الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة: قصة الخصم مع داود عليه السلام
-.
نص الشبهة:
اتهام نبي الله داود عليه السلام بالوقوع في الفاحشة.
والرد من وجوه:
الوجه الأول: ذكر هذه الروايات وبيان ضعفها
.
الوجه الثاني: تفسير الآيات، وبيان ضعف القصة التي تثبت أنه زنى وقتل.
الوجه الثالث: داود عليه السلام في القرآن والسنة.
الوجه الرابع: داود عليه السلام في الكتاب المقدس.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: ذكر هذه الروايات وبيان ضعفها.
1 -
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهمَّ أن يُجمع على بني إسرائيل وأوصى صاحب البعث، فقال: إذا حضر العدو فقرب فلانًا بين يدي التابوت، وكان التابوت في ذلك الزمان يستنصر به وبمن قدم بين يدي التابوت، فلم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان يقصان عليه قصته، ففطن داود فسجد ومكث أربعين ليلة ساجدًّا حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه وأكلت الأرض من جبينه وهو يقول في سجوده: "رب زل داود زلة أبعد مما بين المشرق والمغرب، رب إن لم ترحم ضعف داود، ولم تغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثًا في الخلق من بعده، فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة فقال: يا داود إنه قد غفر لك الهم الذي هممت به، فقال داود: "إن الرب قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد عرفت إن عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة، فقال: يا رب دمي الذي عند داود، فقال جبريل: ما سألت ربك عن ذلك وإن شئت لأفعلن، فقال: نعم، فعرج جبريل وسجد داود، فمكث ما شاء ثم نزل جبريل، فقال: سألت يا داود عن الذي أرسلتني فيه،
فقال: قل لداود إن يجمعكما يوم القيامة، فيقول له: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: إن لك في الجنة ما شئت وما اشتهيت عوضًا عنه" (1).
2 -
عن الأحنف بن قيس: "أن داود حدث نفسه إن ابتُلي أن يعتصم فقيل له: إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك فقيل له: هذا اليوم الذي تبتلى فيه فأخذ الزبور فوضعه في حجره، وأغلق باب المحراب، وأقعد منصفًا على الباب، وقال: "لا تأذن لأحد علي اليوم" فبينما هو يقرأ الزبور؛ إذ جاء طائر مذهّب كأحسن ما يكون الطير، فيه من كل لون، فجعل يدرج بين يديه، فدنا منه، فأمكن أن يأخذه، فتناوله بيده ليأخذه فاستوفزه من خلفه، فأطبق الزبور وقام إليه ليأخذه، فطار فوقع على كوة من المحراب فدنا منه أيضًا ليأخذه، فوقع على حصن فأشرف عليه لينظر أين وقع؟ فإذا هو بالمرأة عند بركتها تغتسل من المحيض فلما رأت ظله حركت رأسها فغطت جسدها بشعرها فقال داود للمنصف: "اذهب فقل لفلانة تجيء" فأتاها فقال: إن نبي الله يدعوك فقالت: مالي ولنبي الله إن كانت له حاجة فليأتني أما أنا فلا آتيه، فأتاه المنصف فأخبره بقولها، فأتاها وأغلقت الباب دونه فقالت: مالك يا داود! أما تعلم أنه من فعل هذا رجمتموها ووعظته فرجع، وكان زوجها غازيًا في سبيل فكتب داود عليه السلام إلى أمير المغزي انظر أوريا فاجعله في حملة التابوت، فقتل فلما انقضت عدتها خطبها فاشترطت
(1) إسناده ضعيف جدًّا. أخرجها ابن جرير في "تفسيره" 23/ 150، 151، وفي "تاريخه" 1/ 285، ومن طريقه الثعالبي في "الكشف والبيان" 11/ 373، ومن طريقه البغوي في "تفسيره" 4/ 55، 56 عن يونس بن عبد الأعلى الصيرفي، أخبرنا ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن أبي صخر، عن يزيد الرقاشي به.
وفيه: يزيد بن أبان الرقاشي، وهو ضعيف. قال ابن كثير:"روى ابن أبي حاتم حديثًا لا يصح سنده؛ لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه ويزيد وإن كان من الصالحين؛ لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى عز وجل؛ فإن القرآن حق، وما تضمن فهو حق أيضًا" تفسيره 12/ 82.
