الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بمحضر الصحابة. والحديث بكماله في مسلم، والسنة هي المبينة ولفظ البخاري {أو يجعل الله لهن سبيلا} (1) الرجم للثيب والجلد للبكر.
ويذهب إلى أن العقل لا مجال له في عالم الغيب وأن العبرة في ذلك بصحة النقل ففي صيرورة الحيوانات ترابًا يوم القيامة يقول: "واعلم أني لم أقف على حديث صحيح في عودها ترابًا
…
والمعول عليه في هذا: النقل، فإن صح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم وجب اعتقاده، وصير إليه، وإلا فلا مدخل للعقل هنا" (2)
وهو مع ذلك يقول بالقياس وبالتأويل قال: "وفيه دليل على صحة القياس، لأنه علمهم سبحانه الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأخرى". (3)
حادي عشر: موقفه من المواعظ والآداب:
لقد أولى المصنف هذا الجانب عناية ملحوظة تميز بها تفسيره فنجده يعلق تعليقات وعظية كثيرة دون أن يطيل فيها ويدعونا أحيانا للتأمل والتدبر في آيات القرآن كقوله مثلا: "ينبغي للمؤمن العاقل أن يتدبر هذه الآية ونظائرها ويقدر في نفسه أنه المقصود بها ". (4)
وقال تحت قوله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافا} (5):
وينبغي للفقير أن يتعفف في فقره، ويكتفي بعلم ربه قال الشيخ ابن أبي جمرة: وقد قال أهل التوفيق: من لم يرض باليسير فهو أسير انتهى. وذكر عبد الملك بن محمد ابن أبي القاسم ابن الكردبوس في الاكتفاء في أخبار الخلفاء قال: وتكلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بتسع كلمات: ثلاث في المناجاة وثلاث في الحكمة وثلاث في الآداب أما المناجاة فقال: كفاني فخرا أن تكون لي ربا، وكفاني عزا أن أكون لك عبدا، وأنت كما أحب فاجعلني كما تحب. وأما الحكمة فقال: قيمة كل امرئ ما كان يحسنه، وماهلك امرؤ عرف قدر نفسه، والمرء مخبوء تحت لسانه. وأما الآداب فقال: استغن عمن شئت فأنت نظيره، وتفضل على من شئت فأنت أميره، واضرع إلى من شئت فأنت أسيره انتهى.
(1) النساء: 15.
(2)
الجواهر 4/ 383.
(3)
الجواهر 4/ 255.
(4)
الجواهر 4/ 105.
(5)
البقرة: 273.
ولما كانت السيما تدل على حال صاحبها ويعرف بها حاله أقامها الله سبحانه مقام الإخبار عن حال صاحبها فقال: {تعرفهم بسيماهم} (1) وقد قال الشيخ العارف بالله صاحب الكلم الفارقية والحكم الحقيقية: كل مادل على معنى فقد أخبر عنه ولو كان صامتا، وأشار إليه ولو كان ساكتا، لكن حصول الفهم والمعرفة بحسب اعتبار المعتبر ونظر المتأمل المتدبر. انتهى (2)
ومنه قوله:
حدثني من أثق به أنه جلس عند شيخ من الأفاضل يجود عليه القرآن، فقرئت عليه هذه الآية فبكى عندها ثم بكى إلى أن فاضت نفسه، ومال فحركوه فإذا هو ميت رحمه الله، ونفع به.
ياهذا من صحا عقله من سكر هواه وجهله، احترق بنار الندم والخجل من مهابة نظر ربه، وتنكرت صورة حاله في عينه نفوس الأغبياء الجهال، غافلة عن العظمة والجلال، ولاهية عن أهوال العباد والمآل، مشغولة برذائل الأموال، ولا يعلمون أنها فتنة ووبال، وطول حساب وبلاء وبلبال، اغتنموا ياذوي البصائر نعمة الإمهال، واطرحوا خوادع الأماني وكواذب الآمال، فكأن قد فجأتكم هواجم الآجال. انتهى من (الكلم الفارقية في الحكم الحقيقية)(3)
وقال في سورة النساء:
تأمل رحمك الله صدر هذه السورة؛ معظمه إنما هو في شأن الأجوفين البطن والفرج مع اللسان، وهما المهلكان، وأعظم الجوارح آفة وجناية على الإنسان، وقد روينا عن مالك في الموطأ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من وقاه الله شر اثنتين ولج الجنة، مابين لحييه وما بين رجليه، مابين لحييه وما بين رجليه، مابين لحييه وما بين رجليه "(4) قال أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد: ومعلوم أنه أراد صلى الله عليه وسلم مابين لحييه: اللسان، وما بين رجليه: الفرج".والله أعلم (5)
(1) البقرة: 273.
