الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- صلى الله عليه وسلم قلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} وإلى قوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} . (1)
الثاني عشر: مرسل أبي صالح
قال السيوطي: وأخرج عبد بن حميد، من طريق السدي، عن أبي صالح، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال المشركون: أن ذكر آلهتنا بخير ذكرنا آلهته بخير فألقى الشيطان في أمنيته {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} إنهن لفي الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى قال: فأنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} ، فقال ابن عباس رضي الله عنه: أن أمنيته أن يسلم قومه. (2)
ومن خلال ما مر نعرف أن القصة لا تصح مسندة وما صح إسناده منها فهو مرسل والمرسل من أنواع الضعيف، وإليك بيان كلام العلماء عليه بشيء من التفصيل.
الوجه الثاني: الراجح عند أهل العلم أن المرسل ليس بحجة
.
وبيان ذلك ما يلى:
الحديث المرسل: هو الذي يرويه المحدث بأسانيد متصلة إلى التابعي فيقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (3)
حكمه: الحديث المرسل ضعيف لا يحتج به عند جمهور المحدثين وكثير من الفقهاء، وأصحاب الأصول والنظر، وذلك للجهل بحال الساقط من السند فإنه يحتمل أن يكون
(1) ضعيف جدًا. أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 205)، فقال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني يونس بن محمد بن فضالة الظفري عن أبيه، قال: وحدثني كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب به. وهو مع إرساله من طريق الواقدي وهو متروك الحديث.
(2)
هكذا أورده السيوطي رحمه في الدر المنثور (6/ 65)، وهو على أحسن أحواله مرسل، وأبو صالح هو ذكوان من التابعين.
(3)
معرفة علوم الحديث للحاكم (1/ 67)، والنكت على ابن الصلاح للزركشي (1/ 447).
غير صحابي، وإذا كان كذلك فيحتمل أن يكون ضعيفًا، وإن اتفق أن يكون المرسل لا يروي إلا عن ثقة فالتوثيق مع الإبهام غير كاف. (1)
وقال بعض الأئمة الحديث المرسل صحيح يحتج به، وقيد ابن عبد البر ذلك بما إذا لم يكن مرسله ممن لا يحترز، ويرسل عن غير الثقات فإن كان فلا خلاف في رده.
وقال أبو داود في رسالته إلى أهل مكة: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك، والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتلكم فيها، وتابعه على ذلك أحمد بن حنبل، وغيره، فإذا لم يكن مسند غير المراسيل، ولم يوجد المسند، فالمرسل يحتج به، وليس هو مثل المتصل في القوة.
وقال الطبري: أجمع التابعون بأسرهم على قبول المرسل ولم يأت عنهم إنكاره، ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المئتين.
قال ابن عبد البر: كأنه يعني أن الشافعي أول من رده.
وقد انتقد بعضهم قول من قال إن الشافعي أول من ترك الاحتجاج بالمرسل، فقد نقل ترك الاحتجاج عن سعيد بن المسيب، وهو من كبار التابعين، ولم ينفرد هو بذلك بل قال به من بينهم ابن سيرين والزهري. (2)
وقد أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن ابن سيرين أنه قال: لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قيل: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم (3).
وقد ترك الاحتجاج بالمرسل ابن مهدي، ويحيى القطان، وغير واحد ممن قبل الشافعي، والذي يمكن نسبته إلى الشافعي في أمر المرسل هو زيادة البحث عنه والتحقيق فيه، وأخرج في الحلية من طريق ابن مهدي، عن ابن لهيعة أنه سمع شيخًا من الخوارج يقول بعدما تاب إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيرنا له حديثًا.
(1) توجيه النظر إلى أصول الأثر (2/ 559)، وفتح المغيث (1/ 142).
(2)
توجيه النظر إلى أصول الأثر 2/ 559.
(3)
صحيح مسلم 1/ 12.
