الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
45]، وقد ذكر الله عز وجل حال أهل الجنة - المتقين - ليظهر التباين، والضمير في قوله {مَوْعِدَهُمُ} عائد على قوله {اتَّبَعَكَ} . (1)
الوجه الثاني: بيان معاني الورود
.
الورود لغة: قال ابن سيده: وورد الماء وغيره وردًا وورودًا وورد عليه: أشرف عليه دخله أو لم يدخله، وكل من أتى مكانًا منهلًا أو غيره فقد ورده، وفي اللغة: ورد بلد كذا وماء كذا، إذا أشرف عليه، دخله أو لم يدخله، قال: فالورود: بالإجماع ليس بالدخول (2).
الورود شرعًا: المعنى الأول: الورود هو الدخول، ولكن عنى به الكفار دون المؤمنين:
قال القرطبي: وقالت فرقة: المراد بـ {مِنْكُمْ} : الكفرة، والمعنى: قل لهم يا محمد، وهذا التأويل أيضًا سهل التناول، والكاف في {مِنْكُمْ} راجعة إلى الهاء في {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} ، فلا ينكر رجوع الكاف إلى الهاء، فقد عرف ذلك في قوله عز وجل {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)} [الإنسان: 21، 22] معناه: كان لهم، فرجعت الكاف إلى الهاء (3).
وقد خرج الطبري بإسناده إلى ابن عباس كان يقرؤه {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} فقد يعني الكفار، قال: لا يردها مؤمن. (4)
وأسنده أيضًا إلى عكرمة كان يقول: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} يعني: الكفار. (5)
ورد على هذا القول بأن الله قال بعدها: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} فدل ذلك على أن الورود ليس خاصًا بالكفار.
(1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (8/ 259)، انظر الجامع لأحكام القرآن (10/ 35).
(2)
لسان العرب (6/ 4810 - 4811)، تهذيب اللغة (14/ 163).
(3)
الجامع لأحكام القرآن (11/ 144)، زاد المسير (5/ 254: 255).
(4)
جامع البيان (19/ 110)، وهو ضعيف لأجل الانقطاع بين عبد الله بن السائب وابن عباس.
(5)
جامع البيان (19/ 111) وهو صحيح عن عكرمة.
استدلوا بقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، قالوا: فلا يدخل النار من ضمن الله أن يبعده عنها.
والجواب عليه: قالوا: إن معنى: {أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} أي: أنهم مبعدون عن العذاب فيها، والاحتراق بها، فمن دخلها وهو لا يشعر بها، ولا يحس منها وجعا، ولا ألمًا فهو مبعد عنها. (1)
المعنى الثاني: الورود بمعنى المرور- يعني على الصراط -، والدليل:
1.
ما رواه الطبري بإسناده عن عبد الله بن مسعود في قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف فتمر الطبقة الأولى كالبرق، والثانية كالريح والثالثة كأجود الخيل، والرابعة كأجود البهائم، ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم. (2)
2.
ما رواه الطبري بإسناده عن قتادة من طريقين:
الأول: قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} يعني: جهنم، مرّ الناس عليها.
الثاني: في قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال: هو المرّ عليها. (3)
المعنى الثالث: المراد بالورود: هو عالم لكل مؤمن وكافر، غير أن ورود المؤمن المرور، وورود الكافر الدخول.
الدليل: قال ابن زيد في قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} : ورود المسلمين المرور على الجسر
(1) فتح البيان (8/ 187).
(2)
جامع البيان (19/ 110) إسناده صحيح.