وفيه أيضًا أبو صخر: وهو حميد بن زياد، أبى المخارق المدني. قال أحمد: ليس به بأس؛ الجامع في العلل 2/ 98. وقال الذهبي: مختلف فيه؛ الكاشف 1/ 256. وقال ابن حجر: صدوق يهم؛ التقريب 1/ 141. قال القرطبي: "ذكره الماوردي وغيره، ولا يصح. قال ابن العربي: "وهو أمثل ما روي في ذلك" تفسيره 15/ 160. وقال السيوطي: "سند ضعيف" الدر المنثور 7/ 156 و 157، وذكرها ابن أبي حاتم في "تفسيره" 10/ 3239، 3240 بدون إسناد.
عليه إن ولدت غلامًا أن يجعله الخليفة من بعده، وأشهدت عليه خمسين من بني إسرائيل وكتبت عليه بذلك كتابًا، فما شعر بفتنته أنه فتن حتى ولدت سليمان وشب، فتسور المكان عليه المحراب فكان من شأنهما ما قص، وخر داود ساجدًّا، فغفر له وأناب وتاب عليه فطلقها وجفا سليمان وأبعده، فبينما هو في مسير له وهو في ناحية القوم إذ أتى على غلمان له يلعبون فجعلوا يقولون: يا لادين يا لادين، فوقف داود فقال:"ما شأن هذا يسمى لادين" فقال سليمان وهو في ناحية القوم: "أما أنه لو سألني عن هذه لأخبرته بأمره" فقيل لداود: إن سليمان قال كذا وكذا فدعاه وقال: "ما شأن هذا الغلام سمي لادين"؟ فقال: "سأعلم لك علم ذلك" فسأل سليمان عن أبيه: كيف كان أمره؟ فقيل: إن أباه كان في سفر له مع أصحاب له وكان كثير المال، فأرادوا قتله، فأوصاهم فقال: إني تركت امرأتي حبلى فإن ولدت غلامًا فقولوا لها تسميه لادين، فبعث سليمان إلى أصحابه فجاؤا فخلا بأحدهم فلم يزل حتى أقر وخلا بالآخرين فلم يزل بهم حتى أقروا كلهم، فرفعهم إلى داود فقتلهم فعطف عليه بعض العطف.
وكانت امرأة عابدة من بني إسرائيل وكانت تبتلت، وكانت لها جاريتان جميلتان، وقد تبتلت المرأة لا تريد الرجال، فقالت إحدى الجاريتين للأخرى: قد طال علينا هذا البلاء أما هذه فلا تريد الرجال ولا نزال بشر ما كنا لها، فلو أنا فضحناها فرجمت فصرنا إلى الرجال، فأخذتا ماء البيض، فأتتاها وهي ساجدة فكشفتا عنها ثوبها ونضحتا في دبرها ماء البيض، وصرختا إنها قد بغت، وكان من زنا منهم حده الرجم، فرفعت إلى داود عليه السلام وماء البيض في ثيابها فأراد رجمها فقال سليمان:"أما أنه لو سألني لأنبأته" فقيل لداود: إن سليمان قال كذا وكذا فدعاه فقال: "ما شأن هذه ما أمرها فقال ائتوني بنار؛ فإنه إن كان ماء الرجال تفرق وإن كان ماء البيض اجتمع، فأتي بنار فوضعها عليه فاجتمع، فدرأ عنها الرجم، وعطف عليه بعض العطف وأحبه.
ثم كان بعد ذلك أصحاب الحرث وأصحاب الشياه فقضى داود عليه السلام لأصحاب الحرث بالغنم فخرجوا وخرجت الرعاء معهم الكلاب فقال سليمان: "كيف قضى بينكم"؟ فأخبروه فقال: "لو وُليت أمرهم لقضيت بينهم بغير هذا القضاء" فقيل لداود: إن سليمان يقول كذا وكذا، فدعاه فقال:"كيف تقضي"؟ فقال: "ادفع الغنم إلى أصحاب الحرث هذا العام فيكون
لهم أولادها وسلاها وألبانها ومنافعها ويبذر هؤلاء مثل حرثهم فإذا بلغ الحرث الذي كان عليه أخذ هؤلاء الحرث ودفع هؤلاء إلى هؤلاء الغنم، قال: فعطف عليه.