قال ابن حجر: هذه والله قاصمة الظهر للمحتجين بالمرسل إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الإسلام والصحابة متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء إذا استحسنوا أمرًا جعلوه حديثًا وأشاعوه، فربما سمع الرجل الشيء فحدث به ولم يذكر من حدثه به تحسينًا للظن فيحمله عنه غيره ويجيء الذي يحتج بالمنقطعات فيحتج به مع كون أصله ما ذكرت. (1)
وأما مراسيل الصحابة فحكمها حكم الموصول على المشهور الذي ذهب إليه الجمهور قال ابن الصلاح ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه لأن ذلك في حكم الموصول المسند لأن روايتهم عن الصحابة والجهالة بالصحابي غير قادحة لأن الصحابة كلهم عدول.
قال الحافظ العراقي: وفي قوله: لأن روايتهم عن الصحابة نظر، والصواب أن يقال لأن غالب روايتهم إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعض التابعين. (2)
ولم يذكر ابن الصلاح خلافًا في مرسل الصحابي وفي بعض كتب الأصول أنه لا خلاف في الاحتجاج به، وليس بجيد فقد قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني إنه لا يحتج به، والصواب ما تقدم من الاحتجاج به.
وأما مراسيل من أُحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم غير مميز كعبيد الله بن عدي بن الخيار فلا يمكن أن يقال إنها مقبولة كمراسيل الصحابة لأن رواية الصحابة إما أن تكون عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي والكل مقبول، واحتمال كون الصحابي الذي أدرك، وسمع يروي عن التابعين بعيد بخلاف مراسيل هؤلاء فإنها عن التابعين بكثرة فقوي احتمال أن يكون الساقط غير صحابي، وجاء احتمال كونه غير ثقة. (3)
وقال ابن حزم: المرسل من الحديث هو الذي سقط بين أحد رواته وبين النبي صلى الله عليه وسلم ناقل واحد فصاعدًا وهو المنقطع أيضًا وهو غير مقبول، ولا تقوم به حجة لأنه عن مجهول، وقد
(1) فتح المغيث (1/ 144).
(2)
التقييد والإيضاح (1/ 75)، والشذا الفياح (1/ 151).
(3)
توجيه النظر إلى أصول الأثر (2/ 561).
قدمنا أن من جهلنا حاله ففرض علينا التوقف عن قبول خبره وعن قبول شهادته حتى نعلم حاله، وسواء قال الراوي حدثنا الثقة أو لم يقل لا يجب أن نلتفت إلى ذلك إذ قد يكون عنده ثقة من لا يعلم من جرحته ما يعلم غيره وقد قدمنا أن الجرح أولى من التعديل.
وقد وثق سفيان الثوري جابرًا الجعفي، وجابر قد عرف من حاله ما عرف، ولكن قد خفي أمره على سفيان فقال بما ظهر منه إليه، ومرسل سعيد بن المسيب، ومرسل الحسن البصري وغيرهما سواء لا يؤخذ منه شيء.
ثم قال رحمه الله: فواجب على كل أحد أن لا يقبل إلا من عرف اسمه وعرفت عدالته وحفظه، فما أحد ينصح نفسه يثق بحديث مرسل أصلًا. (1)
وقال ابن تيمية: قد تنازع الناس في قبول المراسيل وفي ردها، وأصح الأقوال أن منها المقبول ومنها المردود ومنها الموقوف فمن علم من حاله أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل مرسله ومن عرف أنه يرسل عن الثقة وغير الثقة كان إرساله رواية عمن لا يعرف حاله فهذا موقوف، وما كان من المراسيل مخالفًا لما رواه الثقات كان مردودًا، وإذا كان المرسل قد ورد من وجهين وكان كل من الراويين قد أخذ العلم عن غير شيوخ الآخر فهذا يدل على صدقه فإن من أخبر بمثل ما أخبر به الآخر مع العلم بأن واحدًا منهما لم يستفد ذلك من الآخر فإنه يعلم أن الأمر كذلك. (2)
وفي رسالة الشافعي أنه سئل: فهل تقوم بالحديث المنقطع حجة على مَن علمه؟
وهل يختلف المنقطع؟ أو هو وغيره سواءٌ؟
فقال: المنقطع مختلف فمن شاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من التابعين فحدث حديثًا منقطعًا عن النبي صلى الله عليه وسلم اعتبر عليه بأمور:
1 -
منها: أن ينظر إلى ما أرسل من الحديث فإن شركه فيه الحفاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل معنى ما روى كانت هذه دلالة على صحة ما قبل عنه وحفظه.
