الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - شبهة: مغيب الشمس في بئر
.
نص الشبهة:
قالوا: جاء في سورة الكهف (83 - 86){وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83) إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84) فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85) حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا} .
والسؤال: إذا كانت الشمس أكبر من الأرض مليونًا وثلاثين ألف مرة، فكيف تغرب في بئر رآها ذو القرنين ورأى ماءها وطينها ورأى الناس؟ .
والرد على هذه الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: معنى قوله تعالى: {وَجَدَهَا}
.
الوجه الثاني: معنى حرف الجر (في).
الوجه الثالث: تعدد معاني (في) في الكتاب المقدس.
الوجه الرابع: معنى (عين).
الوجه الخامس: تحريفهم لما نقلوه عن البيضاوي.
الوجه السادس: معاني الآية الكريمة.
الوجه السابع: آيات سورة (يس) تزيل الإشكال.
الوجه الثامن: وماذا عن الكتاب المقدس؟ .
وإليك التفصيل
الوجه الأول: معنى قوله تعالى: {وَجَدَهَا} .
معنى {وَجَدَهَا} : يحكي القرآن الكريم نبأ {ذِي الْقَرْنَيْنِ} فقال: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} .
ونريد الآن أن نفهم معنى الفعل الماضي {وَجَدَهَا} ونستطيع أن ندرك معنى هذا الفعل عن طريق هذا السؤال لما يسأل الواحد منا عن صحته فيقال له: كيف تجدك اليوم؟ أي: كيف حالك؟ ، فيجيب قائلًا: أجدني بخير وعافية، وقد يكون هذا القائل
مريضًا لكنه لا يدري، لأن أعراض المرض ليست من الوضوح، أو لأنه في اندماجه في حياته اليومية بحيث لا ينتبه لحالته الصحية الحقيقية.
وبالمثل قد يقول الواحد منا (صادقًا فيما يظن) إنه وجد فلانًا يضرب ابنه عند البيت، بينما الحقيقة أنه كان يداعبه، أو كان يضرب ابن الجيران مثلًا لكن المتكلم توهم الأمر على ما قال.
وقديمًا قال المتنبي الشاعر:
ومن يك ذا فم مر مريض
…
يجد مرًا به الماء الزلالا
فهذا يعني أن الإنسان قد يجد الشيء على وضع ولا يعني هذا أنه على هذا الوضع في الحقيقة والواقع.
وفي قوله تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77].
وليس هناك في الدنيا جدار يريد لأنه من الجمادات، وأيضًا فإن المفسرين قد قالوا إن الآية لو قالت: إن الشمس كانت تغرب في العين فعلًا لكان ثم سبيلًا لانتقادها، أما قولها إن {ذَا الْقَرْنَيْنِ} وجدها تغرب في العين فمعناه: أن ذلك هو إدراكه للأمر لا حقيقته الخارجية.
ولقد صرح البيضاوي بذلك حيث قال: ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء، ولذا قال: وجدها تغرب، ولم يقل: كانت تغرب (1).
وهذا الذي صرح به المفسرون هو الصواب، وفي الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى شيء مثل ذلك ومنه هذان الشاهدان:
1 -
(وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب)(تكوين 6: 8)
2 -
(فوجدها ملاك الرب على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور)(تكوين 16: 7)، فالنعمة لا تجد في عين الرب على سبيل الحقيقة، كما أن المرأة التي وجدها ملاك الرب لم تكن على العين بل - عند العين -: أي أن الحقيقة الخارجية في كلا الشاهدين لم تكن على حرفية ما جاء في العبارتين.
3 -
وعلى ضوء ما سبق يمكننا أن نقرأ الشواهد الشعرية التالية:
(1) تفسير البيضاوي (411).
قال الأسعر الجعض:
إني وجدت الخيل عزًا ظاهرًا
…
تنجي من الغمى ويكشفن الدجى
وقال مالك بن عمرو:
متى تفخر بزرعه أو بحجر
…
تجد فخرًا يطير به السناء
وقال الحصين بن حمام الفزاري:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
…
لنفسي حياة مثل أن أتقدما
ذلك أن وجدانك الشيء على وضع من الأوضاع، إنما يعني إدراكك له على هذا الوضع رؤية أو سماعًا أو شمًا أو لمسًا أو شعورًا باطنيًا أو استدلالا عقليًا كما في العبارات الآتية:(نظرت فوجدته قائمًا) أو (حينما اقتربت من الحجرة وجدته يقرأ) أو (قربت الزهرة من نفى فوجدتها مسكية العبير) أو (احتكت يدي بالحائط فوجدته خشن الملمس) أو (وجدت وقع إهانته عليَّ عنيفًا) أو (أعاد العلماء النظر في هيئة الأرض فوجدوها أقرب إلى شكل الكرة) ثم سواء عليك بعد هذا أكان هو فعلًا في الواقع والحقيقة كذلك أم لا.
4 -
وعلى ضوء ما سبق نستطيع أن نقرأ قول الزبيدي صاحب (تاج العروس):
وقال المصنف في البصائر نقلًا عن أبي القاسم الأصبهاني:
الوجود أضرُب: وجود بإحدى الحواس الخمس، نحو: وجدت زيدًا ووجدت طعمه ورائحته وصوته وخشونته، ووجود بقوة الشهوة: وجدت الشبع، ووجود أيده الغضب نحو: وجود الحرب والسخط، ووجود بالعقل أو بوساطة العقل: كمعرفة الله تعالى ومعرفة النبوة، وما نسب إلى الله تعالى من الوجود فبمعنى العلم المجرد، إذ كان الله تعالى منزهًا عن الوصف بالجوارح والآلات، نحو قوله تعالى:{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)} . وكذا المعدوم يقال على ضد هذه الأوجه، ويعبر عن التمكن من الشيء بالوجود، نحو قوله تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} أي حيث رأيتموهم، وقوله تعالى {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُم} ، وقوله {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ} وقوله:{وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} ووجود بالبصيرة، وكذا قوله