الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة المنافقون
شبهة: {لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ}
.
نص الشبهة:
أن قول الله: {لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} ينافي الرحمة والشفقة.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن التوراة والإنجيل محرفان.
الوجه الثاني:
احتجاجكم بالقرآن لا يجوز.
الوجه الثالث:
تفسير الآيات، ومن خلالها الرد على هذه الشبهة المزعومة، وإثبات أنهم يستحقون غضب الله عليهم.
الوجه الرابع: من أسباب غضب الله عليهم.
الوجه الخامس: أن الله لا يظلم الناس شيئًا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: التوراة والإنجيل محرفان.
الوجه الثاني: لا يجوز احتجاجكم بالقرآن.
الوجه الثالث: تفسير الآيات، ومن خلالها الرد على هذه الشبهة.
يقول تعالى ذكره: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين تعالوا إلى رسول الله يستغفر لكم لووا رءوسهم، يقول حرّكوها وهزّوها استهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم وباستغفاره، ورأيتهم يُعْرضون
عما دُعوا إليه بوجوههم {وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} يقول وهم مستكبرون عن المصير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم، وإنما عُنِي بهذه الآيات كلها فيما ذُكر، عبدُ الله بن أُبيّ ابن سَلُول، وذلك أنه قال لأصحابه:{لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} ، وقال:{لئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} فسمع بذلك زيد بن أرقم، فأخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عما أخبر به عنه، فحلف أنه ما قاله، وقيل له: لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته أن يستغفر لك، فجعل يلوي رأسه ويحرّكه استهزاء، ويعني ذلك أنه غير فاعل ما أشاروا به عليه، فأنزل الله عز وجل فيه هذه السورة من أوّلها إلى آخرها (1).
وعن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله رضي الله عنه قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُل مِنْ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأنصَارِ! وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! " فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا بَالُ دَعْوَى الجاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ الله: كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنصَارِ؛ فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَة، فسمِعَهَا عَبْدُ الله بْنُ أُبَيٍّ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا! وَالله لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المُدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. قَالَ عُمَرُ: دَعْنِي أَضْرِب عُنُقَ هَذَا المنافق، فَقَالَ: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ."(2).
وعن زيد بن أرقم صلى الله عليه وسلم قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقال عبد الله بن أُبيّ ابن سلول: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى المُدِينَةِ ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، قال: فحلف عبد الله بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك، قال: فلامني قومي وقالوا: ما أردت إلى هذا؟ ، فانطلقمت فنمت كئيبًا حزينًا، قال: فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إنَّ الله تبارك وتعالى قَدْ عَذَرَكَ وصَدَّقَكَ" قال: فنزلت الآية {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} حتى بلغ {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} . (3)
(1) تفسير الطبري (14/ 108)، وابن كثير (4/ 487).
(2)
أخرجه البخاري (4907)، ومسلم (2584).
(3)
أخرجه البخاري (4901).
فبعد كل هذا بعد سبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبهم عليه، وإعراض عبد الله بن أبي بن سلول عن استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:{سَوَاءٌ} يا محمّد على هؤلاء المنافقين الذين قيل لهم تعالوا يستغفر لكم ر سول الله {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أ} ذنوبهم {أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} يقول: لن يصفح الله لهم عن ذنوبهم، بل يعاقبهم عليها {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يقول: إن الله لا يوفِّق للإيمان القوم الكاذبين عليه، الكافرين به الخارجين عن طاعته. (1).
وقال تعالى: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} (التوبة: 85).
يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء المنافقين ليسوا أهلًا للاستغفار، وأنه لو استغفر لهم، ولو سبعين مرة فإن الله لا يغفر لهم، وقد قيل: إن السبعين إنما ذكرت حسمًا لمادة الاستغفار لهم، لأن العرب في أساليب كلامها تذكر السبعين في مبالغة كلامها، ولا تريد التحديد بها، ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها، وقيل: بل لها مفهوم، كما روى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية: "أسمع ربي قد رخص لي فيهم، فو الله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة، لعل الله أن يغفر لهم! فقال الله من شدة غضبه عليهم:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} . (2)
ثم تتابع الآيات في ذكر نفاقهم وإبطانهم الكفر والكره للمسلمين، فقال تعالى:{هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ} يعني المنافقين الذين يقولون لأصحابهم {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} من أصحابه المهاجرين {حَتَّى يَنْفَضُّوا} ويقول: حتى يتفرّقوا عنه، لله جميع ما في السموات والأرض من شيء وبيده مفاتيح خزائن ذلك، لا يقدر أحد أن يعطي أحدًا
(1) تفسير الطبري (14/ 111: 110).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 511)، والطبري (6/ 198).