الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: القراءات وأثرها في التفسير بالمنطقة:
إن القرآن الكريم هو أهم مايحرص المسلم على تلاوته وحفظه وفهم معانيه والعمل به. وهو أول ماتسعى الجيوش الفاتحة لأن تلقنه لمن أسلم من أهل البلاد المفتوحة، وذلك يستلزم ضرورة أن تتضمن تلك الجيوش أعدادا كبيرة من القراء، ولم يتخلف هذا الأمر عند فتح إفريقية، فقد اشتهر بعض من دخلها من الصحابة جميعا من العناية الفائقة بالقرآن والاهتمام بشأنه، وعلى عهد الصحابة نشأت الكتاتيب بالقيروان، كما ذكرت في التمهيد، وكانت مهمتها الأساسية تعليم القرآن، ثم ازدادت انتشارا في عهد التابعين، الذين عرف كثير منهم بالتقدم في علوم القرآن، مثل عكرمة مولى ابن عباس وراوي علمه، وقد كانت له حلقة علمية في جامع عقبة، وإسماعيل بن عبيد الله مؤدب ولد عبد الملك بن مروان الخليفة وجعثل بن عاهان الرعيني الذي كان من القراء وغيرهم وعن طريق التابعين تلقى أهل القيروان علوم القرآن المنقولة بالرواية، والتي كانت في تلك المرحلة تعتبر من أبواب الحديث.
وعليه فقد نشأ علم القراءات بالمنطقة كغيرها من بلدان المسلمين عن طريق القراء من الصحابة والتابعين ثم انتشرت بعض القراءات أكثر من غيرها في بعض المناطق لاعتبارات متعددة وعلى الرغم من وصول القراءات السبع إلى المنطقة حيث نقل المقري مايدل على وصولها إلى الأندلس (1)، إلا أن القراءة التي اعتمدت في جميع الأقاليم هي قراءة نافع بن أبي نعيم المدني (2)
(1) انظر نفح الطيب 1/ 206.
(2)
انظر الحلل السندسية 1/ 276.
ويعزى ذلك للانتماء إلى مذهب أهل المدينة في الفقه والارتباط الشديد بها منذ العهود الأولى والرحلة منها وإليها.
وقد كان محمد بن برغوث القروي (ت 272 هـ) يدرس مختلف القراءات في جامع عقبة، ويتوسع في ذلك فأمره القاضي عبد الله بن أحمد بن طالب (ت 275 هـ) بالاقتصار على قراءة نافع. (1)
ولقد حفلت المنطقة بأئمة كبار من أئمة القراءات بل إن بعضهم كان المعول الذي عول عليه في هذا الفن سواء في المشرق أم في المغرب - وأعني بذلك أبناء المنطقة والداخلين إليها - والذي يعنينا هنا المفسرون منهم ونذكر على سبيل المثال: الإمام أحمد بن عمار المهدوي المولود بالمهدية ت 431 هـ صاحب الهداية والكفاية وغيرهما من كتب القراءات، والإمام مكي بن أبي طالب القيسي المولود بالقيروان ت 437 هـ صاحب المصنفات العظيمة في هذا العلم، ثم أبو عمرو الداني المولود بقرطبة ت 444 هـ صاحب التيسير الكتاب الذي يعتبر عمدة القراء من بعده، ثم الإمام الشاطبي المولود بشاطبة ت 538 هـ صاحب الشاطبية التي طار ذكرها في الآفاق. (2)
وأهمية القراءات ودورها في التفسير من الأمور المعلومة لدى المشتغلين بالقرآن وعلومه وقد اعتبر أهل العلم الإلمام بعلم القراءات من شروط المفسر الذي ينبري لتفسير كتاب الله وسير أغواره. (3)
وقال السيوطي: باختلاف القراءات يظهر الاختلاف في الأحكام
…
(4)
وقال أيضا: وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض. (5)
وقد ذكر ابن الجزري ومن بعده السيوطي - وكلاهما قد دخل منطقتنا - فوائد
(1) القراءات بإفريقية 281.
(2)
وقد وصل الأمر بالبعض أن لا يثبت قرءانا إلا ما كان في الشاطبية والتيسير مما حدا بابن الجزري إلى تأليف كتابه النشر في القراءات العشر. (انظر المقدمة 1/ 54) ووصل الغلو في الشاطبية إلى أن قيل فيها كل بيت دخلته فصاحبه من أهل الجنة.
(3)
انظر الإتقان 2/ 231، التفسير والمفسرون 1/ 267.
(4)
الإتقان 1/ 108.
(5)
الإتقان 2/ 232.