قال حماد: وسمعت ثابتًا يقول: هو أوريا (1).
3 -
عن ليث عن مجاهد قال: "لما أصاب داود الخطيئة خر لله ساجدًّا أربعين يومًا حتى نبت من دموع عينيه من البقل ما غطى رأسه ثم نادى: "رب قرح الجبين، وجمدت العين، وداود لم يرجع إليه في خطيئته شيء فنودي: أجائع فتطعم؟ أم مريض فتشفى؟ أم مظلوم فينتصر لك؟ قال: فنحب نحبة هاج كل شيء كان نبت، فعند ذلك غفر له، وكانت خطيئته مكتوبة بكفه يقرؤها، وكان يؤتى بالإناء ليشرب فلا يشرب إلا ثلثه أو نصفه، وكان يذكر خطيئته فينحب النحبة تكاد مفاصله تزول بعضها من بعض، ثم ما يتم شرابه حتى يملأه من دموعه، وكان يقال: إن دمعة داود تعدل دمعة الخلائق ودمعة آدم تعدل دمعة داود ودمعة الخلائق قال: فهو يجيء يوم القيامة خطيئته مكتوبة بكفه فيقول: "رب ذنبي ذنبي قدمني" قال: فيقدم فلا يأمن فيقول: "رب أخرني فيؤخر فلا يأمن"(2).
4 -
عن ابن عباس قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} قال إن داود قال: "يا رب قد أعطيت إبراهيم وإسحاق ويعقوب من الذكر ما لوددت أنك أعطيتني مثله قال: "إني ابتليتهم بما لم أبتلك به، فإن شئت ابتليتك بمثل ما ابتليتهم به، وأعطيتك ما أعطيتهم" قال:"نعم" قال له: "فاعمل حتى أرى بلاءك، فكان ما شاء أن يكون، وطال ذلك عليه فكاد أن
(1) منكر. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7/ 465، 466) قال: حدثنا عفان قال: ثنا حماد بن سلمة قال: ثنا علي بن زيد به قلت: إسناده ضعيف.
وفيه: علي بن زيد بن جدعان، قال الدارقطني: لا يزال عندي فيه لين. العلل 5/ 346، وقال الذهبي: أحد الحفاظ، وليس بالثبت. الكاشف 2/ 285، وقال ابن حجر: ضعيف. التقريب 1/ 413.
(2)
ضعيف، ومتنه منكر. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 7/ 465، وابن جرير في "تفسيره" 23/ 150 و"تاريخه" 1/ 284 و 285 وهناد بن السري في "الزهد" 1/ 262 من طرق عن الليث به.
والليث: هو ابن أبي سليم، قال الذهبي: فيه ضعف يسير من سوء حفظه، وبعضهم احتج به. الكاشف 3/ 14.
وقال الحافظ: صدوق اختلط جدًّا، ولم يتميز حديثه فترك. التقريب 2/ 497، وأخرجه ابن المنذر كما في "الدر" للسيوطي 7/ 157.
ينساه، فبينا هو في محرابه إذ وقعت عليه حمامة من ذهب، فأراد أن يأخذها فطارت إلى كوة المحراب، فذهب ليأخذها فطارت، فاطلع من الكوة فرأى امرأة تغتسل؛ فنزل نبي صلى الله عليه وسلم -من المحراب فأرسل إليها، فجاءته، فسألها عن زوجها وعن شأنها، فأخبرته أن زوجها غائب، فكتب إلى أمير تلك السرية أن يؤمره على السرايا ليهلك زوجها، ففعل، فكان يصاب أصحابه وينجو وربما نصروا، وإن عز وجل لما رأى الذي وقع فيه داود أراد أن يستنقذه فبينما داود ذات يوم في محرابه إذ تسور عليه الخصمان من قبل وجهه، فلما رآهما وهو يقرأ فزع وسكت، وقال: لقد استضفت في ملكي حتى إن الناس يتسورون علي محرابي! قالا له: لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض، ولم يكن لنا بد من أن نأتيك فاسمع منا، قال أحدهما:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} أنثى {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} يريد أن يتمم بها مئة، ويتركني ليس لي شيء {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} قال: إن دعوت ودعا كان أكثر، وإن بطشت وبطش كان أشد مني، فذلك قوله:{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} قال له داود: أنت كنت أحوج إلى نعجتك منه {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} إلى قوله: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} ونسي نفسه صلى الله عليه وسلم، فنظر الملكان أحدهما إلى الآخر حين قال ذلك فتبسم أحدهما إلى الآخر فرآه داود وظن أنما فتن {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} أربعين ليلة حتى نبت الخضرة من دموع عينيه ثم شدد له ملكه" (1).
