الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوجه الثامن: أن القمر لاختلاف مطالعه ليس في حد واحد لجميع أهل الأرض، فقد يطلع على قوم قبل أن يطلع على آخرين، فيظهر في بعض الآفاق وبعض المنازل على أهل بعض البلاد دون بعض، ولذلك نجد الخسوف في بعض البلاد دون بعض، ونجده في بعض البلاد باعتبار بعض أجزاء القمر، وفي بعضها مستوفيًا أطرافه كلها، وفي بعضها لا يعرفها إلا الحاذقون في علم النجوم، وكثيرًا ما يحدث الثقات من العلماء بالهيئة الفلكية بعجائب يشاهدونها من أنوار ظاهرة ونجوم طالعة عظيمة تظهر في بعض الأوقات أو الساعات من الليل، ولا علم لأحد بها من غيرهم. (1)
الوجه التاسع: أنه قلما يقع أن يبلغ عدد ناظري أمثال هذه الحوادث النادرة الوقوع إلى حد يفيد اليقين، وأخبار بعض العوام لا يكون معتبرًا عند المؤرخين في الوقائع العظيمة، نعم يعتبر أخبارهم أيضًا في الحوادث التي يبقى أثرها بعد وقوعها، كالريح الشديد، ونزول الثلج الكثير، والبرد. فيجوز أن مؤرخي بعض الديار لم يعتبروا أخبار بعض العوام في هذه الحادثة، وحملوه على تخطئة أبصار المخبرين العوام، وظنوا أنها تكون نحوًا من الخسوف. (2)
الوجه العاشر: أن المؤرخين كثيرًا ما يكتبون الحوادث الأرضية ولا يتعرضون للحودث السماوية إلا قليلًا، لا سيما مؤرخي السلف، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم في ديار إنكلترة وفرانس شيوع الجهل، واشتهارها بالصنائع والعلوم إنما هو بعد زمانه صلى الله عليه وسلم بمدة طويلة. (3)
الوجه الحادي عشر: أن المنكر إذا علم أن الأمر الفلاني معجزة أو كرامة للشخص الذي ينكره تصدى لإخفائها، ولا يرضى بذكرها وكتابتها غالبًا. (4)
الوجه السادس: ذكر الكتاب المقدس لأحداث لم يذكرها التاريخ
.
وأخيرًا: سلمنا جدلًا أن التاريخ قد أهمل ذكر معجزة انشقاق القمر فلماذا أهمل التاريخ ذكر هذه الحوادث المزعومة في الكتاب المقدس. (5)
(1) إظهار الحق (2/ 189).
(2)
المصدر السابق.
(3)
إظهار الحق (2/ 189).
(4)
المصدر السابق.
(5)
باختصار من إظهار الحق (2/ 181 - 187).
أ - أن حادثة طوفان نوح عليه السلام كانت ممتدة إلى سنة، وفنى فيه كل ذي حياة من الطيور والبهائم والحشرات والإنسان غير أهل السفينة، وما نجا من الإنسان غير ثمانية أشخاص على ما هو مصرح به في الباب السابع والثامن من سفر التكوين.
وفي الآية العشرين من الباب الثالث من الرسالة الأولى لبطرس هكذا: (إِذْ كَانَ الْفُلْكُ يُبْنَى، الَّذِي فِيهِ خَلَصَ قَلِيلُونَ، أَيْ ثَمَانِي أَنْفُسٍ بِالْمَاءِ).
والآية الخامسة من الباب الثاني من رسالته الثانية هكذا: (وَلَمْ يُشْفِقْ عَلَى الْعَالَمِ الْقَدِيمِ، بَلْ إِنَّمَا حَفِظَ نُوحًا ثَامِنًا كَارِزًا لِلْبِرِّ، إِذْ جَلَبَ طُوفَانًا عَلَى عَالَمِ الْفُجَّارِ). وما مضت على هذه الحادثة مدة إلى هذا اليوم على زعم أهل الكتاب إلا مقدار أربعة آلاف ومائتين واثنتي عشرة سنة شمسية ولا يوجد هذا الحال في تواريخ مشركي الهند وكتبهم. وهم ينكرون هذا الأمر إنكارًا بليغًا ويستهزئ به علماؤهم كافة ويقولون: لو قطع النظر عن الزمان السالف ونظر إلى زمان كرشن الأوتار، الذي كان قبل هذا اليوم بمقدار أربعة آلاف وتسعمائة وستين سنة على شهادة كتبهم، لا مجال لصحة هذه الحادثة العامة لأن الأمصار العظيمة الكثيرة من ذلك العهد إلى هذا الحين مغمورة وثبت بشهادة تواريخهم أنه يوجد من ذلك العهد إلى هذا الحين في إقليم الهند مليونات كثيرة في كل زمان من الأزمنة، ويدعون أن حال زمان كرشن لوجود كثرة التواريخ كحال أمس.
