الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - شبهة: حصب جهنم
.
نص الشبهة:
قال المعترض: يقول تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} [الأنبياء: 98].
قال مفسرو المسلمين: إن محمدًا لما تلا هذه الآية، سأله عبد الله بن الزبعرى: ألم تقل إن اليهود عبدوا عزيرًا، والنصارى عبدوا المسيح، وبني مليح عبدوا الملائكة، والصابئين الكواكب؟ فهل هؤلاء وقود النار؟ (الرازي في تفسير هذه الآية)
وقد اعتذر الرازي عن ذلك بقوله: إنه كان يخاطب العرب فقط بدليل قوله: {إِنَّكُمْ} ولكن القرآن في مواضع كثيرة استخدم نفس اللفظ للجميع، فقال في سورة مريم:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم: 71]، فهل يعني العرب فقط؟ ثم إن العرب كانوا يعبدون الشمس والقمر والكواكب والنجوم، فهل كل هذه في النار؟ .
وقد اعتذر الرازي بقوله: إن لفظ (ما) تستخدم لغير العاقل، نقول جاء في القرآن:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8]، فهل (ما) هنا لغير العاقل؟ .
والجواب عن ذلك من وجهين:
الوجه الأول: تحقيق الرواية
المذكورة عن ابن الزبعري.
الوجه الثاني: الرد على الاعتراض.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: تحقيق الرواية.
وردت هذه الرواية من أربعة طرق عن ابن عباس:
الأولى: من طريق يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم، عن أبي رزين عن أبي يحيى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: آيَةٌ فِي كِتَابِ الله عز وجل لا يَسْأَلُنِي النَّاسُ عَنْهَا وَلَا أَدْرِي، أَعَرَفُوهَا فَلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا أَمْ جَهِلُوهَا فَلَا يَسْأَلُونِي عَنْهَا؟ قِيلَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: آيَةٌ لمَّا نَزَلَتْ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى
أَهْلِ مَكَّةَ وَقَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا؛ فَقَامَ ابْنُ الزِّبَعْرَى فَقَالَ: مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا: شَتَمَ مُحَمَّدٌ آلِهَتَنَا قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالُوا قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} قَالَ: اُدْعُوهُ لِي فَدُعِيَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ ابْنُ الزِّبَعْرَى: يَا مُحَمَّدُ هَذَا شَيْءٌ لِآلِهَتَنَا خَاصَّةً أَمْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ الله؟ قَالَ: بَلْ لِكُلِّ مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ الله عز وجل قَالَ: فَقَالَ: خَصَمْنَاهُ وَرَبِّ هَذِهِ الْبَنِيَّةِ يَا مُحَمَّدُ! أَلَسْتَ تَزْعُمُ أَنَّ عِيسَى عَبْدٌ صَالِحٌ، وَعُزَيْرًا عَبْدٌ صَالِحٌ، وَالْمَلَائِكَةَ عِبَادٌ صَالِحُونَ قَالَ: بَلَى قَالَ: فَهَذِهِ النَّصَارَى يَعْبُدُونَ عِيسَى، وَهَذِهِ الْيَهُودُ تَعْبُدُ عُزَيْرًا، وَهَذِهِ بَنُو مَلِيحٍ تَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ قَالَ: فَضَجَّ أَهْلُ مَكَّةَ فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} عِيسَى وَعُزَيْرٌ وَالْمَلَائِكَةُ: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} قَالَ: وَنَزَلَتْ: {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57)} (1).
الثانية: أخرجها الطحاوي في مشكل الآثار (6112)، قال: حدثنا أبو أمية، حدثنا محمد بن الصلت، وأخرج الطبري في تفسيره (18/ 540) قال: حدثنا ابن سنان القزاز، قال: حدثنا الحسن بن الحسين الأشقر، كلاهما (محمد والحسن) قالا: حدثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال لمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الْآيَةَ.
قَالَ المُشْرِكُونَ فَإِنَّ عِيسَى صلى الله عليه وسلم يُعْبَدُ وَعُزَيْرٌ صلى الله عليه وسلم وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ} عِيسَى وَعُزَيْرٌ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمَا (2).
