين ما سئل عنه، فاعرف الفرق بينهما (1).
ومن مواضع تعرضه للإعراب قوله:
قوله جل ذكره: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} (2){ذكر} مرفوع عند الفراء على خبر {كهيعص} ثم رد معللاً إياه بقوله: لأن كهيعص ليس مما أثنى الله به على زكريا وليس كهيعص في شيء من قصة زكريا والتقدير: هذا الدين يدل على ذكر رحمة ربك عبده زكريا والتقدير فيما يتلى عليك يامحمد ذكر عبده زكرياء برحمته.
وأما شرحه للمفردات فمثل قوله:
ومعنى {وهن العظم} : ضعف ورق من الكبر وقوله {اشتعل الرأس شيبا} أي كثر الشيب في الرأس. ونصب شيبًا. على المصدر لأن معنى اشتعل شاب. وقال الزجاج: نصبه على التمييز أي اشتعل من الشيب.
وقال في قوله تعالى: {أولي الأيدي} (3):
وقيل: {الأيدي} جمع يد من النعمة أي هم أصحاب النعم التي أنعم الله عليهم بها وقيل: هم أصحاب النعم والإحسان لأنهم قد أحسنوا وقدموا خيرا وأصل اليد أن تكون للجارحة ولكن لما كانت العدة فيها سميت القوة يدا.
والبصر هنا عني به بصر القلب الذي ينال به معرفة الأنبياء.
أجاز الطبري أن يكون المعنى: أنهم أصحاب الأيدي عند الله بالأعمال الصالحة التي قدموها تمثيلاً باليد.
وقد أفرد مكي للغريب كتابه تفسير المشكل كما ذكرنا قبل ذلك.
واستدلاله بالشعر قليل فربما مرت عشرات الصفحات فلا يذكر فيها بيتًا واحدا.
ومن مواضع استدلاله بالشعر في تفسير قوله تعالى: {فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} (4) في عطف المسح على الغسل قال:
ورأيت زوجك قد غدا
…
متقلدًا سيفًا ورمحًا
قال: فعطف الرمح على السيف وليس الرمح مما يتقلد به ولكن عطفه عليه لاشتراكهما في الحمل وفي أنهما سلاح.
أما في شرح مشكل الغريب فلم
(1) الهداية 1/ 16.
(2)
مريم: 2.
(3)
ص: 45.
(4)
المائدة: 6.
يستشهد إلا ببيت واحد من الشعر في الكتاب كله في الكلام على قوله تعالى {فيما طعموا} (1) أي ما شربوا من الخمر قبل التحريم يقال: لم أطعم خبزا ولا نوما قال الشاعر:
فإن شئت حرمت النساء سواكم
…
وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا (2)
قال: النقاخ: الماء، والبرد: النوم (3).
ومن كتاب مشكل إعراب القرآن ننقل تلك الأمثلة (4):
تكلم في البسملة على إعراب ثلاثة ألفاظ:
الباء من بسم الله: لم يتكلم عن المعروف من عملها بل عن اختصاص كسر بائها معللاً ذلك بأنها كسرت لتكون حركتها مشابهة لعملها، أو كسرت فرقًا بين ما يخفض ولا يكون إلا حرفا نحو الباء واللام. وبين ما يخفض وقد يكون اسما نحو الكاف أما عملها الخفض فعلله بأنها لا معنى لها إلا في الأسماء. فعملت الإعراب الذي لا يكون إلا في الأسماء وهو الخفض.
كما ذكر في تعليل حذف الألف من باسم الله خطا كثرة الاستعمال أو بسبب لزوم الباء لهذا الاسم أو حذفت لعلة تحرك السين في الأصل، لأن أصل السين الحركة، وسكونها لعلة دخلتها.
اسم: تكلم عن أصله
…
وعند البصريين مشتق من سما يسمو أو من سمى يسمى. وجمعه أسماء. وجمع أسماء أسامي.
وعند الكوفيين مشتق من السمة. وأصله وسم.
وبعد أن حلل كلا المذهبين صرح بقوله: وقول الكوفيين أقوى في المعنى.
وقول البصريين أقوى في التصريف.
الله: حكى ثلاثة آراء في أصل الكلمة: أصله إلاه. دخلت الألف واللام. فصار الإلاه فحذفت الهمزة بعد أن ألقيت حركتها على اللام الأولى، ثم أدغمت اللام في الثانية، ولزم الإدغام للتعظيم والتفخيم وقيل: حذفت
(1) المائدة: 93.
(2)
البيت للعرجي وقوله نقاخا: هو الماء الطيب وبردًا هنا: الريق (انظر لسان العرب 6/ 4517).
(3)
شرح مشكل الغريب ص: 155.
(4)
انظر دراسة فرحات له والأمثلة التي ذكرها ص: 355 - 381.