الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المدثر والخلاف محصور فيهما مع الفاتحة، فسورة ن هي الرابعة على أقل تقدير. (1)
وهو يتعرض لعد الآي ومن ذلك قوله في سورة البقرة: وعدد آيها مائتان وخمس وثمانون آية عند أهل العدد بالمدينة ومكة والشام، وست وثمانون عند أهل العدد بالكوفة، وسبع وثمانون عند أهل العدد بالبصرة (2).
وقد تعرض للخلاف في عد الفواتح. (3)
ثانيا: موقفه من العقيدة:
وهو في العقيدة يسلك مسلك المؤولة:
يقول: فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها في ما يجوز على الله ويستحيل، وكان أكثر الأمم مجسمة، ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيرًا على المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن {ليس كمثله شيء} (4) فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي: الرحمن الرحيم؛ لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة لأن ماعدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له، لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدًا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في المقصد الأسنى بقوله: الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرًا على قضائها لم يسم رحيمًا إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتبره من الرحمة والرقة ولكن ناقص.
وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه
(1) انظر الإتقان 1/ 31 - 33.
(2)
1/ 1 / 202.
(3)
انظر1/ 1 / 218.
(4)
الشورى: 11.
لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله عن لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله، كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل، وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون، ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة، فوصفه تعالى بالرحمن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله {ورحمتي وسعت كل شيء} (1) فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالب الأسماء الحسنى من هذا القبيل. (2)
ويقول: وإذا كانت حقيقة الغضب يستحيل اتصاف الله تعالى بها، وإسنادها إليه على الحقيقة، للأدلة القطعية الدالة على تنزيه الله تعالى عن التغيرات الذاتية والعرضية؛ فقد وجب على المؤمن صرف إسناد الغضب إلى الله عن معناه الحقيقي، وطريقة أهل العلم والنظر في هذا الصرف أن يصرف اللفظ إلى المجاز بعلاقة اللزوم أو إلى الكناية باللفظ عن لازم معناه، فالذي يكون صفة لله من معنى الغضب هو لازمه، أعني: العقاب والإهانة يوم الجزاء واللعنة أي الإبعاد عن أهل الدين والصلاح في الدنيا أو هو من قبيل التمثيلية. وكان السلف في القرن الأول ومنتصف القرن الثاني يمسكون عن تأويل هذه المتشابهات، لما رأوا في ذلك الإمساك من مصلحة الاشتغال بإقامة الأعمال التي هي مراد الشرع من الناس، فلما نشأ النظر في العلم وطلبوا معرفة حقائق الأشياء وحدث قول الناس في معاني الدين بما لا يلائم الحق، لم يجد أهل العلم بدًا من توسيع أساليب التأويل الصحيح لإفهام المسلم وكبت الملحد، فقام الدين بصنيعهم على قواعده، وتميز المخلص له عن ماكره وجاحده، وكل فيما صنعوا على هدى. وبعد البيان لا يرجع إلى الإجمال أبدًا، (3) وما تأولوه
(1) الأعراف: 156.
(2)
1/ 169 - 170.
(3)
ما أجمل منهج السلف في هذا الباب وماذا أفاد الخوض فيه من خاضه وهل لا يكبت المعاند التمسك بالنفي والإثبات؟ فننفي عن الله المثيل والشبيه ونثبت له ماأثبته على مراده وكما يليق بجلاله، وما أجمل تلك القاعدتين المفحمتين لكل متكلم:
القول في الصفات فرع عن الكلام في الذات.
القول في بعض الصفات كالقول في بعضها الآخر.
ورحم الله الرازي إذ يقول:
نهاية إقدام العقول عقال
…
وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا
…
وحاصل دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا
…
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلا ولا تروي غليلا، ورأيت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات:{الرحمن على العرش استوى} طه: 5 {إليه يصعد الكلم الطيب} فاطر: 10 وأقرأ في النفي {ليس كمثل شيء} الشورى: 11 {ولا يحيطون به علما} طه: 110 ثم قال: ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي. أ. هـ فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
وانظر: تصحيح المفاهيم في جوانب من العقيدة ص: 22 - 32، شرح العقيدة الطحاوية ص: 167 - 170.
إلا بما هو معروف في لسان العرب مفهوم لأهله. فغضب الله تعالى على العموم يرجع إلى معاملته الحائدين عن هديه العاصين لأوامره ويترتب عليه الانتقام وهو مراتب أقصاها عقاب المشركين والمنافقين بالخلود في الدرك الأسفل من النار ودون الغضب الكراهية. (1)
وقد يستطرد أحيانا في تلك القضايا المتعلقة بالصفات ويكفي القارئ لمعرفة مدى الاستطراد الذي وقع فيه المؤلف الخارج عن نطاق التفسير أن يقرأ هذه الفقرة التي ساقها ضمن كلامه الطويل عن الحمد:
قال:
…
ومنه أنه يكون ثناء على الجميل الاختياري: وبهذا يندفع الإشكال عن حمدنا الله تعالى على صفاته الذاتية كالعلم والقدرة دون صفات الأفعال، وإن كان اندفاعه على اختيار الجمهور أيضًا ظاهرا؛ فإن ما ورد عليهم من أن مذهبهم يستلزم أن لا يحمد الله تعالى على صفاته لأنها ذاتية، فلا توصف بالاختيار إذ الاختيار يستلزم إمكان الاتصاف. وقد أجابوا عنه إما بأن تلك الصفات العلية نزلت منزلة الاختيارية لاستقلال موصوفها وإما بأن ترتب الآثار الاختيارية عليها يجعلها كالاختيارية، وإما بأن المراد بالاختيارية
(1) 1/ 197 - 198.