(3)
جامع البيان (16/ 110) إسناده صحيح، سعيد بن أبي عروبة: ثقة حافظ كثير التدليس اختلط بآخره من أثبت الناس في قتادة (التقريب 1/ 210) قلت أما عن تدليسه، فقد ذكره ابن حجر في طبقات المدلسين في الطبقة الثانية، وهذه الطبقة أخرج لهم في الصحيحين، لإمامتهم، وقلة تدليسهم في جنب ما رووا، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة، أضف إلى ذلك أن سعيدًا من أثبت الناس في حديث قتادة، فلا يضر العنعنة هنا، ويزيد بن زريع: ثقة ثبت (التقريب 2/ 671) وهو ممن روى عن سعيد قبل الاختلاط، بل هو من أثبت الناس في سعيد - نهاية الاغتباط (139 - 147)، وبشر بن معاذ صدوق - التقريب (1/ 71).
بين ظهريها، وورود المشركين أن يدخلوها، قال: وقال النبي- صلى الله عليه وسلم: "الزالون والزالات يومئذ كثير، وقد أحاط الجسر سماطان من الملائكة دعواهم يومئذ يا الله سلم سلم". (1)
المعنى الرابع: الورود بمعنى ما يصاب به المؤمن في الدنيا من حمّى ومرض:
والدليل على ذلك: 1. حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجل من أصحابه وبه وعك وأنا معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقول هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة" (2).
(1) الطبري (8/ 364) وإسناده صحيح، أما الحديث ففي شعب الإيمان (1/ 331)، وضعفه البيهقي من حديث أنس.
(2)
صحيح. أخرجه أحمد (2/ 440)، والترمذي (2088)، والحاكم (1/ 345)، وابن أبي شيبة (3/ 117)، وابن ماجه (3470) كلهم من طريق أبي أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن إسماعيل بن عبيد الله، عن أبي صالح الشعري عن أبي هريرة. . . . الحديث، أبو صالح الأشعري: قال أبو زرعه لا يعرف اسمه، وقال أبو حاتم لا بأس به (تهذيب الكمال 33/ 413: 414)، وقال ابن حجر: مقبول (التقريب 2/ 732)، والحديث صححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2794) ولفظ الترمذي:"هي ناري أسلطها على عبدي المذنب لتكون حظه من النار".
1.
عند أحمد (5/ 252، 264)، والطبراني في الكبير (7468)، والبيهقي في الشعب (9843) كلهم من طريق محمد بن مطرف، عن أبي إمامة مرفوعًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمى كي من جهنم فما أصاب المؤمن كان حظه من النار". وفيه: أبو الحصين مروان بن رؤية التغلبي: قال ابن حجر: مقبول (التقريب 2/ 577).
2.
وعند العقيلي في الضعفاء (1502) من حديث الفضل بن حماد الواسطي ثنا عبد الله بن عمران القرشي ثنا مالك بن دينار عن معبد الجهني عن عثمان مرفوعًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمى حظ كل مؤمن من النار" ميزان الاعتدال (4/ 141، 3/ 426)، وفيه فضل بن حماد الواسطي وهو مجهول.
3.
وعند الشهاب مسنده (62)، وفيه صالح بن أحمد الهروي، قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر: ذكره الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على مسند الشهاب (1/ 71)، وفيه أحمد بن رشد الهلالي، قال الذهبي أتي غير باطل عن بني العباس ميزان الاعتدال (1/ 97)، وذكره ابن حبان في الثقات، وأما ابن طاهر فأعله بالحسن بن صالح لكن الحسن ثقة واحتج به مسلم وغيره، وقال الألباني: ضعيف جدًّا (السلسلة الضعيفة 3532) وله كلام نفيس في السلسلة الضعيفة رقم (6143).
4.
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد (3/ 322): أخبرنا الفضل بن دكين، قال: أخبرنا إسماعيل بن مسلم العبدي، قال: أخبرنا أبو المتوكل: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ذكر الحمى فقال "من كانت به حمى فهي حظه من النار"
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال: فسألها سعد فلزمته ولم تفارقه حتى فارق الدنيا. وفيه أبو المتوكل، هو علي بن داود أبو المتوكل الناجي البصري مشهور بكنيته ثقة من الثالثة، قاله ابن حجر في التقريب (1/ 413)، وهو مرسل.
