الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84)} [الأنعام: 84].
فأخبر الله أنه هداه واجتباه، وجعله من المحسنين، وقال تعالى:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)} [الأنبياء: 83، 84].
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)} [ص: 41 - 44] فسماه الله عز وجل عبدًا كما يخبر جميع أنبيائه، لأن مقام العبودية هو أشرف المقامات على الإطلاق، ثم إنه في هذه الآيات قال (مسني الشيطان)، وفي الأنبياء قال:(مسني الضر) فلم ينسب الضر إلى الله سبحانه وتعالى أدبًا مع الله عز وجل.
وقال المفسرون: هذا ليس شكاية، إنما هو دعاء؛ بدليل قوله تعالى:{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} على أن الجزع إنما هو في الشكوى إلى الخلق، فأما الشكوى إلى الله عز وجل فلا يكون جزعًا ولا ترك صبر كما قال يعقوب:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وقوله:{وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} أي: رد الله عز وجل إليه أهله وأولاده بأعيانهم أحياهم الله له وأعطاه مثلهم معهم، وهو ظاهر القرآن (1).
ثانيًا: فضل أيوب عليه السلام في السنة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشد الناس بلاءًا لأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيْدَ في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة"(2).
(1) تفسير البغوي (4/ 43).
(2)
صحيح. أخرجه النسائي (7482)، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية (1/ 48).
وكان أيوب عليه السلام من أشد الناس بلاءً، ولم يزد هذا البلاء كله أيوب عليه السلام إلا صبرًا واحتسابًا وحمدًا وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام (1).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين. فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أَمُرُّ بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فاكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب أن: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)} [ص: 42]، فاستبطأته فتلقته تنظر وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحًا، فقال: فإني أنا هو، وكان له أندران: أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض"(2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا خَرَّ عَلَيْهِ رِجْلُ جَرَادٍ مِنْ ذَهَبٍ فَجَعَلَ يَحْثِي فِي ثَوْبِهِ فَنَادَى رَبُّهُ يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا ترَى؟ قَالَ: بَلَى يَا رَبِّ، ولَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ"(3).
وقَوْلُهُ: (خَرَّ عَلَيْهِ) أَيْ سَقَطَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:(رِجْلُ جَرَادٍ) أَيْ: جَمَاعَةُ جَرَادٍ، والْجَرَادُ اِسْمُ جَمْعٍ وَاحِدُهُ جَرَادَةٌ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ، وقَوْلُهُ:(فَنَادَاهُ رَبُّهُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِإِلْهَامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (4).
(1) قصص الأنبياء (1/ 359).
(2)
صحيح. تفسير الطبري 23/ 167، السلسلة الصحيحة للألباني (17).
(3)
أخرجه البخاري (279).
(4)
فتح الباري (1/ 461).