وقال ابن خلدون في المجلد الثاني من تاريخه: واعلم أن الفرس والهند لا يعرفون الطوفان وبعض الفرس يقولون كان ببابل فقط. انتهى كلامه بلفظه. وقال العلامة تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المعروف بالمقريزي في المجلد الأول من كتابه المسمى بكتاب المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار: (الفرس وسائر المجوس والكلدانيون أهل بابل والهند وأهل الصين وأصناف الأمم المشرقية ينكرون الطوفان، وأقر به بعض الفرس لكنهم قالوا لم يكن الطوفان بسوى الشام والمغرب ولم يعم العمران كله ولا غرق إلا بعض الناس ولم يجاوز عقبة حلوان ولا بلغ إلى ممالك المشرق) انتهى كلامه بلفظه.
وأبناء صف القسيسين ينكرون هذا الطوفان ويستهزئون به. وأنقل كلام جان كلارك الملحد عن رسالته الثالثة المندرجة في كتابه المطبوع سنة 1839 في ليدس فقال في الصفحة 54: (هذا) يعني الطوفان، غير صحيح على شهادة علم الفلسفة وأنا أتعجب! أمات الحيتان في ماء هذا الطوفان؟ .
ولما كان بحكم الآية الخامسة من الباب السادس من سفر التكوين أفكار قلوب الإنسان ذميمة فلماذا أبقى الله ثمانية أشخاص. لِمَ لَمْ يخلق الإنسان مرة أخرى بعد إهلاك الكل؟ ولماذا أبقى بضاعته القديمة التي بقيت الأفكار الذميمة باقية بسببها؟ لأن الشجرة الرديئة لا تثمر ثمرة جيدة كما قال متى في الآية السادسة عشر من الباب السابع، هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟ . ونوح كان شارب الخمر وبهيمة وظالمًا (والعياذ بالله). كما يفهم من الآية 21 و 25 من الباب التاسع من سفر التكوين فكيف يرجى منه أن يكون نسله صالحًا.
وانظروا أنه لم يكن صالحًا كما يظهر من الآية الثانية من الباب الثاني من رسالة بولس إلى أهل أفسيس والآية الثالثة من الباب الثالث من رسالته إلى تيطس والآية الثالثة من الباب الرابع من الرسالة الأولى لبطرس والآية (ص 190) الخامسة من الزبور الحادي والخمسين) انتهى كلامه. ثم استهزأ في هذه الصفحة 93 استهزاءً بليغًا جاوز الحد في إساءة الأدب، فلا أرضى بنقل كلامه القبيح.
ب - أن حادثة وقوف الشمس يومًا كاملًا ليوشع (يشوع بن نون) مذكورة في سفر يشوع 10/ 12 - 13، وذكر مؤرخو أهل الكتاب ومفسروهم بأنها دامت إلى أربع وعشرين ساعة، فهذه الحادثة العظيمة التي وقعت سنة 1450 ق. م يجب أن يراها سكان الأرض كلهم؛ لأن السحاب الغليظ لا يمنع العلم بها في المناطق التي كان عليها النهار، وأما سكان المناطق التي كان عليها الليل فلا بد أن يعلموا بهذه الحادثة لامتداد ليلهم بمقدار أربع وعشرين ساعة، ومع ذلك فإن مشركي الهند والفرس وأهل الصين ينكرونها ولم تذكر في تواريخهم، وملاحدة أوروبا يستهزئون بها ويوردون عليها اعتراضات، فهل يقبل القسيسون بإنكار الأمم المشرقية لهذه الحادثة وباعتراضات أبنائهم الملاحدة؟ !