5.
وفي الطبراني في المعجم الأوسط رقم (7540)، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم العسال، نا سليمان بن داود الشاذكوتي، نا عبيس بن ميمون، حدثني قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمى حظ المؤمن من النار"، وقال لم يرو هذا الحديث عن قتادة، إلا عبيس بن ميمون تفرد به الشاذكوني، سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك، قاله أبو حاتم، وقال النسائي: ليس بثقة، وكذبه ابن معين، وقال البخاري: فيه نظر. انظر ميزان الاعتدال (2/ 205)، عيسى بن ميمون، قال أحمد والبخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين وأبو داود: ضعيف، وقال الفلاس: متروك، والنسائي: ليس بثقة (ميزان الاعتدال 3/ 27).
6.
وفي البخاري في التاريخ الكبير (7/ 63)، والبيهقي في شعب الإيمان (9846)، والطحاوي في مشكل الآثار (3/ 68)، عن أبي ريحانه مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحمى من فيح جهنم وهي نصيب المؤمن من النار". وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف.
7.
وفي كشف الأستار (765) من طريق عثمان بن مخلد، عن هشيم عن المغيره عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الحمى حظ كل مؤمن من النار" وقال عقبه: لا نعلم أسنده عن هشيم إلا عثمان، وعثمان بن مخلد لم يذكر له ابن أبي حاتم جرحًا ولا تعديلًا (6/ 170)، وفيه هشيم، وهو مدلس، وقد عنعن في السند، قال الدارقطني في علله: عثمان بن مخلد الواسطي، لا بأس به، لكنه خولف في رفع هذا الحديث، فأخرجه مندل بن علي عن هشيم به موقوفًا، وهو المحفوظ. نقلًا من تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للذيلعي (2/ 335).
8.
جامع البيان (16/ 111)، وفيه يحيى بن يمان، قال أحمد: ليس بحجة، وقال يحيى بن معين: ليس بثبت، وقال مرة: أرجو أن يكون صدوقا، وقال مرة: ليس به بأس، ابن المديني قال: صدوق، وكان فلج فتغير حفظه، قال النسائي: ليس بالقوي - تهذيب الكمال (32/ 55: 59)، والحديث كما في الطبري بإسناده، عن مجاهد قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} .
وبالجملة فقد صحح الشيخ الألباني حديث الحمى هذا نظرًا للشواهد، كما في السلسلة الصحيحة (1821: 1822).
أما ابن حجر رحمه الله قال (في الكافي الشافي في تخريج أحاديث الكشاف - بذيل تفسير الكشاف 3/ 35): وكلها ضعيفة وهي بمعناه لا بلفظه.
وفي أضواء البيان (4/ 380): وعلى فرض صحة الحديث؛ الجواب على هذا الاستدلال قالوا: لا دليل فيه لمحل النزاع، لأن السياق صريح في أن الكلام في النار في الآخرة وليس في حرارة منها في الدنيا، لأن أول الكلام قوله تعالى {لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا} إلى قوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} [مريم: 68 - 71]، فدل على أن كل ذلك في الآخرة، لا في الدنيا كما ترى.
المعنى الخامس المراد بالورود: الإشراف عليها، والقرب منها، والاطلاع عليها.
الدليل: 1 - احتجوا بقول الله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23)} [القصص: 23]، قالوا: فهذا ورود مقاربة، وإشراف عليه.
2 -
قوله تعالى {وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)} [يوسف: 19].
3 -
من كلام العرب قول زهير بن أبي سلمى في معلقته:
فلما وردن الماء زرقا جمامة
…
وضعنا عصا الحاضر المتخيم
والعرب تقول: وردت القافلة البلد وإن لم تدخله ولكن قربت منه. (1)
المعنى السادس: الورود هو الدخول للمؤمنين والكافرين:
1.