وإن انفرد بإرسال حديث لم يَشركه فيه من يُسنده قُبِل ما ينفرد به من ذلك ويعتبر عليه بأن:
(1) الإحكام في أصول الأحكام (2/ 143).
(2)
منهاج السنة (7/ 435).
1 -
ينظر هل يوافقه مرسل غيره ممن قبل العلم عنه من غير رجاله الذين قبل عنهم فإن وجد ذلك كانت دلالة تقوي له مرسله وهي أضعف من الأولى.
2 -
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولًا له فإن وجد يوافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل إن شاء الله تعالى.
3 -
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
4 -
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولًا ولا مرغوبًا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما يروي عنه.
5 -
ويكون إذا شرك أحدًا من الحفاظ في حديث لم يخالفه فإن خالفه ووجد أنقص كانت في هذه دلائل على صحة مخرج حديثه.
ومتى خالف ما وصفت أضر بحديثه حتى لا يسع أحدًا منهم قبول مرسله قال وإن وجدت الدلائل لصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ولا نستطيع أن نزعم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتصل وذلك أن معنى المنقطع مغيب يحتمل أن يكون حمل عمن يرغب عن الرواية عنه إذا سمي وأن بعض المنقطعات وإن وافقه مرسل مثله فقد يحتمل أن يكون مخرجهما واحدا من حديث من لو سمي لم يقبل.
وإن قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال برأيه لو وافقه لم يدل على صحة مخرج الحديث دلالة قوية إذا نظر فيها ويمكن أن يكون إنما غلط به حين سمع قول بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء.
قال: فأما من بعد كبار التابعين الذين كثرت مشاهدتهم لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلا أعلم أحدا منهم يقبل مرسله لأمور:
أحدها: أنهم أشد تجوزا فيمن يروون عنه.
والآخر: أنهم توجد عليهم الدلائل فيما أرسلوا بضعف مخرجه.
والآخر: كثرة الإحالة في الأخبار وإذا كثرت الإحالة كان أمكن للوهم وضعف من يقبل عنه. اهـ (1)
ثم إن السقوط من السند قد يكون واضحا يشترك في معرفته كثيرون من أهل الفن ولا يخفى عليهم وذلك في مثل ما إذا كان الراوي لم يعاصر من روى عنه وقد يكون خفيًا لا يدركه إلا الأئمة الحذاق المطلعون على طرق الأحاديث وعلل الأسانيد والأول يدرك بمعرفة التاريخ لتضمنه التعريف بأوقات مواليد الرواة ووفياتهم وطلبهم وارتحالهم وغير ذلك.
وقد ادعى أناس الرواية عن شيوخ أظهر التاريخ كذب دعواهم فيها ولذا عني المحدثون بالتاريخ كثيرًا.