ج - أن متى روى في إنجيله 27/ 51 - 53 عدة حوادث عظيمة وقعت بعد حادثة الصلب مباشرة، وهي: انشقاق حجاب الهيكل من فوق إلى أسفل، وتزلزل الأرض، وتشقق الصخور، وتفتح القبور، وقيام كثير من أجساد القديسين الموتى، وخروجهم من القبور، ودخولهم القدس، وظهورهم لكثيرين، وهذه الحوادث كاذبة يقينًا لكن نقول: إن هذه الحوادث العظيمة غير مذكورة في كتب الرومان ولا في كتب اليهود، بل لم يذكرها إنجيل يوحنا، وإما إنجيل مرقس وإنجيل لوقا فذكرا انشقاق حجاب الهيكل فقط ولم يذكرا باقي الأمور العظيمة، علمًا أن ذكرها أولى من ذكر صراخ المصلوب وأمور أخرى لا قيمة لها اتفقا على ذكرها، وعلمًا أن بعض الأمور يبقى أثرها بعد الوقوع كتشقق الصخور وتفتح القبور، والعجب من متى أنه لم يذكر أن هؤلاء القديسين بعد خروجهم من قبورهم أحياء أين ذهبوا؟ ! هل بقوا على قيد الحياة أم رجعوا إلى قبورهم؟ ! ولذلك استهزأ بعضهم بهذه المبالغات الشنيعة فقال: لعل متى رآها في المنام. ويفهم من عبارة إنجيل لوقا أن انشقاق حجاب الهيكل كان قبل وفاة المصلوب، بينما يفهم من عبارتي متى ومرقس أنه بعد وفاة المصلوب. فكيف يعالج القسيسون هذه المعضلات؟ !
د - أنه ورد في إنجيل متى (3/ 16 - 17) وإنجيل مرقس (1/ 10 - 11) وإنجيل لوقا (3/ 21 - 22) أن يحيى عمد عيسى عليه السلام في نهر الأردن، وفي وقت صعود عيسى من الماء، انشقت السماوات وانفتحت ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسيمة في شكل حمامة، وقال صوت من السماوات: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
فانشقاق السماوات لم كان في النهار فلا بد أن يراه أكثر أهل العالم، وكذا رؤية الحمامة المجسمة وسماع الصوت لا يختص بواحد دون غيره من الحاضرين، ومع ذلك لم يكتب أحد من مؤرخي ذلك الزمان هذه الحادثة غير الإنجيليين الثلاثة، ولذلك صارت سببًا لاستهزاء ملاحدة أوروبا فقالوا: لماذا أبقانا متى محرومين من معرفة الأبواب التي انفتحت في السماوات هل هي أبوابها الكبيرة أم المتوسطة أم الصغيرة؟ ! وفي أي جانب منها كانت هذه الأبواب؟ !
وقساوستنا يضربون رؤوسهم متحيرين في تعيين ذلك. ولماذا لم يخبرنا متى عن الحمامة هل أخذها أحد وحبسها في القفص أم رأوها راجعة إلى السماوات؟ !
وإذا رجعت إلى السماوات فهل بقيت أبوابها مفتوحة كل هذه المدة؟ ! وهل رأوا باطن السماوات بوجه حسن؟ ! فماذا يقول القسيسون في هذه التساؤلات؟ ! إذن فالاعتراض على معجزة انشقاق القمر لمحمد صلى الله عليه وسلم اعتراض باطل ولا قيمة له.
أما عن قولهم بأن ذلك مغاير للأفلاك،
إضافة إلى ما سبق بيانه من إثبات وقوع هذه المعجزة نقول:
الله أكبر، مَن الذي خلق الأفلاك السماوية أليس الله؟ بلى، إذن هو قادر على أن يغيرها {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} ، فانشقاق القمر انشقاق حسي، انفلق فرقتين، ورآه الناس وشاهدوه، ولكن المكابر المعاند لا يقبل شيئًا، ولهذا قال:{وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} {آيَةً} نكرة في سياق الشرط، أي آية يرونها يعرضون عنها ولا يقبلونها.
ونحن نؤمن بأن القادر على أن يطوي السماوات بيمينه كطي السجل للكتب، قادر على أن يفرق القمر فرقتين، ولا شيء يعجزه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)} [فاطر: 44]، ولهذا لا وجه لإنكار من أنكر ذلك. (1)
وأخيرًا: إليكم هذا النبأ الهام من وكالة ناسا الفضائية
أما في عصرنا الراهن فنجد في موقع وكالة ناسا الفضائية الأمريكية على شبكة (الإنترنت) صورة لصدع طولي رهيب على سطح القمر يظهر بوضوح من الصورة في أعلى المقال يمتد لمئات الكيلومترات، عبارة عن حزام من الصخور المتحولة، وكاتب المقال يتساءل:
What could cause along crack on tha moon?
أي ما الذي يمكن أن يحدث شقًا بهذا الطول في القمر؟
والكيفية التي طرح بها السؤال تبين بجلاء حيرة العلماء في تفسير تكون هذا الشق، وهو ما ينم عن حدث عظيم تعرض له القمر ترك هذا الأثر المحيّر، ولو كان سببه زلزالًا عاديًا أو بركانًا لما استغلق على العلماء فهمه كل هذه المدة إذ إنه اكتشف منذ أكثر من 200 عام كما يذكر موقع وكالة ناسا.
(1) تفسير القرآن للعثيمين (12/ 2).