الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل له: علم به سليمان، ولكنه لم يعلم أنهم يسجدون للشمس، ويقال: إنه علم بها، ولكنه لم يعلم أن ملكها قد بلغ هذا المبلغ، وعلم أنهم أهل الضلالة (1).
ويقال أيضًا: وما العجب أن يعلم الهدهد شيئًا لم يعلمه سليمان عليه السلام؟
فإن الأنبياء لا يعلمون الغيب، وهذا غيب عن سليمان عليه السلام، وأيضًا ليس علم الهدهد بهذه المملكة يدل على أنه أعلم من سليمان (2).
وقد قال موسى للخضر: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف: 66] وقد استفاد موسى من الخضر ثلاث مسائل، وهو أفضل منه (3).
ثالثها: ألهم الله عز وجل الهدهد، فكافح سليمان بهذا الكلام، مع ما أوتي من فضل النبوة والعلوم الجمَّة ابتلاءً له في علمه (4).
رابعها: أن سليمان عليه السلام لمّا توعد الهدهد بأن يعذبه عذابًا شديدًا أو يذبحه، إنما نجا منه بالعلم وأقدم عليه في خطابه له بقوله:{أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} خبرًا، وهذا الخطاب إنما جرأه عليه العلم، وإلا فالهدهد مع ضعفه لا يتمكن من خطابه لسليمان مع قوته بمثل هذا الخطاب لولا سلطان العلم (5).
الوجه الرابع: بيان مدى علم سليمان عليه السلام
-.
كفى بمقام النبوة علمًا، قال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]، وقال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا
(1) بحر العلوم للسمرقندي (تفسير الآية).
(2)
تفسير القرطبي (13/ 191).
(3)
منهاج السنة النبوية لابن تيمية (8/ 274).
(4)
تفسير النسفي (3/ 208).
(5)
مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 173).
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (15) وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَاأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ} [النمل: 15، 16]، وقوله:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، فكلامه دليل على علمه بالله وورعه عليه السلام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَمَا امْرَأَتَانِ مَعَهمَا ابْنَاها إذ عدا الذِّئْبُ، فأخذ ابْنِ إِحْدَاهُمَا فتنازعتا في الآخر، فَقَالَتْ الكبرى: إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، وَقَالَتْ الْصغرَى: بل إِنَّمَا ذَهَبَ بِابْنِكِ، فتحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُدَ فَحكم بِهِ لِلْكُبْرَى، فَخَرَجَتَا عَلَى سُلَيْمَانَ عليه السلام فَقَالَ: ائْتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ نصفين لكل واحدة منكما نصفه، فَقَالَتْ الصُّغْرَى: يَرْحَمُكَ الله هُوَ ابْنُهَا فَقَضَى بِهِ لها"(1).
قوله: "فَحكم بِهِ لِلْكُبْرَى" كان ذلك على سبيل الفتيا لا الحكم، ولذلك ساغ لسليمان أن ينقضه، والذي ينبغي أن يقال إن داود عليه السلام قضى به للكبرى لسبب اقتضى به عنده ترجيح قولها، إذ لا بينة لواحدة منهما، وكونه لم يعين في الحديث اختصارًا لا يلزم منه عدم وقوعه، فيحتمل أن يقال: إن الولد الباقي كان في يد الكبرى وعجزت الأخرى عن إقامة البينة، قال: وهذا تأويل حسن جار على القواعد الشرعية.
وليس في السياق ما يأباه ولا يمنعه، فإن قيل فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه؟
فالجواب أنه لم يعمد إلى نقض الحكم، وإنما احتال بحيلة لطيفة أظهرت ما في نفس الأمر، وذلك أنهما لما أخبرتا سليمان عليه السلام بالقصة، فدعا بالسكين ليشقه بينهما، ولم يعزم على ذلك في الباطن وإنما أراد استكشاف الأمر فحصل مقصوده لذلك لجزع الصغرى الدال على عظيم الشفقة، ويحتمل أن يكون سليمان ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه.
(1) أخرجه البخاري (6769)، مسلم (1720).