الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحاقة
شبهة: معنى كلمة (الحاقة)
.
نص الشبهة:
يقولون أن قوله تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} [الحاقة: 1 - 3] كلام ليس له معنى!
والجواب على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآيات
.
الوجه الثاني: علاقتها بما قبلها وما بعدها.
الوجه الثالث: وماذا عن الكلام الغريب الموجود في الكتاب المقدس؟
وإليك التفصيل
الوجه الأول: التفسير الصحيح للآيات.
قال الطبري: يقول تعالى ذكره: الساعة {الْحَاقَّةُ} التي تحقّ فيها الأمور، ويجب فيها الجزاء على الأعمال، {مَا الْحَاقَّةُ} يقول: أيّ شيء الساعة الحاقة، وذُكر عن العرب أنَّها تقول: لما عرف الحاقة متى والحقة متى، وبالكسر بمعنى واحد في اللغات الثلاث، وتقول: وقد حقّ عليه الشيء إذا وجب، فهو يحقّ حقوقًا.
والحاقة الأولى مرفوعة بالثانية، لأن الثانية بمنزلة الكناية عنها، كأنه عجب منها، فقال {الْحَاقَّةُ} وما هي، كما يقال: زيد ما زيد، والحاقة الثانية مرفوعة بما، وما بمعنى أي، وما رفع بالحاقة الثانية، ومثله في القرآن {وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} {الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)} فما: في موضع رفع بالقارعة الثانية والأولى بجملة الكلام بعدها، وعن ابن عباس، في قوله:{الْحَاقَّةُ (1)} قال: من أسماء يوم القيامة، عظمه الله، وحذّره عباده (1).
وعن قتادة قال: {الْحَاقَّةُ (1)} يعني: الساعة أحقت لكل عامل عمله.
(1) تفسير الطبري (29/ 47).
وقال عكرمة: يعني القيامة (1).
وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} وأيّ شيء أدراك وعرّفك: أيّ شيء الحاقة؟ وقال قتادة: تعظيم ليوم القيامة كما تسمعون (2).
قال البقاعي: قال تعالى: {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} ، لما قدم سبحانه في (نون) الإنكار الشديد لأن يسوي المسيء بالمحسن، وذكر القيامة وبيّنها بيوم كشف الساق، وزيادة المشاق، وهدد التهديد العظيم بآية الاستدراج الذي لا يدفع بعلاج، وختم بأن القرآن ذكر - أي شرف -، وتذكير، ومواعظ للعالمين في شمولهم كلهم برحمته، أما من بعد إنزاله فبوعيده ووعده، ووعظه وقصه، وأمره ونهيه، وأما من قبل إنزاله فبالشهادة لهم وعليهم، وكان تأويل ذلك وجميع أَثاره إنما يظهر ظهورًا تامًّا يوم الجمع الأكبر، وكان ذلك اليوم أعظم مذكر للعالمين، وواعظ لهم وزاجر، تنبني جميع الخيرات على تذكره، وتذكر العرض على الملك الديان، والسر في إنزال القرآن هو: التذكير بذلك اليوم الذي هو نظام الوجود، قال واصفًا للقيامة واليوم الذي يكشف فيه عن ساق، واعظًا بذكرها، ومحذرًا من أمرها:{الْحَاقَّةُ} أي الساعة التي يكذب بها هؤلاء، وهي أثبت الأشياء وأجلاها، فلا كاذبة لها ولا لشيء عنها، فلا بد من حقوقها، فهي ثابتة في نفسها، ومن إحضار الأمور فيها بحقائقها، والمجازاة عليها بالحق الذي لا مرية فيه لأحد من الخلق، فهي فاعلة بمعنى مفعول فيها، وهي فاعلة أيضًا؛ لأنَّها غالبة لكل خصم، من حاققته فحققته أحقه أي: غالبته في الحق فغلبته فيه، فهي تحق الحق ولا بد، فتعلو الباطل فتدمغه وتزهقه، فتحق العذاب للمجرمين، والثواب للمسلمين، وكل ما فيها دائر على الثبات والبيان؛ لأن ذلك مقتضى الحكمة، ولا يرضى لأحد من الحكام ترك رعيته بغير إنصاف بينهم - على زعمه - فكيف بالحكيم العليم!
وقصة صاحب الحوت عليه السلام أدل دليل على القدرة عليها.
(1) تفسير الطبري (29/ 48) بإسناد صحيح إلى قتادة، والإسناد ضعيف إلى عكرمة.
(2)
تفسير الطبري (29/ 48).
ولما كان ذلك كله أمرًا رائعًا للعقول، هازًا للقلوب، مزعجًا للنفوس، وكان ربما توقف فيه الجلف الجافي، أكد أمره وزاد في تهويله، وأطنب في تفخيمه وتبجيله، إشارة إلى أن هوله يفوت الوصف بقوله، معلمًا أنه مما يحق له أن يستفهم عنه سائقًا له بأداة الاستفهام مرادًا بها التعظيم للشأن، وأن الخبر ليس كالعيان {مَا الْحَاقَّةُ (2)} فأداة الاستفهام: مبتدأ أخبر عنه بالحاقة، وهما خبر عن الأولى، والرابط تكرير المبتدأ بلفظه، نحو: زيد أي ما هو؟ وأكثر ما يكون ذلك إذا أريد معنى التعظيم والتهويل.
ولما كان السياق لترجمة المراد بكشف الساق، عظم التهويل بقوله:{وَمَا أَدْرَاكَ} وأي في الزمن الماضي، وقصره لتذهب النفس فيه كل مذهب، أي: وأي شيء أعلمك بشيء من الأشياء، مع تعاطيك للبحث والمداورة، ثم زاد التحذير منها بقوله على النهج الأول مستفهمًا، والمراد به التفخيم ومزيد التعظيم:{مَا الْحَاقَّةُ} وأي: إنها بحيث لا يعلم كنهها أحد، ولا يدركها، ولا يبلغها درايته، وكيف ما قدرت حالها، فهي أعظم من ذلك، فلا تعلم حق العلم إلا بالعيان (1).
وقال البغوي: سُمّيت حاقة لأنَّها حقت فلا كاذبة لها، وقيل: لأن فيها حواق الأمور وحقائقها؛ ولأن فيها يحق الجزاء على الأعمال - أي: يجب -، يقال: حق عليه الشيء؛ إذا وجب يحق حقوقًا، قال الله تعالى:{وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر: 71]، وقوله:{مَا الْحَاقَّةُ} هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها كما يقال: زيد ما زيد، على التعظيم لشأنه، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3)} أي أنك لا تعلمها؛ إذ لم تعاينها ولم تر ما فيها من الأهوال (2).
وقال الشوكاني: قوله: فالقيامة حاقة؛ لأنَّها تحاق كل محاق في دين الله بالباطل، وتخصم كل مخاصم، وقال في الصحاح: حاقه أي: خاصمه في صغار الأشياء، ويقال: ماله فيها حقّ، ولا حقاق، ولا خصومة، والتحاقّ: التخاصم، والحاقة والحقة والحقّ ثلاث لغات بمعنى. قال الواحدي: هي القيامة في قول كل المفسرين، وسميت بذلك لأنَّها ذات
(1) نظم الدرر للبقاعي (8/ 120، 119)، تفسير ابن كثير (4/ 548).
(2)
تفسير البغوي (4/ 285).