ويقال للإسناد الذي يكون السقوط فيه واضحًا المرسل الجلي وللإسناد الذي يكون السقوط فيه خفيا المدلس بالفتح إن كان الإسقاط صادرًا ممن عرف لقاؤه لمن روى عنه والمرسل الخفي إن كان الإسقاط صادرًا ممن عرف معاصرته له ولم يعرف إنه لقيه وهذا على قول من فرق بينهما وجعلهما متباينين وأما من جعل المرسل الخفي داخلًا في المدلس فإنه يعرف المدلس بأنه هو الإسناد الذي يكون السقوط فيه خفيًا. (2)
وقال النووي: مذهب الشافعي والمحققين أن الحديث المرسل إذا روى من جهة أخرى متصلًا احتج به وكان صحيحًا وتبينا برواية الاتصال صحة رواية الإرسال ويكونان صحيحين. (3)
وقال النووي: الحديث المرسل لا يحتج به عندنا وعند جمهور المحدثين وجماعة من الفقهاء وجماهير أصحاب الأصول والنظر وحكاه الحاكم أبو عبد الله بن البيع عن سعيد بن المسيب ومالك وجماعة أهل الحديث وفقهاء الحجاز: وقال أبو حنيفة ومالك في المشهور عنه وأحمد وكثيرون من الفقهاء أو أكثرهم يحتج به ونقله الغزالي عن الجماهير: وقال أبو عمر بن عبد البر وغيره ولا خلاف انه لا يجوز العمل به إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن غير الثقات.
(1) الرسالة (461).
(2)
توجيه النظر إلى أصول الأثر لطاهر الجزائري (2/ 558 - 567).
(3)
شرح مسلم للنووي (18/ 23).
ودليلنا في رد المرسل مطلقًا أنه إذا كانت رواية المجهول المسمى لا تقبل لجهالة حاله فرواية المرسل أولي لأن المروى عنه محذوف مجهول العين والحال: ثم إن مرادنا بالمرسل هنا ما انقطع إسناده فسقط من رواته واحد فأكثر وخالفنا في حده أكثر المحدثين، فقالوا: هو رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال الشافعي رحمه الله وأحتج بمرسل كبار التابعين إذا أسند من جهة أخرى أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأول ممن يقبل عنه العلم أو وافق قول بعض الصحابة أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه قال ولا أقبل مرسل غير كبار التابعين ولا مرسلهم إلا بالشرط الذي وصفته هذا نص الشافعي في الرسالة وغيرها وكذا نقله عنه الأئمة المحققون من أصحابنا الفقهاء والمحدثين كالبيهقي والخطيب البغدادي وآخرين: ولا فرق في هذا عنده بين مرسل سعيد بن المسيب وغيره هذا هو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون:
قال الغزالي: والمختار رده، والدليل أنه لو ذكر شيخه، ولم يعدله وبقي مجهولا عندنا لم نقبله فإذا لم يسمه فالجهل أتم فمن لا يعرف عينه كيف تعرف عدالته. (1)
وقال الترمذي: ومن ضعف المرسل فإنه ضعف من قبل أن هؤلاء الأئمة حدثوا عن الثقات وغير الثقات، فإذا روى أحدهم حديثًا وأرسله لعله أخذه عن غير ثقة قد تكلم الحسن البصري في معبد الجهني ثم روى عنه حدثنا بشر بن معاذ البصري حدثنا مرحوم بن عبد العزيز العطار حدثني أبي، وعمي قالا سمعنا الحسن يقول إياكم، ومعبد الجهني فإنه ضال مضل قال أبو عيسى: ويروى عن الشعبي حدثنا الحارث الأعور، وكان كذابا، وقد حدث عنه، وأكثر الفرائض التي ترونها عن علي وغيره هي عنه وقد قال الشعبي: الحارث الأعور علمني الفرائض، وكان من أفرض الناس قال: وسمعت محمد بن بشار يقول: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: ألا تعجبون من سفيان بن عيينة لقد تركت لجابر الجعفي بقوله لما حكى عنه أكثر من ألف حديث ثم هو يحدث عنه قال محمد بن بشار: وترك عبد الرحمن بن مهدي حديث جابر الجعفي.
وقد احتج بعض أهل العلم بالمرسل أيضًا حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر الكوفي حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن سليمان الأعمش قال قلت لإبراهيم النخعي أسند لي عن
(1) المستصفى (1/ 135).
