الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إنه كان عاليا من المسرفين} (1) وقوله {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} (2) تشبيها للتكبر والطغيان بالعلو على الشيء لامتلاكه تشبيه معقول بمحسوس. (3)
رابعا: موقفه من تفسير القرآن بالسنة:
وأفرد ابن عاشور المقدمة الثالثة من مقدماته العشر: في صحة التفسير بغير المأثور ومعنى التفسير بالرأي وقد انتقد فيها كتب التفسير بالمأثور حتى تجاوز الانتقاد إلى ذكر ما ليس بحقيقة كقوله: وإن أرادوا بالمأثور ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة خاصة وهو ما يظهر من صنيع السيوطي في تفسيره الدر المنثور. لم يتسع ذلك المضيق إلا قليلا ولم يغن عن أهل التفسير فتيلا. (4)
وهذا غير صحيح فالدر المنثور جامع لأقوال التابعين وبعض تابعي التابعين أكثر مما جمع عن الصحابة.
وقد انتقد الطبري وقال عن طريقته: وذلك طريق ليس بنهج وقد سبقه إليه بقي ابن مخلد ولم نقف على تفسيره، وشاكل الطبري فيه معاصروه، مثل ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، فلله در الذين لم يحبسوا أنفسهم في تفسير القرآن على ما هو مأثور مثل الفراء وأبي عبيدة من الأولين، والزجاج والرماني ممن بعدهم، ثم الذين سلكوا طريقهم مثل الزمخشري وابن عطية. (5)
وأقول: بل لله در من حبسوا نفسهم على منهاج أولهم ولم تزل أقدامهم في مازلت فيه أقدام غيرهم ممن خرجوا من القفص لحتفهم.
أما موقفه من الحديث فيتعرض له على وجه التفسير وربما جاء به لدلالة لغوية ونحوها.
وهو في الغالب يذكر الأحاديث بدون تخريج (6).
وربما ذكر التخريج وهو قليل (7).
وقد يخالف المصنف عادته لحاجة في نفس يعقوب ومن ذلك كلامه
(1) الدخان: 31.
(2)
النمل: 31.
(3)
15/ 30.
(4)
1/ 1 / 32.
(5)
1/ 33.
(6)
انظر 1/ 1 / 275، 311، 333، 2/ 1 / 44، 47، 54، 69، 03، 149.
(7)
انظر 1/ 1 / 154، 202، 2/ 1 / 70، 71، 81.
عن حديث تحويل القبلة حيث لم يكتف بالتخريج ولا بالصناعة الحديثية بل ذكر أيضا طرفا من الأسانيد فقال عند قوله {سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم} (1):
ولذلك جزم أصحاب هذا القول بأن هذه الآية نزلت بعد نسخ استقبال بيت المقدس ورووا ذلك عن مجاهد. وروى البخاري في كتاب الصلاة (2) من طريق عبدالله بن رجاء عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء حديث تحويل القبلة ووقع فيه: فقال السفهاء - وهم اليهود -: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} {قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} . وأخرجه في كتاب الإيمان (3) من طريق عمرو بن خالد عن زهير عن أبي إسحاق عن البراء بغير هذه الزيادة، ولكن قال عوضها: وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت القدس، وأهل الكتاب، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك. وأخرجه في كتاب التفسير (4) من طريق أبي نعيم عن زهير بدون شيء من هاتين الزيادتين، والظاهر أن الزيادة الأولى مدرجة من إسرائيل عن أبي إسحاق، والزيادة الثانية مدرجة من عمرو بن خالد لأن مسلما والترمذي والنسائي قد رووا حديث البراء عن أبي إسحاق من غير طريق إسرائيل ولم يكن فيه إحدى الزيادتين، فاحتاجوا إلى تأويل حرف الاستقبال من قوله {سيقول السفهاء} بمعنى التحقيق لا غير، أي قد قال السفهاء: ماولاهم (5).
وهذا التخريج المطول - بالنسبة للتفسير - لاقيمة له من حيث الصناعة الحديثية لإثبات الإدراج في الحديث، ولابد في ذلك من نص عالم متخصص من الحفاظ على ذلك الإدراج أو التتبع الكامل لجميع طرق الحديث ثم عرضها على قواعد أهل المصطلح للوصول لتلك الدعوى العريضة.
وهو أحيانا يغض طرفه عن مشهور الحديث بعبارة مقتضبة لعدم قناعته بالتفسير المترتب عليه ومن ذلك:
قوله {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} (6)
(1) البقرة: 142.
(2)
باب التوجه نحو القبلة 1/ 502 وفيه: وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود
…
الخ.
(3)
باب الصلاة من الإيمان 1/ 95.
(4)
باب {سيقول السفهاء
…
} 8/ 171.
(5)
2/ 1 / 6، 7.
(6)
الفاتحة: 7.
قال: فالمغضوب عليهم: جنس للفرق التي تعمدت ذلك واستخفت بالديانة عن عمد أو تأويل بعيد جدًا، والضالون: جنس للفرق التي أخطأت الدين عن سوء فهم وقلة إصغاء، وكلا الفريقين مذموم لأننا مأمورون باتباع سبيل الحق وصرف الجهد إلى إصابته، واليهود من الفريق الأول والنصارى من الفريق الثاني وما ورد في الأثر مما ظاهره تفسير {المغضوب عليهم} باليهود و {الضالين بالنصارى} فهو إشارة إلى أن في الآية تعريضًا بهذين الفريقين اللذين حق عليهما هذان الوصفان لأن كلا منهما صار علما فيما أريد التعريض به فيه. (1)
فقوله: "وما ورد في الأثر مما ظاهره .. "واضح جدا فيما ذكرته، وتفسير الآية بذلك يعتبر نصا فيها لا ظاهرا كما يوهم كلامه وهو حديث مشهور رواه عدة واتفق السلف على تفسير الآية بذلك حتى قال ابن أبي حاتم: لا أعلم بين المفسرين في هذا الحرف خلافا. (2)
وربما نقد بعض الأحاديث (3) ثم تناقض. (4)
وقد وهم في حديث نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو من مشهور كلام علي بن أبي طالب وذلك في قوله:
فالعالم يحرم عليه أن يكتم من علمه ما فيه هدى للناس لأن كتم الهدى إيقاع في الضلالة سواء في ذلك العلم الذي بلغة إليه في تاريخ الخبر كالقرآن والسنة الصحيحة والعلم الذي يحصل عن النظر كالاجتهادات إذا بلغة مبلغ غلبة الظن بأن فيها خيرًا للمسلمين، ويحرم عليه بطريق القياس الذي تومئ إليه العلة أن يثبت في الناس ما يوقعهم في أوهام بأن يلقنها وهو لا يحسن تزيلها ولا تأويلها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حدثوا الناس بما يفهمون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟ "(5) وكذلك كل ما يعلم أن الناس لا يحسنون وضعه (6).
وهو يتعرض لذكر أسباب النزول وقد أفرد لها المقدمة الخامسة حيث
(1) 1/ 196.
(2)
التفسير 1/ 23.
(3)
انظر: 2/ 1 / 24، 52.
(4)
انظر: 2/ 1 / 53.
(5)
رواه البخاري في صحيحه - كتاب العلم - باب من خص بالعلم قوما دون قوم 1/ 225 عن علي بن أبي طالب من قوله هو وليس حديثا كما ذكرت.
(6)
2/ 1 / 69، 70، 71.