الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نظر الباحث مع نقول مجردة.
وتفسير مكي يعد مرحلة أساسية من مراحل التفسير بإفريقية، إذ على يده تطور التفسير بالمأثور، الذي مثله ابن سلام، فاتجه به مكي نحو حذف السند والاكتفاء بإثبات الروايات ونقدها، مع التعمق في علمي اللغة والقراءات اعتمادا على اللغويين الذين أسهموا بالتأليف في كتب معاني القرآن، مثل الفراء، وأبي عبيدة
…
واستناداً إلى ما لحق القراءات، من نمو التأليف، وتنوع البحث فيها.
المنهج العام للتفسير:
وتفسير مكي بن أبي طالب يعتبر تفسيرا نحويا لغويا يهتم بالأثر ويعنى كثيرا بالقراءات.
قال مكي في مقدمة الهداية: هذا كتاب جمعت فيه ما وصل إلي من علوم كتاب الله جل ذكره واجتهدت في تلخيصه وبيانه واختياره واختصاره، وتقصيت ما وصل إلي من مشهور تأويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم في التفسير دون الشاذ على حسب مقدرتي، وما تذكرته في وقت تأليفي له، وذكرت المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم ما وجدت إليه سبيلاً، من روايتي، أو ما صح عندي من رواية غيري (1).
ثم أخذ مكي في تعداد الكتب التي اعتمدها، قال: جمعت أكثر هذا الكتاب من كتاب شيخنا أبي بكر الأدفوي رحمه الله، وهو الكتاب المسمى بكتاب (الاستغناء) والمشتمل على نحو ثلاثمائة جزء في علوم القرآن أفضيت في هذا الكتاب نوادره، وغرائبه ومكنون علومه، مع ما أضفت إلى ذلك من كتاب تفسير القرآن، تأليف أبي جعفر الطبري، وما تخيرته من كتب أبي جعفر النحاس، وكتاب أبي إسحاق الزجاج، وتفسير ابن سلام، ومن كتاب الفراء ومن غير ذلك من الكتب في علوم القرآن والتفسير والمعاني والغريب والمشكل، انتخبته من ألف جزء أو أكثر مؤلفة في علوم القرآن مشهورة مروية.
وقال: أعني بقولي: بلوغ النهاية إلى ماوصل إلي من ذلك لأن علم
(1) الهداية ق: 1.
كتاب الله لايقدر أن يبلغ أحد إلى نهايته وفوق كل ذي علم عليم.
وقد تخفف في كل ماذكره من الأقوال والمأثورات من ذكر الأسانيد مصرحًا بذلك بقوله:
وأضرب عن الأسانيد ليخف حفظه على من أراد، وليتفرغ إلى ماجمع فيه من علوم كثيرة، وفوائد عظيمة من تفسير المأثور، وذكر الأحكام والناسخ والمنسوخ وغيرهما من فنون علم كتاب الله من قراءة عربية أو إعراب غامض أو اشتقاق مشكل أو تصريف خفي أو تعليل نادر أو تصريف مسموع مع ما يتعلق بذلك من أنواع علوم يكثر تعدادها ويطول ذكرها.
وصرح في ختام مقدمته بأنه فيما قدم من علل النحو والغامض من الإعراب تخفف من نبذ جمعها لئلا يطول الكتاب وأنه أفرد كتابا مختصرا في شرح مشكل الكتاب بغية التفرغ لما ألف كتاب الهداية من أجله وهو تفسير التلاوة وبيان القصص والأخبار وكشف مشكل المعاني وذكر الاختلاف في ذلك وبيان الناسخ والمنسوخ وذكر الأسباب التي نزل فيها.
ووفاء بالأمانة العلمية أخبر أنه سيتصرف في أقوال العلماء المتقدمين فينقلها بأسلوبه - على وجه التضمين - بغية تقريب معناها وذهاب غامضها، إلا إذا انتفى السبب الذي حمله على التصرف فيها قال: ذكرت ألفاظهم بعينها، مالم يشكل.
وقد أفرد فرحات في دراسته الباب الثالث لمنهج مكي في تفسيره (1) وجعله في ثلاثة فصول: (انظر أيضا: كلام وسيلة على منهج مكي (2)
الفصل الأول: احتجاجه بالأثر
1 -
تفسير القرآن بالقرآن.
2 -
تفسير القرآن بالحديث الصحيح.
3 -
عنايته بأسباب النزول.
4 -
التفسير بأقوال الصحابة فمن بعدهم.
5 -
بيان القصص والأخبار.
6 -
موقفه من الإسرائيليات.
(1) ص: 227.
(2)
ص: 173 - 211.
الفصل الثاني: اعتداده بالعربية:
1 -
بيان المفردات.
2 -
عنايته بالاشتقاق.
3 -
معاني الحروف.
4 -
اختلاف الإعراب وأثره في الأحكام.
5 -
علوم البلاغة.
6 -
النقد اللغوي.
7 -
التعليل اللغوي.
الفصل الثالث: احتفاله بالنظر:
1 -
بيان معنى النظر وحدوده.
2 -
مجالات النظر ودرجاته:
1 -
مجال النقد اللغوي.
2 -
الآيات المشكلة.
3 -
آيات العقيدة.
ردوده على الرافضة وعلى المعتزلة.
وفرق في هذا الفصل بين معنى النظر والرأي عند مكي، إذا أن النظر عنده هو: التدبر والتفكر في مجموع النصوص ومقابلتها ببعضها ومحاولة الوصول إلى فهم صحيح يجلو الغوامض ويزيل الالتباس، ويكشف مشكل المعاني.
كما أشار فرحات إلى المجال الذي يدور فيه النظر، فبين أنه محدود بحدين: حد النصوص وحد اللغة، أي التمييز والاختيار بين النصوص على ضوء المعاني.
