الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)}، فهل المطلوب من القرآن الكريم أن يذكر كل شيء عن حياة الشخص الذي يتحدث عنه؟ !
ربما لم يذكر القرآن سبب انتباذها لأنه لن يفيد شيئًا في سياق القصة، أو للاختصار، أو لأي سبب نحو ذلك، والبحث في ذلك ليس ورائه كبيرُ نفعٍ، أو تعلق الذكر بما نتج عن هذا الانتباذ، ومولد نبي الله عيسى عليه السلام.
الوجه الثاني: ذكر الآراء في سبب الانتباذ
.
قد ذكر المفسرون أسبابًا عدة لانتباذ مريم عليها السلام، أسوق بعضها مع عدم الجزم بصحة واحد منها؛ إذ لم يرد فيها نص صحيح عن نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم، وأيضًا هذا مما لم نُكلف بالبحث عنه.
السبب الأول: أنها طلبت الخلوة لئلا تشتغل عن العبادة (1).
السبب الثاني: لحيض أصابها (2).
السبب الثالث: لتفلي رأسها (3).
وغيرها من الأقوال التي ليس عليها دليل صحيح يشجعنا لأن نجزم به دون غيره، وإنما نقول في مثل هذا: الله أعلم.
الوجه الثالث: انتباذ مريم كما في الكتاب المقدس
.
وليس معنى انتباذ مريم أنها خرجت من بينهم بعد مشاجرة مع قومها، أو خصام معهم، وانظر إلى ما ورد في الإنجيل في معنى الانتباذ:"وَفِي ذلِكَ الْوَقْتِ وُلِدَ مُوسَى وَكَانَ جَمِيلًا جدًّا، فَرُبِّيَ هذَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي بَيْتِ أَبِيهِ. 21 وَلمَّا نُبِذَ، اتَّخَذَتْهُ ابْنَةُ فِرْعَوْنَ وَرَبَّتْهُ لِنَفْسِهَا ابْنًا."(أعمال الرسل 7/ 21: 20).
قوله: "ولما نبذ" لا يدل على أن أهله كرهوه، وإنما يدلس على أنهم وضعوه في التابوت، وهم لوضعه كارهون. ومن ينتبذ عن قوم، لا يدل انتباذه عنهم على كرهه لهم، وإنما يدل
(1) التفسير الكبير للرازي (21/ 196)، والمحرر الوجيز لابن عطية (4/ 9).
(2)
تفسير ابن كثير (9/ 225)، وزاد المسير لابن الجوزي (5/ 216).
(3)
زاد المسير لابن الجوزي (5/ 216).
على ابتعاده عنهم لسبب أو لأسباب أو لطلب العزلة فقط، وإذا صح وثبت أن ابتعادها كان لعبادة الله؟ يثبت أنها لم تنبذ لمشاجرة (1).
أمّا قوله: أن القرآن ذكر أنها كانت في أورشليم، مع أن الإنجيل ذكر أنها سكنت الناصرة فالجواب:
1 -
جاء في إنجيل يعقوب: أن مريم وهي في سن الثالثة: ذهبت بها أمها بصحبة أبيها إلى "أورشليم" وسلماها إلى كهنة هيكل سليمان، وكانت علامات السرور تبدو عليها. ثم تركاها ورجعا إلى أورشليم، وعاشت مع الراهبات المنذورات إلى أن حبلت.
2 -
وإن أنت نظرت في خريطة فلسطين. تجد (حبرون) أسفل (أورشليم) وقريبة منها، وتجد الناصرة على نفس الخط وبعيدة عن (أورشليم). فتكون أورشليم غرب الناصرة، وشرق (حبرون).
3 -
وقد تبيّن أن "الناصرة" من نصيب سبط (زبولون) - وهو من أسباط (السامريين) - وهي من سبط (يهوذا) - على حدّ زعمه! - فكيف تكون من سكان الناصرة؟ !
وإذا كانت من سكان (الناصرة) فلماذا أتت إلى أورشليم لتعدّ مع سكانها، وسكان أورشليم من سبطى (يهوذا)(وبنيامين)؟ ! فالحق ما قاله القرآن أنها كانت (هارونية). ومعلوم أن زكريا وامرأته ويوحنا المعمدان كانوا من التابعين لأهل (أورشليم)(2).
* * *
(1) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين (صـ 475).
(2)
المصدر السابق (صـ 474).