5 -
عن أسباط عن السدي في قوله: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21)} قال: كان داود قد قسم الدهر ثلاثة أيام: يوم يقضي فيه بين الناس، ويوم يخلو فيه لعبادة ربه، ويوم يخلو فيه لنسائه، وكان له تسع وتسعون امرأة، وكان فيما يُقرأ من الكتب أنه كان يجد فيه فضل إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، فلما وجد ذلك فيما يُقرأ من الكتب قال: يا رب، إن الخير كله قد ذهب به آبائي الذين كانوا قبلي فأعطني مثل ما أعطيتهم، وافعل بي مثل ما فعلت بهم، قال: فأوحى إليه: إن آباءك ابتلوا ببلايا لم تبتلَ بها، ابتُلي إبراهيم بذبح
(1) إسناده ضعيف جدًّا. قال ابن جرير تفسيره 23/ 146، 147: "حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي عن أبيه. وسنده مسلسل بالمجاهيل والضعفاء كما تقدم.
ابنه، وابتلي إسحاق بذهاب بصره، وابتلي يعقوب بحزنه على يوسف، وإنك لم تبتل من ذلك بشيء، قال: يا رب، ابتلني بمثل ما ابتليتهم به، وأعطني مثل ما أعطيتهم، قال: فأوحي إليه: إنك مبتلى فاحترس، قال: فمكث بعد ذلك ما شاء أن يمكث إذ جاءه الشيطان قد تمثل في صورة حمامة من ذهب حتى وقع عند رجليه وهو قائم يصلي فمد يده ليأخذه فتنحى، فتبعه فتباعد، حتى وقع في كوة، فذهب ليأخذه فطار من الكوة فنظر أين يطير فيبعث في أثره قال: فأبصر امرأة تغتسل على سطح لها فرأى امرأة من أجمل الناس خلقًا، فحانت منها التفاتة فأبصرته فألقت شعرها فاستترت به قال: فزاده ذلك فيها رغبة قال: فسأل عنها فأخبر أن لها زوجًا، وأن زوجها غائب بمسلحة كذا وكذا قال: فبعث إلى صاحب المسلحة أن يبعث أوريا إلى عدو كذا وكذا، قال: فبعثه ففتح له، قال: وكتب إليه بذلك، قال: فكتب إليه أيضًا: أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا؛ أشد منهم بأسًا، قال: فبعثه ففتح له أيضًا قال: فكتب إلى داود بذلك قال: فكتب إليه أن ابعثه إلى عدو كذا وكذا، فبعثه فقتل المرة الثالثة، قال: وتزوج امرأته، قال: فلما دخلت عليه قال: لم تلبث عنده إلا يسيرًا حتى بعث ملكين في صورة إنسيين، فطلبا أن يدخلا عليه، فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس أن يدخلا، فتسوروا عليه المحراب، قال: فما شعر وهو يصلي إذ هو بهما بين يديه جالسين، قال: ففزع منهما فقالا: {لَا تَخَفْ} إنما نحن {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} يقول لا تخف، {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} إلى عدل القضاء، قال: فقال: قصا عليّ قصتكما، فقال أحدهما:{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فهو يريد أن يأخذ نعجتي فيكمل بها نعاجه مائةً، قال: فقال للآخر: ما تقول؟ فقال: إن لي تسعًا وتسعين نعجة، ولأخي هذا نعجة واحدة، فأنا أريد أن آخذها منه فأكمل بها نعاجي مائة، قال: وهو كاره؟ قال: وهو كاره، قال إذن لا ندعك وذاك، قال: ما أنت على ذلك بقادر، قال: فإن ذهبت تروم ذلك أو تريد ضربنا منك هذا وهذا وهذا. وفسر أسباط طرف الأنف وأصل الأنف والجبهة، قال: يا داود أنت أحق أن يضرب منك هذا وهذا وهذا، حيث لك تسع وتسعون نعجة (امرأة)، ولم يكن لأوريا إلا امرأة واحدة، فلم تزل