والدليل على ذلك: عَنْ أَبِى سُمَيَّةَ، قَالَ: اخْتَلَفْنَا هَا هُنَا في الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقَالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعا، ثُمَّ يُنَجِّى الله الَّذِينَ اتَّقَوْا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا هَا هُنَا في الوُرُودِ، فَقَالَ: يَرِدُونَهَا جَمِيعًا. وَقَالَ سُلَيْمَانُ مَرَّةً يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّا اخْتَلَفْنَا في ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وَقَالَ بَعْضُنَا: يَدْخُلُونَهَا جَمِيعًا، فَأَهْوَى بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ: صُمَّتَا إِنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ - أَوْ قَالَ إِنَّ لِجَهَنَّمَ - ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ، ثُمَّ يُنَجِّى الله الَّذِينَ اتَّقَوْا وَيَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"(2)
(1) أضواء البيان (4/ 377)، البحر المحيط (6/ 197)، فتح البيان (8/ 187).
(2)
ضعيف. أخرجه أحمد (3/ 329) من حديث أبي سمية، قال الذهبي: مجهول (الميزان 4/ 534)، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول، وأخرجه الحاكم (4/ 587) من حديث مسه الأزدية، عن عبد الرحمن بن شيبة، عن جابر (تحريف في المطبوع إلى منيه وسقط جابر (انظر الاتحاف (3/ 229)، قال الدارقطني: لا يحتج بها (ميزان الاعتدال 4/ 610)، قال ابن حجر: مقبولة (التقريب 2/ 876) والحديث ضعيف، قال ابن كثير: غريب ولم يخرجوه (التفسير 9/ 279).
2.
ما رواه الطبري، في تفسيره، بإسناده إلى ابن عيينة، عن عمرو، قال: أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق، فقال ابن عباس: الورود: الدخول، وقال نافع: لا، فقرأ ابن عباس:{إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98)} أورودُ هو أم لا؟ وقال {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} أورود هو أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر هل نخرج منها أم لا؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك، قال: فضحك نافع. (1)
3.
ما رواه الطبري في تفسيره، بإسناده إلى عطاء بن أبي رباح، قال: قال أبو راشد الحروري: ذكروا هذا فقال الحروري: {لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا} ، قال ابن عباس: ويلك أمجنون أنت؟ أين قوله تعالى {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} ، وقوله:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} والله إن كان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالمًا، وأدخلني الجنة غانمًا (2).
4.
ما رواه الطبري في تفسيره، بإسناده إلى ابن عباس في قوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} قال: يعني البرّ والفاجر، ألم تسمع إلى قول الله تعالى لفرعون:{يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98)} ، وَقَالَ {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} فسمى الورود في النار دخولا وليس بصادر (3).
(1) جامع البيان (19/ 108، 109) وهو ضعيف فيه رجل مبهم.
(2)
جامع البيان (19/ 109) وفيه: الحسين بن داود المصيصي - (سنيد) صاحب تفسير - وهاه النسائي (ميزان الاعتدال 1/ 534)، وضعفه ابن حجر في التقريب (1/ 232)، وقال أبو حاتم: صدوق (الجرح والتعديل 4/ 326)، وقال النسائي: ليس بثقة (تهذيب الكمال 12/ 164).
(3)
جامع البيان (16/ 109)، وفي إسناده: محمد بن سعد - شيخ الطبري - وهو محمد بن سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي قال الخطيب: كان لينا في الحديث، وروى الحاكم عن الدارقطني أنه قال: لا بأس به (ميزان الاعتدال 3/ 560)، الأنساب (4/ 258).
5.
قال خالد بن معدان: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار؟ قال: قد مررتم عليها وهي خامدة.
قال ابن عرفة، قال مروان بن معاوية، قال بكار بن أبي مروان، أو قال: جامدة. (1)
6.