(2)
الجواهر 1/ 267 - 268.
(3)
الجواهر 1/ 274 - 275.
(4)
الموطأ - كتاب الجامع - باب مايخاف من شر اللسان 2/ 253 عن عطاء بن يسار مرسلا وقال ابن عبد البر: ورد معناه متصلا من حديث جابر وسهل بن سعد وأبي موسى وأبي هريرة (انظر تنوير الحوالك 2/ 253) وحديث سهل أخرجه الترمذي - كتاب الزهد - باب في حفظ اللسان 4/ 606 وقال: حسن صحيح غريب.
(5)
الجواهر 1/ 419.
وقال في قوله تعالى: {ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب} (1) قال الأستاذ أبو بكر الطرطوشي في سراج الملوك: ولما ضرب ابن ملجم عليا رضي الله عنه أدخل منزله فاعترته غشية، ثم أفاق فدعا أولاده الحسن والحسين ومحمدًا فقال: أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، والعدل على الصديق والعدو، والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله في الشدة والرخاء، يابني! ما شر بعده الجنة بشر، ولاخير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عافية، من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على مافاته، ومن سل سيف بغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئرًا وقع فيها، ومن هتك حجاب أخيه كشف عورات بنيه، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن أعجب برأيه ضل، ومن جالس العلماء وقر، ومن خالط الأنذال احتقر، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار
…
.الخ. (2)
وقد اهتم الثعالبي بموضوعات معاصرة لها صلة بحياة المسلمين:
منها الجهاد (3) وقد ذكر أسباب ضعف أحوال المسلمين وأنها تعود إلى حب الدنيا وكراهية بذل النفوس لله فيقول: ألا ترى إلى حال الصحابة رضي الله عنهم وقلتهم في صدر الإسلام وكيف فتح الله بهم البلاد ودان لدينهم العباد لما بذلوا لله أنفسهم في الجهاد؟ وحالنا اليوم كما ترى عدد أهل الإسلام كثير ونكايتهم في الكفار نزر يسير. وأورد الحديث الذي أخرجه أبو داود (4) الذي أوله "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها
…
" ثم علق على ذلك ووصف حال ملوك زمانه وتركهم الجهاد فقال: فانظر رحمك الله فهل هذا
(1) النساء: 131.
(2)
الجواهر1/ 501 - 502.
(3)
انظر الجواهر1/ 318، 396، 460.
(4)
السنن - كتاب الملاحم - باب في تداعي الأمم على الإسلام 4/ 111 وقال الألباني: صحيح. (صحيح الجامع رقم 8035).
الزمان إلا زماننا بعينه وتأمل حال ملوكنا إنما همتهم جمع المال من حرام وحلال وإعراضهم عن أمر الجهاد فإنا لله وإنا إليه راجعون على مصائب الإسلام وهذا موقف شجاع من مواقف الثعالبي.
كما تكلم عن الرباط في سبيل الله (1) والزكاة (2) واهتم بشئون المرأة (3) وبين أهمية الشورى (4)
أما موقفه من العلوم الحديثة والرياضة والفلسفة والمعجزات الكونية ونحو ذلك فلا نرى له اهتماما بهذا الجانب، والله أعلم.
(1) انظر الجواهر1/ 344 - 345، 2/ 106 - 107.
(2)
انظر الجواهر2/ 127 - 128، 137.
(3)
انظر الجواهر1/ 343، 4/ 117.
(4)
انظر الجواهر1/ 327، 4/ 114.