عبد الله بن مسعود فقال إبراهيم إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذي سميت وإذا قلت قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله. (1)
وقال ابن حجر: بحد أن ذكر المرسل في أنواع المردود: (وإنما ذكر في قسم المردود للجهل بحال المحذوف لأنه يحتمل أن يكون صحابيًا، ويحتمل أن يكون تابعيًا وعلى الثاني يحتمل أن يكون ضعيفًا ويحتمل أن يكون ثقة، وعلى الثاني يحتمل أن يكون حمل عن صحابي، ويحتمل أن يكون حمل عن تابعي، وعلى الثاني فيعود الاحتمال السابق، ويتعدد أما بالتجويز العقلي فإلى ما لا نهاية، وأما بالاستقراء فإلى ستة أو سبعة، وهو أكثر ما وجد في رواية بعض التابعين عن بعض). (2)
ومن قال بالعمل به من أهل العلم نص على شرط، وهو أن لا يكون في الباب شيء يدفعه قال ابن القيم رحمه الله في ذكر أصول الإمام أحمد: الأصل الرابع الأخذ بالمرسل والحديث الضعيف إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه. (3)
وفي صدر (صحيح مسلم): المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة وابن عبد البر - حافظ المغرب - ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث والاحتجاج به مذهب (مالك) و (أبي حنيفة) وأصحابهما رحمهم الله في طائفة والله أعلم. (4)
وخلاصة هذا البحث: أن الراجح الذي عليه العمل عند جمهور المحدثين أن المرسل من أنواع الضعيف وأن الخلاف في الاحتجاج بالمرسل إنما هو في أحكام الفروع، ولا يمكن أن يكون جاريًا في أصول العقائد، لأنها لا تثبت إلا بدليل صحيح، وأن تقويته لا بد فيها من شروط سبق ذكرها عن الإمام الشافعي وهذه الشروط لا تتفق على ما صح من الطرق المرسلة لهذه القصة.
(1) العلل الصغير (1/ 754).
(2)
نزهة النظر ص 43 - 44.
(3)
المدخل إلى مذهب الإمام أحمد (116)، وإعلام الموقعين 1/ 31، وانظر معرفة علوم الحديث (1/ 67).
(4)
المقدمة (1/ 31)، والتقييد والإيضاح (1/ 52).
فأما الشرط الأول: وهو أن يكون المرسل أسند من وجه آخر فهذا لا يتفق مع هذه القصة لأن الرواية المسندة شاذة في أصح طرقها وبقية الطرق شديدة الضعف والشاذ وما لم يرو سواء لأن الرواي أخطأ فيه، ومن الواضح أن سبب رد العلماء للشاذ إنما هو ظهور خطأها بسبب المخالفة المذكورة وما ثبت خطؤه فلا يعقل أن يقوى به رواية أخرى في معناها فثبت أن الشاذ والمنكر مما لا يعتد به ولا يستشهد به، بل إن وجوده وعدمه سواء) (1).
وأما شديد الضعف لا يزيد الضعيف إلا ضعفًا كحال المريض يستعين بمحتضر فهل يعينه؟
فإذا عدم الشرط الأول فإنه يقبل بشروط أما الأول: فهو أن يأتي مرسلًا عمن أخذ العلم عن غير رجال الأول والذي صح من مراسيل هذا القصة ما يلي:
1 -
مرسل سعيد بن جبير 2 - مرسل أبي العالية 3 - مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن 4 - مرسل الزهري 5 - مرسل موسى بن عقبة 6 - مرسل قتادة.