إن في نفس الآية قرينة دالة على تفسير الآية، وهي أنه تعالى لما خاطب جميع الناس بأنهم سيردون النار، برهم وفاجرهم، بقوله:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)} بين مصيرهم ومآلهم بعد ذلك الورود المذكور بقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا} أي: نترك الظالمين فيها - دليل على أن ورودهم لها دخولهم فيها - إذ لو لم يدخلوها لم يقل: {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا} ، بل يقول: ونُدخل الظالمين، وهذا واضح كما ترى وكذلك قوله:{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} دليل على أنهم وقعوا فيما من شأنه أنه هلكة، ولذا عطف على قوله:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} . (2)
ونعقب هذا القول بالآتي:
1.
بأن الأحاديث والآثار السابقة مختلف في صحتها، فلا يستدل بها.
2.
قال ابن عاشور: فليس الخطاب في قوله {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} لجميع النّاس مؤمنهم وكافِرِهم على معنى ابتداء كلام، بحيث يقتضي أن المؤمنين يردون النّار مع الكافرين، ثم يَنْجَون من عذابها، لأنّ هذا معنى ثقيل ينبو عنه السياق، إذ لا مناسبة بينه وبين سياق الآيات السابقة، ولأنّ فضل الله على المؤمنين بالجنّة، وتشريفهم بالمنازل الرفيعة ينافي أن يسوقهم مع المشركين مَساقًا واحدًا، كيف وقد صدّر الكلام بقوله {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم: 68]، وقال تعالى {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)} [مريم: 85، 86]، وهو صريح في اختلاف حشر الفريقين.
(1) جامع البيان (16/ 109)، وهو ضعيف: وفيه بكار بن أبي مروان لم أقف على ترجمته فيمن روى عن خالد بن معدان، ولا من شيوخ مروان بن معاوية. ومروان ثقة حافظ، كان يدلس في أسماء الشيوخ، قاله ابن حجر في التقريب (2/ 577).
(2)
أضواء البيان (4/ 378).
فموقع هذه الآية هنا كموقع قوله تعالى {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 43] عقب قوله {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]، فلا يتوهم أن جهنّم موعد عباد الله المخلصين مع تقدّم ذكره، لأنّه ينبو عنه مقام الثناء.
وقال أيضًا: وجملة {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} زيادة في الارتقاء بالوعيد بأنّهم خالدون في العذاب، فليس ورودهم النّار بموقّت بأجل.
و(ثمّ) للترتيب الرتبي تنويهًا بإنجاء الذين اتّقوا وتشويهًا بحال الذين يبقون في جهنم جُثيًّا. فالمعنى: وعلاوة على ذلك؛ ننجي الذين اتّقوا من ورود جهنم. وليس المعنى: ثمّ ينجي المتقين من بينهم، بل المعنى أنهم نَجَوْا من الورود إلى النّار. وذكر إنجاء المتقين - أي المؤمنين - إدماج ببشارة المؤمنين في أثناء وعيد المشركين. وجملة {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا} عطف على جملة {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ، والظالمون: المشركون (1).
قلت: ومن قال بأن دخول النار يكون للناس جميعًا يقولون: بأن المؤمنين يدخلون النار من غير خوف وضرر البتة بل مع الغبطة والسرور وذلك لأن الله تعالى أخبر عنهم أنهم {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء: 103]، ولأن الآخرة دار الجزاء لا دار التكليف، وإيصال الغم والحزن إنما يجوز في دار التكليف، إلى أن قال: وكيف يدفع عنهم الضرر في النار.
وقال بعضهم: البقعة المسماة بجهنم لا يمتنع أن يكون في خلالها ما لا نار فيه، ويكون من المواضع التي يسلك فيها إلى دركات جهنم، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يدخل الكل في جهنم فالمؤمنون يكونون في تلك المواضع الخالية عن النار، والكفار يكونون في وسط النار. وثانيها: أن الله تعالى يخمد النار فيعبرها المؤمنون وتنهار بغيرهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما:"يردونها كأنها إهالة" وعن جابر بن عبد الله: "أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال بعضهم لبعض أليس وعدنا ربنا بأن نرد النار فيقال لهم: قد وردتموها وهي
(1) التحرير والتنوير (16/ 150).
