الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم:"رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَىٍّ الخزاعي يَجُرُّ قُصْبَهُ في النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ"(1)
الوجه السادس: أعمال الحج عند الأنبياء عليهم السلام
.
نبين في هذا الوجه أن الله عز وجل علَّم إبراهيم عليه السلام هذه المناسك، وفعلها الأنبياء من بعده والنبي صلى الله عليه وسلم قد أمر باتباع ملة إبراهيم عليه السلام، وهذا يدل على أن أعمال الحج ليست من الوثنية بل لها أصل، قال تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 127، 128].
عن قتادة قوله: "وأرنا مناسكنا" فأراهما الله مناسكهما: الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، والإفاضة من عرفات، والإفاضة من جمع، ورمي الجمار، حتى أكمل الله الدين - أو دينه. (2)
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَمَرَرْنَا بِوَادٍ فَقَالَ: "أي وَادٍ هَذَا؟ ". فَقَالُوا: وادي الأَزْرَقِ. فَقَالَ: "كأني أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِنْ لَوْنِهِ وَشَعْرِهِ شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ دَاوُدُ وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ في أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى الله بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الوادي". قَالَ: "ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى ثَنِيَّةٍ. فَقَالَ: "أي ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟ ". قَالُوا: هَرْشَى أَوْ لِفْتٌ. فَقَالَ: "كأني أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ عَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ خِطَامُ نَاقَتِهِ لِيفٌ خُلْبَةٌ مَارًّا بِهَذَا الوادي مُلَبِّيًا". (3)
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّىَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ، وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهْىَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ في أَعْلَى الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ. . . فذكر القصة وفيها: فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَوَجَدَتِ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ في الأَرْضِ يَلِيهَا، فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتِ الوادي تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَهَبَطَتْ مِنَ، الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الوادي رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا، ثُمَّ سَعَتْ سَعْىَ الإِنْسَانِ الْمَجْهُودِ،
(1) أخرجه البخاري (3521)، ومسلم (901).
(2)
الطبري في تفسيره (1/ 602)، قال: حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة به.
(3)
أخرجه مسلم (166).
حَتَّى جَاوَزَتِ الوادي، ثُمَّ أَتَتِ الْمَرْوَةَ، فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ ترَى أَحَدًا، فَلَمْ تَرَ أَحَدًا، فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "فَذَلِكَ سَعْىُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا". (1)
عن ابن عباس رفعه قال: لما أتى إبراهيم خليل الله المناسك عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثانية فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، ثم عرض له عند الجمرة الثالثة فرماه بسبع حصيات حتى ساخ في الأرض، قال ابن عباس: الشيطان ترجمون وملة أبيكم تتبعون. (2)
وعن يزيد بن شيبان قال: كُنَّا في مَوْقِفٍ لنَا بِعَرَفَةَ يُبَاعِدُهُ عمرو بن دينارٍ مِنْ مَوْقِفِ الإِمَامِ جدًا فأتانًا ابْنُ بزيغ الأَنْصَارِيُّ فقال لنا: إنِّي رَسُولُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إليكُمْ إنَّ رَسُولَ الله يأمُرُكُمْ أنْ تَقِفُوا عَلَى مَشَاعِرِكُم هذه فإنَّكُمْ على إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ أبيكُمْ إبْرَاهِيمَ عليه السلام. (3)
قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)} [آل عمران: 96، 97]، وقال تعالى:{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)} [الحج: 27].
قال ابن كثير: ثم ذكر أن البيت إنما أسس لمن يعبد الله وحده لا شريك له، إما بطواف أو صلاة، فذكر في سورة الحج أجزاءها الثلاثة: قيامها، وركوعها، وسجودها، ولم يذكر العاكفين لأنه تقدم {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} وفي هذه الآية الكريمة ذكر الطائفين والعاكفين، واجتزأ بذكر الركوع والسجود عن القيام؛ لأنه قد علم أنه لا يكون ركوع ولا
(1) أخرجه البخاري (3364).
(2)
أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 638، ومن طريقه البيهقي 5/ 153 من طريق إبراهيم بن طهمان ثنا الحسن بن عبد الله، عن سالم بن أبي الجعد، عن ابن عباس به. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1156).
(3)
حسن. أخرجه الشافعي في مسنده صـ 241، والحميدي في مسنده (577) وأحمد في مسنده 4/ 137، أبو داود (1919)، ابن أبي شيبة في مصنفه 3/ 345، والنسائي في سننه 5/ 255، والترمذي في سننه (883) كلهم من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن عبد الله بن صفوان عن يزيد بن شيبان به. صححه الألباني في صحيح أبي داود (1688).