به تعرضه للقتل حتى قتلته، وتزوجت امرأته، قال: فنظر فلم يرَ شيئًا فعرف ما قد وقع فيه، وما قد ابتلي به، قال: فخر ساجدًّا، قال: فبكى، قال: فمكث يبكي ساجدًّا أربعين يومًا لا يرفع رأسه إلا لحاجة منها، ثم يقع ساجدًّا يبكي، ثم يدعو حتى نبت العشب من دموع عينيه، قال: فأوحى إليه بعد أربعين يومًا: يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، فقال: يا رب كيف أعلم أنك قد غفرت لي وأنت حكم عدل لا تحيف في القضاء إذا جاءك أوريا يوم القيامة آخذا رأسه بيمينه أو بشماله تشخب أوداجه دمًا في قبل عرشك يقول: يا رب، سل هذا فيم قتلني؟ قال: فأوحى إليه: إذا كان ذلك دعوت أهريا فاستوهبك منه فيهبك لي فأثيبه بذلك الجنة قال: رب الآن علمت أنك قد غفرت لي" قال: فما استطاع أن يملأ عينيه من السماء حياءً من ربه حتى قُبض صلى الله عليه وسلم"(1).
6 -
عن الحسن: "أن داود جزَّأ الدهر أربعة أجزاء: يومًا لنسائه، ويومًا لعبادته، ويومًا لقضاء بني إسرائيل، ويومًا لبني إسرائيل يذاكرهم ويذاكرونه ويبكيهم ويبكونه، فلما كان يوم بني إسرائيل قال: ذاكروا فقالوا: هل يأتي على الإنسان يوم لا يصيب فيه ذنبًا؟ فأضمر داود في نفسه أنه سيطيق ذلك، فلما كان يوم عبادته أغلق أبوابه، وأمر أن لا يدخل عليه أحد، وأكب على التوراة، فبينما هو يقرؤها فإذا حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن، قد وقعت بين يديه فأهوى إليها ليأخذها، قال: فطارت فوقعت غير بعيد من غير أن تؤيسه من نفسها، قال: فما زال يتبعها حتى أشرف على امرأة تغتسل، فأعجبه خلقها وحسنها، قال: فلما رأت ظله في الأرض جللت نفسها بشعرها، فزاده ذلك أيضًا إعجابًا بها، وكان قد بعث زوجها على بعض جيوشه، فكتب إليه أن يسير إلى مكان كذا وكذا، مكان إذا سار
(1) إسناده ضعيف. من طريق السدي، وهو مرسل من مراسيله، ومراسيله واهية، وقد أخرجه ابن جرير في تفسيره 23/ 147، وفي تاريخه 1/ 283، والحاكم في المستدرك 3/ 495 من طريق أسباط عن السدي.
وفيه: 1 - السدي: هو إسماعيل بن عبد الرحمن. سئل أبو زرعة عن إسماعيل السدي فقال: لين. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 185. قال الذهبي: حسن الحديث. . قال أبو حاتم: لا يحتج به. . الكاشف 1/ 125. وقال ابن حجر: صدوق يهم، ورمى بالتشيع. التقريب 1/ 52.
2 -
أسباط: هو ابن نصر الهمداني. قال ابن حجر: صدوق، كثير الخطأ، يغرب. التقريب 1/ 40.