فأما مرسل أبي العالية: فقال العلائي رحمه الله: ومرسلات أبي العالية ضعيفة روى ابن عدي عن ابن سيرين قال كان ههنا ثلاثة يصدقون كل من حدثهم الحسن وأبو العالية وسمى آخر فبهذا ونحوه تقصر مرتبة المرسل وأن اعتضد بغيره. (2)
وأما مرسل الزهري، وقتادة: فقال القطان مرسل الزهري شر من مرسل غيره لأنه حافظ وكلما قدر أن يسمي سمى وإنما يترك من لا يستجيز أن يسميه وروى عباس الدوري عن يحيى بن معين قال مراسيل الزهري ليست بشيء. (3) وكان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا ويقول هو بمنزلة الريح. (4)
وأما مرسل موسى بن عقبة: فهذا معضل وليس بمرسل فحسب.
(1) إرواء الغليل (3/ 351).
(2)
جامع التحصيل (45).
(3)
جامع التحصيل (1/ 90).
(4)
الجرح والتعديل (1/ 245).
وما مرسل سعيد: فهو من الثالثة مات سنة (95 هـ)، وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد يقول مرسلات سعيد بن جبير أحب إلي من مرسلات عطاء. (1) وهذا لا يعني أنها صحيحة لأن مرسلات عطاء ضعيفة عندهم قال ابن المديني: كان عطاء يأخذ من كل ضرب. (2)
وعليه فهذا من باب ضعيف وأضعف. والله أعلم.
وما مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن فهو من الثالثة سنة (94 هـ) فهو من نفس طبقة سعيد بن جبير فلا يبعد أن يكون شيخهما واحد ومع قيام هذا الاحتمال لا يتحقق شرط الشافعي في كون المرسل أخذ العلم عن غير شيوخ الأول.
وأما بقية الشروط: فلا يتفق منها شيء كذلك وها هي:
1 -
وإن لم يوجد ذلك نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قولا له فإن وجد يوافق ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت في هذا دلالة على أنه لم يأخذ مرسله إلا عن أصل إن شاء الله تعالى.
قلت: ولا يصح عن أحد من الصحابة شيء في هذا الأمر فأين كانوا عن مثل هذه القصة على شدة خطرها حتى لم يروها إلا التابعون ولا تصح تسمية صحابي واحد فيها وابن عباس على ضعف الرواية عنه وشذوذها لم يكن ولد عند نزول السورة.
2 -
وكذلك إن وجد عوام من أهل العلم يفتون بمثل معنى ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت: والموجود عكس ذلك حيث أنكرها أكثر أهل العلم كما سيأتي عنهم.
3 -
ثم يعتبر عليه بأن يكون إذا سمى من روى عنه لم يسم مجهولا ولا مرغوبا عن الرواية عنه فيستدل بذلك على صحته فيما يروي عنه.
قلت: ولا يوجد مثل هذا في أحد ممن أرسل هذه القصة كما سبق بيانه. (3)
(1) جامع التحصيل (1/ 37).
(2)
نفس المصدر.
(3)
المصدر السابق
ثم قال الشافعي رحمه الله بعد هذه الشروط: ومتى ما خالف ما وصفت أضرَّ بحديثه حتى لا يسع أحدًا منهم قبول مرسله.
قال: وإذا وجدت الدلائل بصحة حديثه بما وصفت أحببنا أن نقبل مرسله ولا نستطيع أن نزعُم أن الحجة تثبت به ثبوتها بالمتَصِل. وذلك أن معنى المنقطع مُغَيَّب يحتمل أن يكون حُمل عن من يُرغب عن الرواية عنه إذا سُمّي وإن بعض المنقطعات - وإن وافقه مرسل مثله - فقد يحتمل أن يكون مخرجها واحدًا من حيث لو سمي لم يُقبل وأن قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال برأيه لو وافقه - يدل على صحة مَخرج الحديث دلالةً قوية إذا نُظر فيها، ويمكن أن يكون إنما غلِط به حين سمِع قول بعض أصحاب النبي يوافقه ويحتمل مثل هذا فيمن وافقه من بعض الفقهاء. (1)
قال السيوطي بعد هذا الشروط: فإن فقد شرط مما ذكر لم يقبل مرسله فإن وجدت قبل. (2)
ومع التسليم بتحقق هذا الشرط في المرسل: وهو ليس بالأمر الهين فإنه لو تحققنا من وجوده فقد يرد إشكال آخر وهو أنه يحتمل أن يكون كل من الواسطتين أو أكثر ضعيفا وعليه يحتمل أن يكون ضعفهم من النوع الأول الذي ينجبر بمثله الحديث على ما سبق نقله عن ابن الصلاح ويحتمل أن يكون من النوع الآخر الذي لا يقوى الحديث بكثرة طرقه ومع ورود هذه الاحتمالات يسقط الاستدلال بالحديث المرسل وإن تعددت طرقه. (3)
قال الألباني: وبالجملة فالمانع من الاستدلال بالحديث المرسل الذي تعدد مرسلوه أحد الاحتمالين:
الأول: أن يكون مصدر المرسلين واحدًا.
