الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال النووي: فأسلم برفع الميم وفتحها وهما روايتان مشهورتان فمن رفع قال معناه أسلم أنا من شره وفتنته ومن فتح قال إن القرين أسلم من الإسلام وصار مؤمنا لا يأمرني إلا بخير. (1)
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم سلم من شره فهذا منه ولا بد.
الوجه الخامس: الأدلة من المعقول على بطلان القصة
.
وها هي من وجوه:
أحدها: أن من جوز على الرسول صلى الله عليه وسلم تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.
وثانيهما: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلى ويقرأ القرآن عند الكعبة آمنًا أذى المشركين له حتى كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلًا أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم.
وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة.
دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظَّم آلهتهم حتى خروا سجدًا مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.
ورابعها: قوله: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها، فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآنًا، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلًا أولى.
وخامسها: وهو أقوى الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه فبهذه الوجوه عرفنا على سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة (2).
(1) شرح مسلم للنووي (17/ 157).
(2)
مفاتيح الغيب للرازي الموضع السابق.
وسادسها: أنه يمتنع في حق النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمنى أن ينزل عليه شيء من القرآن في مدح آلهة غير الله لأن ذلك كفر. كما يمتنع في حقه أن يتسود الشيطان عليه، ويشبه عليه القرآن حتى يجعل فيه ما ليس منه، ويعتقد النبي أن من القرآن ما ليس منه حتى يفهمه جبريل ذلك.
وسابعها: ويقول العالم الهندي محمد علي: إن قراءة الآيات متسلسلة تظهر أن ليس من المعقول أن تحشر بينها آيات مناقضة لها في أصل العقيدة الإسلامية. وصلب دعوة محمد صلى الله عليه وسلم، دعوة التوحيد. (1)
وثامنها: استحالة هذه القصة نظرًا، وعرفا، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الالتئام متناقض الأقسام ممتزج المدح بالذم متخاذل التأليف، والنظم، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم ومن بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن لا يخفى عليه ذلك وهذا لا يخفى على أدنى متأمل فكيف بمن رجح حلمه واتسع في باب البيان فصيح الكلام علمه.
وتاسعها: أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضعفة القلوب، والجهلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة، وتخليط العدو على النبي صلى الله عليه وسلم لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفينة بعد الفينة، وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدنى شبهة، ولم يحك أحد في هذه القصة شيئا سوى هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجدت قريش بها على المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرة في قصة الإسراء حتى كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة، وكذلك ما روى في قصة القضية، ولا فتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت ولا تشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت فما روى عن معاند فيها كلمة ولا عن مسلم بسببها بنت شفة فدل على بطلها واجتثاث أصلها ولا شك في إدخال بعض شياطين الإنس، أو الجن هذا الحديث على بعض المحدثين ليلبسن به على ضعفاء المسلمين. (2)
(1) أيسر التفاسير لأسعد حمود (2527).
(2)
الشفا للقاضي عياض 2/ 127.