إليه لم يرجع، قال: ففعل فأصيب فخطبها فزوجها - قال: وقال قتادة: بلغنا أنها أم سليمان - قال: فبينما هو في المحراب إذ تسور الملكان عليه، وكان الخصمان إذا أتوه يأتونه من باب المحراب، ففزع منهم حين تسوروا المحراب، فقالوا:{خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} حتى بلغ: {وَلَا تُشْطِطْ} أي: لا تَمِلْ، {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي: أعدله وخيره، {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} - وكان لداود تسع وتسعون امرأة - {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} - قال: وإنما كان للرجل امرأة واحدة - {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي: ظلمني وقهرني، فقال:{لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} وإلى قوله: {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ} فعلم داود أنما صمد له؛ أي: عني به ذلك، {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، قال: وكان في حديث مطر أنه سجد أربعين ليلة، حتى أوحى إليه: إني قد غفرت لك، قال: رب وكيف تغفر لي وأنت حكم عدل لا تظلم أحدًا؟ قال: إني أقضيك له، ثم أستوهبه دمك أو ذنبك، ثم أثيبه حتى يرضى، قال: الآن طابت نفسي وعلمت أنك قد غفرت لي" (1).
8 -
قال الحاكم: أخبرنا إسماعيل بن محمد الفقيه بالري، ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس، أنبأ سليمان بن داود الهاشمي، ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس - رضي عنهما - قال:"ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجبٍ عجب به من نفسه، وذلك أنه قال: يا رب ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك يصلي لك، أو يسبح، أو يكبر وذكر أشياء، فكره ذلك، فقال: "يا داود
(1) أخرجها ابن جرير في تفسيره 23/ 147، 148، وتاريخه 1/ 283. والثعالبي في تفسيره 11/ 366 من طريق سعيد عن مطر به.
وفيه: 1 - مطر الوراق: صدوق كثير الخطأ؛ قاله الحافظ في التقريب 2/ 587.
2 -
سعيد: هو ابن أبي عروبة؛ قال الذهبي: قال أبو حاتم: هو قبل أن يختلط ثقة؛ الكاشف 1/ 368. وقال الحافظ: كثير التدليس، واختلط؛ التقريب 1/ 210، وأخرجه عبد الرزاق (في تفسيره 3/ 114) عن معمر، عن عمرو بن عبيد به. وإسناده ضعيف جدًّا. عمرو متروك الحديث. وأخرجه ابن المبارك (في الزهد 472) عن جرير بن حازم به، وجرير قال عنه الذهبي: ثقة، لما اختلط حجبه ولده؛ الكاشف 1/ 181.
وقال الحافظ: له أوهام إذا حدث مِنْ حفظه؛ التقريب 1/ 87.
إن ذلك لم يكن إلا بي فلولا عوني ما قويت عليه، وجلالي لأكلنك إلى نفسك يومًا، قال:"يا رب فأخبرني به"، فأصابته الفتنة ذلك اليوم" (1).
9 -
عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه اليماني قال: لما اجتمعت بنو إسرائيل على داود أنزل عليه الزبور وعلمه صنعة الحديد فألانه له، وأمر الجبال والطير أن يسبحن معه إذا سبح، ولم يعط فيما يذكرون أحدًا من خلقه مثل صوته، كان إذا قرأ الزبور فيما يذكرون تدنو له الوحوش حتى يأخذ بأعناقها، وإنها لمصيخة تسمع لصوته، وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته، وكان شديد الاجتهاد دائب العبادة، فأقام في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر مستخلفًا، وكان شديد الاجتهاد من الأنبياء كثير البكاء، ثم عرض من فتنة تلك المرأة ما عرض له، وكان له محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور ولصلاته إذا صلى، وكان أسفل منه جنينة لرجل من بني إسرائيل، كان عند ذلك الرجل المرأة التي أصاب داود فيها ما أصابه" (2).
(1) إسناده ضعيف. المستدرك 2/ 433، ومن طريقة البيهقي في شعب الإيمان 5/ 453.
وفيه: 1 - موسى بن عقبة، أبو محمد المدنى. وصفه الدارقطني بالتدليس أشار إلى ذلك الإسماعيلي.