أن يكون المحمود فاعلا بالاختيار وإن لم يكن المحمود عليه اختياريًا. وعندي أن الجواب أن نقول: إن شرط الاختياري في حقيقة الحمد - عند مثبته - لإخراج الصفات غير الاختيارية، لأن غير الاختياري فينا ليس من صفات الكمال إذ لا تترتب عليها الآثار الموجبة للحمد، فكان شرط الاختيار في حمدنا زيادة في تحقق كمال المحمود، أما عدم الاختيار المختص بالصفات الذاتية الإلهية فإنه ليس عبارة عن نقص في صفاته، ولكنه كمال نشأ من وجوب الصفة للذات لقدم الصفة فعدم الاختيار في صفات الله تعالى زيادة في الكمال لأن أمثال تلك الصفات فينا لا تكون واجبة للذات ملازمة لها، فكان عدم الاختيار في صفات الله تعالى دليلا على زيادة الكمال، وفينا دليلا على النقص. وما كان نقصًا فينا باعتبار ما، قد يكون كمالا لله تعالى باعتبار آخر، مثل عدم الولد، فلا حاجة إلى الأجوبة المبنية على التنزيل إما باعتبار الصفة أو باعتبار الموصوف، على أن توجيه الثناء إلى الله تعالى بمادة (حمد) هو أقصى ما تسمى به اللغة الموضوعة لأداء المعاني المتعارفة لدى أهل تلك اللغة، فلما طرأت عليهم المدارك المتعلقة بالحقائق العالية عبر لهم عنها بأقصى ما يقربها من كلامهم. (1)
ويقول في خلق الأفعال وقضية اللطف وهو كلام يشم منه رائحة الاعتزال:
{فزادهم الله مرضا} (2) وإنما أسندت زيادة مرض قلوبهم إلى الله تعالى مع أن زيادة هاته الأمراض القلبية من ذاتها، لأن الله تعالى لما خلق هذا التولد وأسبابه وكان أمره خفيا، نبه الناس على خطر الاسترسال في النوايا الخبيثة والأعمال المنكرة، وأنه من شأنه أن يزيد تلك النوايا تمكنا من القلب فيعسر أو يتعذر الإقلاع عنها بعد تمكنها، وأسندت تلك الزيادة إلى اسمه تعالى لأن الله غضب عليهم فأهملهم وشأنهم ولم يتداركهم بلطفه الذي يوقظهم من غفلاتهم لينبه المسلمين إلى خطر أمرها وأنها مما يعسر إقلاع أصحابها عنها ليكون حذرهم من معاملتهم أشد ما يمكن.
وله كلام جيد في تقدير المحذوف في لا إله إلا الله:
قال: قد أفادت
(1) 1/ 156.
(2)
البقرة: 10.
جملة (لا إله إلا هو) التوحيد لأنها نفت حقيقة الألوهية عن غير الله تعالى. وخبر" لا" محذوف دل عليه ما في" لا "من معنى النفي لأن كل سامع يعلم أن المراد نفي هذه الحقيقة فالتقدير لا إله موجود إلا هو، وقد عرضت حيرة للنحاة في تقدير الخبر في هاته الكلمة
…
الخ (1)
كما تعرض للخلاف في مسمى الإيمان فأطال فيه إطالة خرجت عن حد التفسير (2) وتورط فيها ورطة كبيرة كما سيأتي في نهاية حديثنا عن هذا التفسير.
وله ردود ومناقشات مع الفرق ومن ذلك:
حملته في المقدمة الثالثة على تفسير الباطنية وقد عرج على التفسير الإشاري وخرجه تخريجًا يوحي بقبوله له وقال في بعض أنحائه: ورأيت الشيخ محيي الدين يسمي هذا النوع سماعًا ولقد أبدع. (3)
وقد تعرض للإباضية وقولهم في الإيمان (4)
كما تعرض لبعض الخلافات بين الأشاعرة والمعتزلة (5)
وابن عاشور يؤخذ عليه أنه ينقل عن أناس معروفين بالزيغ في باب الاعتقاد فهو ينقل عن ابن سينا (6) وأمثاله إذ يقول بعد ذكر كلام للرازي:
قلت: ولم يسم الإمام المرتبة الثالثة باسم والظاهر أنها ملحقة في الاسم
(1) 2/ 1 / 75.
(2)
1/ 1 / 266، 274.
(3)
1/ 1 / 36.
(4)
انظر1/ 1 / 268.
(5)
1/ 1 / 235، 257.
(6)
الحسين بن عبد الله الرئيس الفيلسوف كان أبوه من دعاة الإسماعيلية قال الذهبي: هو رأس الفلاسفة الإسلامية لم يأت بعد الفارابي مثله فالحمد لله على الإسلام والسنة وله كتاب الشفاء وغيره وأشياء لاتحتمل وقد كفره الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال وكفر الفارابي (سير أعلام النبلاء 17/ 531) وقال أيضا الذهبي: ماأعلمه روى شيئا من العلم ولو روى لماحلت الرواية عنه لأنه فلسفي النحلة ضال لارضي الله عنه. وقال ابن أبي الحموي: وقد اتفق العلماء على أن ابن سينا كان يقول بقدم العالم ونفي المعاد الجسماني ولا ينكر الميعاد النفساني ونقل عنه أنه قال: إن الله لا يعلم عن الجزئيات بعلم جزئي بل بعلم كلي فقطع علماء زمانه ومن بعدهم من الأئمة ممن يعتبر قولهم أصولا وفروعا بكفره وبكفر أبي نصر الفارابي من أجل اعتقاده هذه المسائل وإنها حلاف إعتقاد المسلمين. (انظر لسان الميزان 2/ 291 - 293).