الثاني: أن يكونوا جمعًا ولكنهم جميعًا ضعفاء ضعفًا شديدًا، وعليه فلو ألقينا النظر على روايات هذه القصة لألفيناها كلها مرسلة حاشا حديث ابن عباس ولكن طرقه كلها واهية شديدة الضعف لا تنجبر بها تلك المراسيل فيبقى النظر في هذه المراسيل وهي كما
(1) الرسالة (1/ 463).
(2)
التدريب (1/ 199).
(3)
نصب المجانيق (44).
علمت سبعة صح إسناد أربعة منها وهي مرسل سعيد بن جبير وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث وأبي العالية ومرسل قتادة وهي مراسيل يرد عليها أحد الاحتمالين السابقين لأنهم من طبقة واحدة: فوفاة سعيد بن جبير سنة (95) وأبي بكر بن عبد الرحمن سنة (94) وأبي العالية - واسمه رفيع مصغرًا - سنة (90) وقتادة سنة بضع عشرة ومائة والأول كوفي والثاني مدني والأخيران بصريان.
فجائز أن يكون مصدرهم الذي أخذوا منه هذه القصة ورووها عنه واحدا لا غير وهو مجهول وجائز أن يكون جمعا ولكنهم ضعفاء جميعًا فمع هذه الاحتمالات لا يمكن أن تطمئن النفس لقبول حديثهم هذا لا سيما في مثل هذا الحدث العظيم الذي يمس المقام الكريم فلا جرم تتابع العلماء على إنكارها، بل التنديد ببطلانها ولا وجه لذلك من جهة الرواية إلا ما ذكرنا. (1)
وأخيرًا نؤكد على مسألة دقيقة في قبول المرسل حتى عند من يقبله لو صح إسناده وهي أن العلماء اشترطوا فيه أن لا يكون مخالفًا لأصول الدين المتفق عليها وهذا إعلال من المتن لا يتوصل إليه إلا بعد البحث في نصوص الباب واستقصاء البحث فيما ورد في المسألة.
قال الزيلعي بعد أن رجح مذهبه في قبول المرسل: ومن شروط قبول الأخبار عند الحنفية مسندة كانت أو مرسلة أن لا تشذ عن الأصول المجتمعة عندهم وذلك أن هؤلاء الفقهاء بالغوا في استقصاء موارد النصوص من الكتاب والسنة وأقضية الصحابة إلى أن أرجعوا النظائر المنصوص عليها والمتلقاة بالقبول إلى أصل تتفرع هي منه وقاعدة تندرج تلك النظائر تحتها، وهكذا فعلوا في النظائر الأخرى إلى أن أتموا الفحص والاستقراء فاجتمعت عندهم أصول - موضع بيانها كتب القواعد والفروق - يعرضون عليها أخبار الآحاد (2).
(1) المصدر السابق.
(2)
وهذا ليس على عمومه لأن الخبر لو صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو عن الله متواتر كان أو آحادًا إلا إذا كان فيه علة خفية في المتن أو الإسناد وما سوى ذلك من التعارض بين النصوص والأصول فسببه إما فساد الأصل أو ضعف النص.