الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - شبهة: النهي عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم
-.
نص الشبهة:
أمر الله عز وجل الصحابة بعدم دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ. . .} [الأحزاب: 53] والآية تدل على ما يلي:
1 -
تصرفات زوجاته مع الرجال.
2 -
النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يهتم بزوجاته.
3 -
الصحابة كانوا يستغيبون النبي صلى الله عليه وسلم ويدخلون بيوت نسائه.
4 -
أن الوحي يشتغل بمثل هذه الأمور، وهل هذا كان في اللوح المحفوظ؟
والرد من ذلك وجوه:
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآية
.
الوجه الثاني:
1 -
سبب نزول آية الحجاب (السبب الصحيح).
2 -
سبب نزول: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} وأن السبب المذكور باطل سندًا ومتنًا.
الوجه الثالث: الرد على دعواهم كما في نص الشبهة.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآية.
يقول تعالى ذكره لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تدخلوا بيوت نبي الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن تدعوا إلى طعام تطعمونه {غَيْرَ نَاظِرِينَ} يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، ولكن إذا دعاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فادخلوا البيت الذي أذن لكم بدخوله، فإذا أكلتم
الطعام الذي دعيتم لأكله فانتشروا، يعني: فتفرقوا واخرجوا من منزله، ولا متحدثين بعد فراغكم من أكل الطعام إيناسًا من بعضكم لبعض به؛ لأن دخولكم بيوت النبي من غير أن يؤذن لكم وجلوسكم فيها مستأنسين للحديث بعد فراغكم من أكل الطعام الذي دعيتم له - كان يؤذي النبي فيستحي منكم أن يخرجكم منها إذا قعدتم فيها للحديث بعد الفراغ من الطعام، أو يمنعكم من الدخول إذا دخلتم بغير إذن مع كراهيته لذلك منكم {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أن يبيّن لكم وإن استحيا نبيكم فلم يبين لكم كراهية ذلك حياءً منكم، وإذا سألتم أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسن لكم بأزواج متاعًا {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} يقول: من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} يقول: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول الله، وما يصلح ذلك لكم، وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا، فإن أذاكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونكاحكم أزواجه من بعده عند الله عظيم من الإثم (1).
قال ابن كثير: هذه آية الحجاب، وفيها أحكام وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما ثبت ذلك في الصحيحين عنه أنه قال: وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فأنزل الله:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]. وقلت: يا رسول الله، إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو حجبتهن؟ فأنزل الله آية الحجاب. وقلت لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: لما تمالئن عليه في الغيرة: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فنزلت كذلك (2).
فقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} حَظَر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام، حتى غار الله
(1) الطبري (22/ 34 - 40).
(2)
أخرجه البخاري (402)، مسلم (2399).
لهذه الأمة فأمرهم بذلك، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة؛ ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إياكم والدخول على النساء"(1).
ثم قال تعالى: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} ، وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم أخاه فَلْيجب، عُرسًا كان أو غيره"(2)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لو دُعيت إلى ذراع لأجبت، ولو أهدي إليَّ كُرَاع لقبلت، فإذا فَرَغتم من الذي دُعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل، وانتشروا في الأرض"(3).
والمراد أن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به، لكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه عليه السلام حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك؛ ولهذا قال:{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} أي: ولهذا نهاكم عن ذلك وزجرَكم عنه.
ثم قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: وكما نهيتكم عن الدخول عليهن، كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن، ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب.
وقوله: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي: هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب (4).
وقال الرازي: إن حال الأمة مع النبي على وجهين أحدهما: في حال الخلوة والواجب هناك عدم إزعاجه وبيّن ذلك بقوله: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} وثانيهما: في الملأ والواجب هناك إظهار التعظيم كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، ولما بيّن الله من حال النبي أنه داع إلى الله بقوله:{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ} قال ههنا: لا تدخلوا إلا إذا دعيتم يعني كما أنكم ما دخلتم الدين إلا بدعائه.
(1) أخرجه البخاري (5232)، مسلم (2172).
(2)
أخرجه مسلم (1429).
(3)
أخرجه البخاري (2568).
(4)
تفسير ابن كثير (3/ 683).