(1) إسناده ضعيف. أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (6113 تحفة الأخيار)، والواحدي في أسباب النزول (ص 499) وابن عساكر في تاريخ دمشق (40/ 329) وأخرجه بنحوه الطبراني في الكبير (12739) بنفس الإسناد إلا أنه أسقط أبا يحيى.
قلت: إسناده ضعيف وآفته أبو يحي مصدع وضعفه ابن حبان وجهله ابن معين وقال الحافظ: مقبول.
(2)
إسناد ضعيف، عطاء بن السائب: ثقة إلا أنه اختلط. أبو كدينة: وثقه ابن معين وأبو داود والنسائي والعجلي. ولكن سماعه من عطاء لم يذكر قبل أو بعد الاختلاط، والظاهر أنه بعده.
الثالثة: أخرجها الطحاوي في مشكل الآثار (6115 تحفة الأخيار)، قال: حدثنا أحمد بن داود، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، حدثنا يزيد بن أبي حكيم، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "جاء عبد الله بن الزبعرى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، تزعم أن الله أنزل عليك هذه الآية: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، فقد عبدت الشمس والقمر والملائكة وعزير وعيسى صلوات الله عليهم، أوكل هؤلاء في النار مع آلهتنا؟ ، فأنزل الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} ، ونزلت:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ} . (1)
الرابعة: أخرج الحاكم في المستدرك (3449) حدثنا أبو العباس قاسم بن القاسم السياري ثنا محمد بن موسى بن حاتم ثنا علي بن الحسن بن شقيق ثنا الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم قال: لما نزلت: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} فقال المشركون: الملائكة وعيسى وعزير يعبدون من دون الله فقال: لو كان هؤلاء الذين يعبدون آلهة ما وردوها قال، فنزلت:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} عيسى وعزير والملائكة وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (2)
وللحديث شواهد:
منها ما أخرجه الطبري في تفسيره (18/ 539) قال: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني يوما مع الوليد بن المغيرة، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم
(1) إسناده يحسن. الحكم بن أبان: وثقه ابن معين والنسائي والعجلي، وضعفه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ وكذا ابن عدي، وقال ابن حجر: صدوق عابد وله أوهام.
(2)
إسناده حسن. يزيد النحوي: وثقه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث الحسين بن واقد: وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة والنسائي وأحمد: ليس به بأس. علي بن الحسين بن شقيق: قال أحمد: لم يكن به بأس، وقال الحافظ: ثقة حافظ.
رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرض له النضر بن الحارث، وكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه، ثم تلا عليه وعليهم:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ (99)} إلى قوله: {وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ} ، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل عبد الله بن الزّبَعْرى بن قيس بن عديّ السهمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن الزّبَعْرى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد، وقد زعم أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعري: أما والله لو وجدته لخصمته، فسلوا محمدا: أكلّ من عبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد الملائكة، واليهود تعبد عُزَيرا، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم، فعجب الوليد بن المغيرة ومن كان في المجلس من قول عبد الله بن الزّبَعْرى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزّبَعْرى، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبد، إنما يعبدون الشياطين ومن أمرهم بعبادته"، فأنزل الله عليه:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)} . . . إلى {خَالِدُونَ} (1).
ومنها: ما أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (باب ذكر أبواب المسجد الحرام)
قال: حدثنا أحمد بن سليمان الصفار قال: ثنا زيد بن المبارك قال: ثنا ابن ثور، عن ابن جريج قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد فطاف سبعًا، وقريش جلوس بين باب بني مخزوم وباب بني جمح، فقال صلى الله عليه وسلم بيده وأشار إليهم وإلى أوثانهم: إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون، ثم خرج صلى الله عليه وسلم، فجاء ابن الزبعرى، وإذا قريش تسبه، فقال: ما لكم؟ فقالوا: إن ابن أبي كبشة سبنا وسب أوثاننا، فلما أن كان من العشي لقي ابن الزبعرى، فقال: يا محمد، أهي لنا ولآلهتنا خاصة دون الأمم، أو هي لجميع الأمم؟ قال:"بل هي لكم ولجميع الأمم"، قال ابن الزبعرى: خصمتك ورب الكعبة؛ فإنك تثني على عيسى وأمه خيرًا، وقد
(1) إسناده ضعيف. شيخ الطبري محمد بن حميد ضعيف وقد أخرجه ابن إسحق مرسلًا والمرسل من أقسام الضعيف.