وبذلك أوضح أن النظر عند مكي لا يدخل في باب التفسير بالرأي المجرد لأنه ليس رأيا شخصيا له وإنما هو فهم على أصول وقواعد، كما حدد مجالات النظر عند مكي ودرجاته، فبين أنه يظهر في النقد اللغوي، وتفسير الآيات المشكلة، وآيات العقيدة حيث يستطرد للرد على الفرق المخالفة كالمرجئة والمعتزلة.
وفي الباب الخامس تكلم عن قيمة تفسير مكي فذكر كلام القاضي عياض وابن سعيد وابن عطية (1).
ثم ذكر نماذج من استفادة ابن عطية منه (2)
ثم القرطبي (3)
ثم أبي حيان (4)
ومن أهم نتائجه لهذه الدراسة أنه بين ولأول مرة مكانة مكي العلمية وقيمة تفسيره، وأثره في المفسرين من بعده، كما ظهر له أن تفسير مكي (يعتبر في جملته تلخيصا جيدا لتفسير الطبري، لا يخل بجوهره لأنه لم يحذف منه إلا الأسانيد والمكررات).
والمآخذ على هذه النتيجة، أن الباحث اعتمد فيها على مثال وجده في تفسير الطبري يتفق وتفسير مكي وهذا لا يكفي للحكم على تفسير مكي بأكمله، وفي دراسة حسن فرحات ما يفيد أن مكيًا ألف تفسيره في مدة طويلة استغرقت شبابه وكهولته، ولو كان تلخيصا لكتاب الطبري، لأتمه في مدة محدودة، وقد ذكر مكي نفسه أن من مراجعه الأساسية تفسير الطبري وذكر غيره من المصادر وعلى وجه الخصوص كتاب الاستغناء مما يبعد تماما فكرة التلخيص هذه.
وطريقة مكي في تفسيره الهداية أنه يستهل تفسير السورة بالبسملة والتصلية ويقول: قوله تعالى ذكره .. ثم يذكر آية أو عدة آيات ثم يذكر قراءاتها وإعرابها وتفسيرها.
وقلما يهتم بذكر الروايات مسندة لأصحابها في أسباب النزول، أما الإعراب والتصريف فكثيرًا ما يسند الأقوال فيهما إلى علماء اللغة إذا كان بينهم خلاف في التوجيه الإعرابي للآية.
وكذلك يذكر الأقوال مسندة إلى من رويت عنهم في تأويل غريب القرآن، وكلما تقدم في التفسير استغنى عن خدمة الألفاظ التي سبق له أن فسرها في سورة قبلها.
وقد أفرد مكي كتابه "تفسير المشكل من غريب القرآن العظيم على الإيجاز والاختصار" لبيان معاني المفردات وتميز منهجه فيه بالأمور التالية (5):
1 -
أنه جمع فيه غريب القرآن ممن تقدمه من مصنفي الغريب، وكان أكثر اعتماده على كتاب "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة.
(1) ص: 540.
(2)
ص: 550.
(3)
ص: 557.
(4)
ص: 562.
(5)
انظر مقدمة تفسير المشكل ص: 71، 72.
2 -
أنه اعتمد في ترتيب كتابه على نسق الآيات والسور في القرآن الكريم، وهذا أحد منهجين سار عليهما العلماء الذين ألفوا في غريب القرآن ويقوم المنهج الآخر على ترتيب الكلمات حسب حروف المعجم كما فعل السجستاني والراغب الأصفهاني.
3 -
أنه يختار أولى الأقاويل في تفسير الغريب ويتجنب المنحول من التفسير والشاذ من الآراء، ويعتمد في أسلوبه اللفظ الموجز، والعبارة السهلة الواضحة، والاختصار الشديد وعدم التفصيل اللغوي، وذكر الآراء المختلفة، والمسائل النحوية التي حفلت بها كتب الغريب ككتاب "معاني القرآن" للفراء و "معاني القرآن" للأخفش الأوسط.
أما كتاب مشكل إعراب القرآن:
فقد ذكر مكي في سبب تأليفه لهذا الكتاب أنه رأى أن كل من تكلم عن الإعراب أطال الكلام في الخفض وحروفه والجزم وحروفه وبما هو ظاهر من ذكر الفاعل والمفعول واسم إن وخبرها مما يستوي في معرفته العالم والمبتدئ وأغفلوا مشكلات الإعراب التي هي حرية بالبيان، وهذا الإغفال دعاه إلى تفسيرها وذكر عللها وصعبها ونادرها حتى يسهل فهمها ويقرب تناولها لمن أراد حفظها.
وقد بين أنه قد ألف كتابه هذا لمن بلغ مستوى عاليًا في معرفة النحو وقواعده وهو ما أشار إليه في مقدمة هذا الكتاب بقوله: ولم أؤلف كتابنا هذا لمن لايعلم من النحو إلا الخافض والمخفوض والفاعل والمفعول والمضاف والمضاف إليه والنعت والمنعوت في أشباه لهذه، إنما ألفناه لمن شدا طرفا منه، وعلم ظواهره وجملاً من عوامله، وتعلق بطرف من أصوله (1).
ونبه في هذه المقدمة على أنه تحرى أن يوضح إعراب كل مشكل في الكلمات القرآنية لايترك إلا مايدخل في أشباه له أو نظائر سبق إيضاحها فيها تقدم من كتب تلافيا لآفة التكرار ورغبة في الاختصار مع نصه على موضع الكلام مما سبق كقوله مثلا في إعراب {وما أدراك ما يوم الدين} (2) في
(1) مشكل إعراب القرآن 1/ 2 - 3.
(2)
الانفطار: 17.