الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة: استغفار الملائكة للبشر
.
نص الشبهة:
قال تعالى: {لَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا. . .} [غافر: 7]، وقال تعالى:{وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: 5].
قالوا: كيف يستغفرون لمن في الأرض وفيهم الكفار والمنافقين. ثم قالوا وأنكروا استغفار الملائكة أو شفاعتهم لهم، وإذا صح ذلك فلماذا أرسل الرسل؟ وما هي منافعهم؟
والجواب من هذه الوجوه:
الوجه الأول: أهمية إرسال الأنبياء والرسل
.
الوجه الثاني: علاقة الملائكة بالصالحين من بني آدم.
الوجه الثالث: آية الشورى خصصت بآية غافر فلا تعارض.
الوجه الرابع: الملائكة في سورة الشورى أعم من الملائكة في سورة غافر.
الوجه الخامس: الاستغفار بمعنى طلب الهداية لهم، وليس لمغفرة ذنوبهم.
الوجه السادس: بيان أنه لا يجوز الاستغفار للمشركين إذا ماتوا على الشرك.
الوجه السابع: علاقة الملائكة بالبشر عندهم في الكتاب المقدس.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أهمية إرسال الأنبياء والرسل.
ونتحدث في هذا الوجه على أهمية الأنبياء والحاجة إليهم وهذا في مباحث:
المبحث الأول: حاجة الناس للأنبياء والرسل:
أولًا: لقد خلق الله تعالى الإنسان وزوده بوسائل المعرفة؛ ليكون خليفة في الأرض حتى يعمرها ويسخر ما فيها لمعيشته ومن ثم يتخذها مقرا لعبادة الله تعالى.
ثانيًا: إن الإنسان رغم ما زوده الله تعالى به من وسائل معرفية إلا أنه لا يستطيع
الإحاطة في معرفته إلا بالقدر اليسير من كثير مما حوله في هذا الكون الفسيح المحسوس المرتبط ارتباطا وثيقا بحياته ذلك أن أكثر ما في هذا الكون يدخل في عالم الغيب النسبي أو المطلق بالنسبة للإنسان مما يجعله في حاجة إلى مصدر عليم بأمر الكون حتى يزوده بمعلومات تزيح عنه الستر وتكشف عنه بعض الغيب.
ثالثًا: لما كان الإنسان مفطورًا على عبادة الله تعالى، كما أنه مأمور بذلك وجوبًا لزم أن تكون تلك العبادة على علم بالمعبود وهو الله تعالى وهذا العلم لا يمكن الوصول إليه مفصلًا بالعقول المجردة، كما أن العبادة لا يمكن معرفة كيفيتها بالعقول المجردة، وبذلك يكون الإنسان بحاجة دائمة إلى خبر من مصدر موثوق يمكنه من معرفة الله تعالى وكيفية عبادته.
رابعًا: إن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكنه العيش منعزلًا عما حوله من كائنات وموجودات، فهو كذلك بحاجة إلى قواعد ونظم لترتيب حياته الفردية والاجتماعية والأسرية وبدون هذه النظم تصبح هذه العلاقات قائمة على الفوضى والتنازع، وارتباط هذه القوانين والنظم بالتشريع الإلهي يضمن لها الثبات والاستقرار؛ لأنها تصدر عن عليم بخلقه مدرك لمصالحهم إدراكًا كاملًا مطلقًا، أضف إلى ذلك أن الإنسان قد استقر في وجدانه أنه لا بد من حياة أخرى يجازى فيها الناس على أعمالهم في هذه الحياة الدنيا فكان مقتضى الحكمة أن يبين الله تعالى ذلك لخلقه.
خامسًا: الاتصال بين الله تعالى والإنسان يكون بواسطة الملائكة، ولكن لما كانت طبيعة الملائكة تختلف اختلافًا كاملًا عن البشر كان لا بد من وجود خصوصية في الصلة بين الملائكة وبين البشر؛ لذا قضى الله تعالى بحكمته البالغة أن يصطفي من البشر أفرادًا ذوي طبيعة خاصة ويعدهم إعدادًا خاصًا للتكيف مع طبيعة الاتصالط بالملائكة حتى تتنزل هذه الملائكة عليهم بأحكام الله تعالى عليهم.
قال ابن تيمية: والرسالة ضرورية للعباد لا بد لهم منها وحاجتهم إليها فوق حاجتهم إلى كل شيء والرسالة روح العالم ونوره وحياته فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة، وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة، وهو من الأموات، قال الله تعالى: {
أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122]، فهذا وصف المؤمن كان ميتًا في ظلمة الجهل فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورًا يمشى به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات، وسمى الله تعالى رسالته روحًا والروح إذا عدم فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى:{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].
فذكر هنا الأصلين وهما الروح والنور فالروح الحياة والنور النور. وحاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب فإن آخر ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها مات قلبه موتًا لا ترجى الحياة معه أبدًا أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدًا فلا فلاح إلا بإتباع الرسول فان الله خص بالفلاح إتباعه المؤمنين وأنصاره كما قال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157]، أي: لا مفلح إلا هم كما قال تعالى، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)} [آل عمران: 104].
فخص هؤلاء بالفلاح كما خص المتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم ويؤمنون بما أنزل إلى رسوله، وما أنزل من قبله، ويوقنون بالآخرة وبالهدى والفلاح، فعلم بذلك أن الهدى والفلاح دائر حول ربع الرسالة وجودًا وعدمًا، وهذا مما اتفقت عليه الكتب المنزلة من السماء وبعث به جميع الرسل ولهذا قص الله علينا أخبار الأمم المكذبة للرسل وما صارت إليه عاقبتهم وأبقى آثارهم وديارهم عبرة لمن بعدهم وموعظة وكذلك مسخ من مسخ قردة وخنازير لمخالفتهم لأنبيائهم وكذلك من خسف به وأرسل عليه الحجارة من السماء وأغرقه في اليم وأرسل عليه الصيحة وأخذه بأنواع