2 -
عبد الرحمن بن أبي الزناد. قال الذهبي: قال أبو حاتم وغيره: لا يحتج به: الكاشف 1/ 164. وقال ابن حجر: صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهًا؛ التقريب 1/ 335. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وقال شيخ الإسلام: "وَمَعْلُومٌ أَنَّ فِي "كُتُبِ التَّفْسِيرِ" مِنْ النَّقْلِ عَنْ ابْنِ أبي الزناد شَيْئًا كَثِيرًا مِنْ رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَغَيْرِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ النَّقْلِ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ؛ فَلْيُرَاجَعْ "كُتُبُ التَّفْسِيرِ" الَّتِي يُحَرَّرُ فِيهَا النَّقْلُ مِثْلُ: تَفْسِيرِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطبري الَّذِي يَنْقُلُ فِيهِ كَلَامَ السَّلَفِ بِالْإِسْنَادِ، وَلْيُعْرَضْ عَنْ تَفْسِيرِ مُقَاتِلٍ وَالْكَلْبِيِّ، وَقَبْلَهُ تَفْسِيرُ بقي بْنِ مخلد الْأَنْدَلُسِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إبْرَاهِيمَ دحيم الشَّامِيِّ، وَعَبْدِ بْنِ حميد الكشي وَغَيْرِهِمْ، إنْ لَمْ يَصْعَدْ إلَى تَفْسِيرِ الْإِمَامِ إسْحَاقَ بْنِ راهويه، وَتَفْسِيرِ الْإِمَامِ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالتَّفَاسِيرِ الصَّحِيحَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، كَمَا هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُلُومِ. مجموع الفتاوي 2/ 52.
(2)
إسناده ضعيف. أخرجه ابن جرير (في تفسيره 23/ 149، 150) حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني محمد بن إسحاق به. الراوي عن وهب بن منبه مجهول، ومحمد بن إسحاق مدلس وقد عنعن.
10 -
حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبه: أن داود حين دخل محرابه ذلك اليوم قال: لا يدخلن علي محرابي اليوم أحد حتى الليل، ولا يشغلني شيء عما خلوت له، حتى أمسي، ودخل محرابه ونشر زبوره يقرؤه، وفي المحراب كوة تطلعه على تلك الجنينة، فبينا هو جالس يقرأ زبوره إذ أقبلت حمامة من ذهب حتى وقعت في الكوة، فرفع رأسه فرآها فأعجبته، ثم ذكر ما كان، قال: لا يشغله شيء عما دخل له فنكس رأسه، وأقبل على زبوره، فتصوبت الحمامة للبلاء والاختبار من الكوة، فوقعت بين يديه فتناولها بيده، فاستأخرت غير بعيد فاتبعها فنهضت إلى الكوة، فتناولها في الكوة فتصوبت إلى الجنينة، فأتبعها بصره أين تقع؟ فإذا المرأة جالسة تغتسل بهيئة أعلم بها في الجمال والحسن والخلق، فيزعمون أنها لما وأته نقضت رأسها فوارت به جسدها منه، واختطفت قلبه ورجع إلى زبوره ومجلسه، وهي من شأنه لا يفارق قلبه ذكرها، وتمادى به البلاء حتى أغزى زوجها، ثم أمر صاحب جيشه فيما يزعم أهل الكتاب أن يقدم زوجها للمهالك، حتى أصابه بعض ما أراد به من الهلاك ولداود تسع وتسعون امرأة، فلما أصيب زوجها خطبها داود فنكحها، فبعث إليه وهو في محرابه ملكين يختصمان إليه مثلًا يضربه له ولصاحبه، فلم يَرُعْ داود إلا بهما واقفين على رأسه في محرابه، فقال: ما أدخلكما عليّ؟ قال: لا تخف، لم ندخل لبأس ولا لريبة، {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} ، فجئناك لتقضي بيننا {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} أي: احملنا على الحق ولا تخالف بنا إلى غيره، قال الملك الذي يتكلم عن أوريا بن حنانيا زوج المرأة:{إِنَّ هَذَا أَخِي} أي: على ديني {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أي: احملني عليها ثم {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي: قهرني في الخطاب وكان أقوى مني هو وأعز؛ فحاز نعجتي إلى نعاجه وتركني لا شيء لي فغضب داود فنظر إلى خصمه الذي لم يتكلم فقال: لئن كان صدقني ما يقول لأضربن بين عينيك بالفأس، ثم ارعوى داود فعرف أنه هو الذي يراد بما صنع في امرأة أوريا، فوقع ساجدًّا تائبًا منيبًا باكيًا فسجد أربعين صباحًا صائمًا لا يأكل فيها ولا يشرب حتى أنبت دمعه الخضر تحت وجهه وحتى أندب السجود في لحم