خامدة"، وثالثها: أن حرارة النار ليست بطبعها فالأجزاء الملاصقة لأبدان الكفار يجعلها الله عليهم محرقة مؤذية والأجزاء الملاصقة لأبدان المؤمنين يجعلها الله بردًا وسلامًا عليهم). (1)
قلت: وهذا على صحة الأدلة التي ذكروها ولكن فيها كلام تقدم ذكره.
المعني السابع: الورود بمعنى يراها الجميع ثم يصدر عنها المؤمنون بأعمالهم.
والدليل على ذلك:
1 -
حديث ابن مسعود: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يرد الناس النار كلهم، ثم يصدرون منها بأعمالهم". (2)
(1) تفسير الفخر الرازي (21/ 243: 244) بتصرف، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (11/ 145) وإليه ذهب القرطبي.
(2)
الحديث أخرجه الترمذي (3160)، والطبري في التفسير (19/ 111) من حديث يحيى بن سعيد، وأخرجه أحمد (1/ 433)، الترمذي (5/ 317) من حديث عبد الرحمن بن مهدي، كلاهما - يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي - عن شعبة عن السدي عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قال: يردونها، ثم يصدرون منها بأعمالهم).
ومن طريق يحيى، وطريق عبد الرحمن بن مهدي قال:(يدخلونها، أو يلجونها، ثم يصدرون منها بأعمالهم) موقوفًا. أخرجه أحمد (1/ 435) من حديث عبد الرحمن بن مهدي، وأخرجه الحاكم (2/ 375)، والترمذي (3159)، والدارمي (2810) من حديث عبيد الله بن موسى كلاهما - عبد الرحمن بن مهدي وعبيد الله بن موسى - عن إسرائيل، عن السدي، قال: سألت مُرَّة الهمداني عن قول الله عز وجل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم، قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِنْهَا بِأَعْمَالهِمْ فَأَوَّلُهُمْ كَلَمْحِ الْبَرْقِ ثُمَّ كَالرِّيحِ ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ ثُمَّ كَمَشْيِهِ" هذا حديث عبيد الله بن موسى مرفوعًا. قلت: فالحديث جاء مرفوعًا من حديث إسرائيل، وموقوفًا من حديث شعبة، وقد أخرجه عبد الرحمن بن مهدي على الوجهين، وقال لشعبة: إن إسرائيل رفعه، قال شعبة: وقد سمعته من السدي مرفوعًا، ولكني عمدًا أدعه - جامع الترمذي (5/ 317)، وقال الترمذي عن المرفوع هذا حديث حسن. قلت: لأن مدار الحديث على السدي - وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة - وهو صدوق يهم كما قال الحافظ بن حجر في التقريب (1/ 52).
2 -
ما رواه الطبري بإسناده عن مجاهد قال: (كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل يُقال له أبو راشد، وهو نافع بن الأزرق، فقال له: يا ابن عباس أرأيت قول الله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} قال: أما أنا وأنت يا أبا راشد فسنردها فانظر هل نصدر عنها أم لا. (1)
قلت: وأولى هذه الأقوال: أن الورود هو المرور على الصراط، والصراط على متن جهنم، فينجي الله الناس من على الصراط بأعمالهم، والأدلة على ذلك:
1 -
حديث أبي هريرة مرفوعًا في الصحيحين في حديث الرؤية والشفاعة وفيه "وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ فَأَكُونُ، أنا وَأُمَّتِي أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُهَا، وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. . .". (2)
2 -
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا وفيه "ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، قُلْنَا يَا رَسُولَ الله وَمَا الْجَسْرُ؟ قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ، عَلَيْهِ خطا طيف، وَكَلَالِيبُ، وَحَسَكَةٌ مُفَلْطَحَةٌ لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ تَكُونُ بِنَجْدٍ يُقَالُ لَهَا السَّعْدَانُ، الْمُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، فَنَاجٍ مسلم، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا. . ."(3).
