الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الخامس: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)}
.
أي أنذرتكم وقيعة مثل وقيعة عاد وثمود، قال: عذاب مثل عذاب عاد وثمود (1)، أي: عذاب شديد الواقع كأنه صاعقة (2).
الوجه السادس: الصعقة: الهلاك يكون معها في الأحيان قطعة نار
فشبهت هنا وقعة العذاب بها، لأن عادًا لم تعذب إلا بريح، وإنما هذا تشبيه واستعارة (3).
زيادة وتوضيح: لما أضيفت صاعقة إلى عاد وثمود، وعادًا لم تهلكهم الصاعقة، وإنا أهلكهم الريح، وثمود أهلكوا بالصاعقة، فقد استعمل الصاعقة هنا في حقيقته ومجازه، أو هو من عموم المجاز والمقتضى لذلك على الاعتبارين قصد الإيجاز (4).
خلاصة القول: اعلم أن الله عز وجل تكلم عن الهلاك الذي أهلك به ثمود، بعبارات مختلفة، فذكره هنا باسم الصاعقة في قوله تعالى:{فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ} [فصلت: 17]. وقوله: {فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت: 13] وعبر عنه أيضًا بالصاعقة في قوله تعالى: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات: 43، 44].
وعبر عنه بالصيحة في آيات من كتابه، كقوله تعالى في إهلاكه ثمود:{وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ} [هود: 67، 68]، وقوله تعالى:{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (82) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} [الحجر: 82، 83].
وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} (القمر: 31)، وقوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} [العنكبوت: 40]، يعني به ثمود المذكورين في قوله تعالى:
(1) جامع البيان للطبري (24/ 100)، والمحرر الوجيز لابن عطية (5/ 8).
(2)
الكشاف للزمخشري (4/ 191).
(3)
المحرر الوجيز (5/ 8).
(4)
التحرير والتنوير (24/ 253).
{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} [العنكبوت: 38]، وعبر بالرجفة في قوله تعالى:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [الأعراف: 77، 78]، وعبر عنه بالتدمير في سورة النمل في قوله تعالى:{فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل: 51].
وعبر عنه بالطاغية في قوله تعالى: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ} وعبر عنه بالدمدمة في قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس: 14].
وعبر عنه بالعذاب في قوله تعالى: {فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ} [الشعراء: 157، 158].
ومعنى هذه العبارات كلها راجع إلى شيء واحد، وهو أن الله أرسل عليهم صيحة أهلكتهم، والصيحة الصوت المزعج المهلك وعلى النار المحرقة، وعليهما معًا، ولشدة عظم الصيحة وهولها من فوقهم رجفت أنها صيحة وصاعقة ورجفة، وكون ذلك تدميرًا واضحًا، وقيل لها طاغية: لأنها واقعة مجاوزة الحد.
ومنه قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ} ي جاوز الحدود التي يبلغها الماء عادة. (1)
ملخص ما سبق:
{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)} أي فأما ثمود فأهلكهم الله بصيحة جاوزت الحد في الشدة كما جاء في سورة هود: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ} وهي الصاعقة التي جاءت في حم السجدة، والرجفة والزلزلة التي جاءت في سورة الأعراف، فلا تعارض بين الآيات، لأن الهلاك في بعضها نسب إلى السبب القريب، وفي بعضها نسب إلى السبب البعيد. (2)
* * *
(1) أضواء البيان للشنقيطي (7/ 22).
(2)
تفسير المراغي (29/ 51).