الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الواقعة
شبهة: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين
.
نص الشبهة:
هناك اختلاف بين قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} وبين قوله: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} .
والرد من وجوه:
الوجه الأول: تفسير الآيات
.
الوجه الثاني: إبطال هذه الشبهة، وإثبات أنهم أخطأوا في فهمها.
الوجهالثالث: إثبات الفضل والأفضلية للأولين على الآخرين.
الوجه الرابع: التناقض في الكتاب المقدس.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: تفسير الآيات.
أولًا: قوله تعالى في الحديث عن السابقين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} :
1 -
ثلة: أي جماعة.
2 -
وقوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13)} وهم جماعة كثيرة من الذين سبقوا لرسوخ إيمانهم وظهور أثره في أعمالهم من العمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر على الجهاد في سبيله، إلى غير ذلك من المناقب التي كانت ملكات لهم، سواء كان ثلة من الأولين السابقين المقصود بهم أنهم من الأمم السابقة أو من القرون الأولى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
3 -
وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} : أ- فإذا كان ثلة من الأولين السابقين المقصود بهم أنهم من الأمم السابقة كان قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} أي: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا رواية عن مجاهد والحسن البصري رواها عنهما ابن أبي حاتم، وهو اختيار ابن جرير (1).
(1) تفسير القرآن العظيم (4/ 363).
قال الشوكني: والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وسلم {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} أي: من هذه الأمة وسموا قليلًا بالنسبة إلى من كان قبلهم وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا، قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ثم قال: ثلث أهل الجنة ثم قال: "نصف أهل الجنة" لأن قوله: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (14)} إنما هو تفضيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة، والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال: هذه الثلة أكثر من هذه الثلة كما يقال: هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة، وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة، وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة (1).
وإطلاق قوله: {الْآخِرِينَ} على أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم آخر الأمم (2).
قال الآلوسي: وحاصل ذلك غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية؛ وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك، لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى:{ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} (الواقعة: 39 - 45) فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون، وقد عبر عن كل بالثلة أي: الجماعة الكثيرة، لأنا نقول لأدلة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة؛ وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم، والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء، وحينئذ لا
(1) فتح القدير (5/ 211).
(2)
جامع البيان في تأويل القرآن (11/ 626).
يبعد أن يقال: إن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم في على سابقي هذه الأمة بأس إذ أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام (1).
ب- وإذا كان ثلة من الأولين السابقين المقصود بهم أنهم من القرون الأولى لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كان قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي: من القرون المتأخرة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أيضًا، فالذين جاءوا في الأزمنة التي حدثت فيها الغير، وتبرجت الدنيا لخطابها، ونسي معها سر البعثة، وحكمة الدعوة فما أقل الماشين على قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لا جرم أنهم وقتئذ الغرباء لقلتهم (2).
ورجح ابن كثير هذا القول ودلل على ذلك بقوله: لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن؛ فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم (3).
والدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها إظهارها والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة (4) "(5).
ثانيًا: قوله تعالى في الحديث عن أصحاب اليمين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (40)} (الواقعة 39 - 40) أي: جماعة وأمة من المتقدمين في الإيمان سواء من الأمم السابقة أو من القرن الأول من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وممن جاء بعدهم من التابعين بإحسان، والكثرة ظاهرة لوفرة أصحاب اليمين في أواخرهم دون السابقين كما بينا أولًا (6).
(1) روح المعاني (20/ 207).
(2)
تفسير القاسمي (16/ 7، 8)، وقيل في ذلك أقوال كثيرة هذا أرجحهما إن شاء الله، وانظر ابن كثير (4/ 371)، والقرطبي (17/ 193).
(3)
تفسير القرآن العظيم (4/ 363).
(4)
أخرجه مسلم (1920، 1925).
(5)
تفسير ابن كثير (4/ 373).
(6)
تفسير القاسمي (16/ 12).