3 -
حديث أبي هريرة، وحذيفة معًا في حديث استفتاح باب الجنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:"وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ فَتَقُومَانِ جَنبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالًا، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلَّا زَحْفًا! قَالَ: وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلَالِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ. . ."(4).
(1) جامع البيان (9/ 111)، وإسناده ضعيف فيه عنعنة عبد الملك بن جريج، وهو مدلس
(2)
أخرجه البخاري (7437)، مسلم (182).
(3)
أخرجه البخاري (7439)، مسلم (183).
(4)
أخرجه مسلم (195).
4 -
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، رواه مسلم في صحيحه، من حديث أَبي الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يُسْأَلُ عَنْ الْوُرُودِ فَقَالَ: نَجِيءُ نَحْنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ كَذَا وَكَذَا، انْظُرْ أَيْ ذَلِكَ فَوْقَ النَّاسِ قَالَ: فَتُدْعَى الْأُمَمُ بِأَوْثَانِهَا وَمَا كَانَتْ تَعْبُدُ، الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ، ثُمَّ يَأْتِينَا رَبُّنَا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: مَنْ تَنْظُرُونَ؟ فَيَقُولُونَ نَنْظُرُ رَبَّنَا، فَيَقُولُ أنا رَبُّكُمْ، فَيَقُولُونَ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْكَ، فَيَتَجَلَّى لَهُمْ يَضْحَكُ، قَالَ: فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيُعْطَى كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مُنَافِقٍ أَوْ مُؤْمِنِ نُورًا، ثُمَّ يَتَّبِعُونَهُ، وَعَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ كَلَالِيبُ، وَحَسَكٌ تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ الله، ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، ثُمَّ يَنْجُو الْمُؤْمِنُونَ، فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَة الْبَدْرِ، سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَأَضْوَاء نَجْمٍ فِي السَّمَاءِ ثُمَّ كَذَلِكَ. . .) (1).
5 -
حديث حفصة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَدْخُلَ النَّارَ - إِنْ شَاءَ الله - أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَليْسَ الله عز وجل يَقُولُ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ، قَالَ فسَمِعَتْهُ يَقُولُ:{ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا} (2).
قال أبو هريرة: إذا كان يوم القيامة، يجتمع الناس نادى مناد: ليلحق كل أناس بما كانوا يعبدون، فيقوم هذا إلى الحجر، وهذا إلى الفرس، وهذا إلى الخشبة حتى يبقى الذين يعبدون الله، فيأتيهم الله، فإذا رأوه قاموا إليه، فيذهب بهم فيسلك بهم على الصراط، وفيه عليق، فعند ذلك يؤذن بالشفاعة، فيمرّ الناس، والنبيون يقولون: اللهمّ سلم سلم. قال بكير: فكان ابن عميرة يقول: فناج مسلم ومنكوس في جهنم ومخدوش، ثم ناج (3).
وهذه بعض أقوال أهل العلم في ذلك:
(1) أخرجه مسلم (191).
(2)
أحمد (6/ 362)، الطبري في التفسير (9/ 112)، ابن ماجه (4281)، الفاكهي في أخبار مكة (2874) من حديث الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم مبشر، عن حفصة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . . الحديث. وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (3454)، وأصله في مسلم (2496) من حديث أم مبشر، أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها".
(3)
تفسير الطبري (16/ 112) إسناده صحيح. بسر بن سعيد ثقة (تقريب التقريب 1/ 68)، بكير بن عبد الله الأشج ثقة (تقريب التقريب 1/ 75)، عمرو بن الحارث بن يعقوب ثقة (تقريب التقريب 1/ 437).