الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله عز وجل، بتوجيهه صلى الله عليه وسلم إلى الأخذ بالصواب فعاد الحكم بذلك إلى الوحي.
سابعًا: عدم ورود نهى عما عوتب فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، حتى يكون عتابهم ثمَّ ذم.
ثامنًا: إنه ما من آية ظاهرها عتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهي واردة في مقام المنَّة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبيان عظيم فضله ومكانته عند ربه عز وجل بأعظم ما يكون البيان (1).
الرد على قولهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ما أحل الله
.
وقد أخذوا هذا الكلام من الزمخشري، حيث قال في تفسيره: كان هذا ما حرمه الرسول على نفسه من ملك اليمين أو العسل زلة منه؛ لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله، لأن الله عز وجل، إنما أحل ما أحل لحكمة ومصلحة عرفها في إحلاله، فإذا حرم كان ذلك قلب المصلحة مفسدة. (2)
فإن ما أطلقه الزمخشري، وتابعه فيه خصوم السنة النبوية، والسيرة العطرة، في حق النبي صلى الله عليه وسلم تقول وافتراء، والنبي صلى الله عليه وسلم مما أطلقوه براء، وذلك أن تحريم ما أحله الله على وجهين:
الوجه الأول: اعتقاد ثبوت حكم التحريم فيه، فهذا بمثابة اعتقاد حكم التحليل فيما حرمه الله عز وجل، وكلاهما محظور لا يصدر من المتسمين بسمة الإيمان، وإن صدر! سلب المؤمن حكم الإيمان.
والزمخشري كلامه محمول على هذا المحمل، ومعاذ الله أن يعتقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تحريم ما أحله الله له، وما هذه من الزمخشري إلا جراءة على الله ورسوله؛ تابعه فيها بعض الجهلاء. (3)
الوجه الثاني: الامتناع عما أحله الله عز وجل، وهو المعنى الأصلي لمادة حرم في اللغة. (4)
(1) رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 228).
(2)
الكشاف (4/ 564).
(3)
انظر: رد الشبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم لعماد الشربيني.
(4)
فحرمه، وتحريمه، وحرمانًا، وأحرمه، أي منعه. والمحروم: الممنوع عن الخير، ومن لا ينمى له مال، ومنه الصيام إحرام، لامتناع الصائم عما يفسد صومه ينظر: معجم مقاييس اللغة (2/ 45)، والقاموس المحيط (4/ 93)، ومختار الصحاح (132)، والنهاية في غريب الحديث (1/ 358).
وقد ورد التحريم بهذا المعنى (الامتناع) في القرآن الكريم في آيات منها:
1 -
قوله تعالى: {وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ} (القصص: 12).
أي منعنا موسى المراضع، أن يرتضع منهن إلا من قِبَلِ أمه. (1)
2 -
وقوله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)} [المائدة: 72] أي منعه من دخولها.
3 -
وقوله سبحانه: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} [آل عمران: 93] أي إلا ما امتنع عنه سيدنا يعقوب عليه السلام عنه من قبل نفسه.
والامتناع عما أحله الله قد يكون مؤكدًا باليمين مع اعتقاد حله، وهذا مباح صرف، وحلال محض.
وعلى هذا الوجه الثاني تحمل آية التحريم، والتفسير الصحيح، والحديث الصحيح يعضده فإن النبي صلى الله عليه وسلم في العسل قال: فلن أعود له، وقد حلفت. وفي مارية عندما قالت حفصة، كيف تحرم عليك وهي جاريتك حلف لها لا يقربها.
فالتحريم منه صلى الله عليه وسلم كان امتناعًا عن العسل أو مارية، وهو امتناع أكده باليمين، مع اعتقاد حله، ولذا نزلت الآيات. (2)
* * *
(1) جامع البيان للطبري (20/ 40).
(2)
رد شبهات حول عصمة النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 273).