الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادية عشرة: وقوله في القرآن العظيم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9].
الثانية عشرة: وقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 41، 42] فهذه الآيات القرآنية تدل على بطلان القول المزعوم (1).
الثالثة عشرة: أن الله تعالى أخبر أن بيان القرآن على لسان النبي صلى الله عليه وسلم موكول إلى الله تعالى كما قال تعالى: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} وعن ابن عباس رضي الله عنه قوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16)} ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل جبريل بالوحي وكان مما يحرك به لسانه وشفتيه فيشتد عليه وكان يعرف منه فأنزل الله الآية التي في {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1)} {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17)} . قال علينا أن نجمعه في صدرك {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)} فإذا أنزلناه فاستمع {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} علينا أن نبينه بلسانك. قال فكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعد الله. (2)
وإذا كان البيان موكولًا إلى الله تعالى فهذا يجعل صحة هذه القصة أمرًا مستحيلًا.
وقال الشنقيطي: والحاصل: أن القرآن دل على بطلانها، ولم تثبت من جهة النقل، مع استحالة الإلقاء على لسانه صلى الله عليه وسلم لما ذكر شرعًا، ومن أثبتها نسب التلفظ بذلك الكفر للشيطان. فتبين أن نطق النَّبي صلى الله عليه وسلم بذلك الكفر، ولو سهوًا مستحيل شرعًا، وقد دل القرآن على بطلانه، وهو باطل قطعًا على كل حال. (3)
الوجه الرابع: الأدلة من السنة على بطلان واستحالة هذه القصة
.
(1) تفسير الرازي سورة الحج آية 52، ودفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (1/ 61).
(2)
أخرجه البخاري (4645) معلقًا.
(3)
أضواء البيان.
1 -
عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تَسَمَّوْا بِاسْمِى وَلَا تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِى، وَمَنْ رَآنِى في الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِى، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ في صُورَتِى، وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"(1)
ومنع الشيطان أن يتصور في خلقته لئلا يكذب على لسانه في النوم كما خرق الله تعالى العادة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالمعجزة وكما استحال أن يتصور الشيطان في صورته في اليقظة (2).
فقوله: "ولا يتمثل الشيطان بي"، قال القسطلاني: هو كالتتميم للمعنى والتعليل للحكم أي لا يحصل له أي للشيطان مثال صورتي ولا يتشبه بي فكما منع الله الشيطان أن يتصور بصورته الكريمة في اليقظة كذلك منعه في المنام لئلا يشتبه الحق بالباطل. (3)
وقال الآلوسي: وإذا لم يتمثل منامًا فلأن لا يتمثل يقظة من باب أولى، وعلله الشراح بلزوم اشتباه الحق بالباطل. اهـ (4)
قلت: فإذا منع الشيطان من التشبه به فمن ذلك صوته وقراءته في تبليغ الوحي للناس فلو حدث لكان فيه أعظم التلبيس على الناس فلأن يمنع الشيطان من ذلك من باب أولى والله أعلم.
2 -
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ"(5).
والحديث محمول على ظاهره أن الشيطان متى رأى عمر سالكا فجا هرب هيبة من عمر، وفارق ذلك الفج، وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئا
(1) أخرجه البخاري (110).
(2)
عمدة القاري (2/ 155).
(3)
عون المعبود (13/ 250)، وفيض القدير (6/ 131)
(4)
روح المعاني (13/ 111).
(5)
أخرجه البخاري (3294)، مسلم (2396).
قال القاضي، ويحتمل أنه ضرب مثلًا لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد خلاف ما يأمر به الشيطان. (1)
قال الحافظ ابن حجر: فيه فضيلة عظيمة لعمر تقتضي أن الشيطان لا سبيل له عليه لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا منع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته فإن قيل عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة لأنه إذا منع من السلوك في طريق فالأولى أن يلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له فيمكن أن يكون حفظ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة لأنها في حق النبي واجبة وفي حق غيره ممكنة ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ إن الشيطان لا يلقى عمر منذ أسلم إلا خر بوجهه وهذا دال على صلابته في الدين واستمرار حاله على الجد الصرف والحق المحض. (2)
قلت: وإذا كان هذا لعمر رضي الله عنه وهو ليس بمعصوم فرسول الله به أولى لأنه معصوم من الله عز وجل، والله أعلم
3 -
ومما يؤكد ذلك هذا الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة قال: "إن الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته ولقد هممت أن أوثقه إلى سارية حتى تصبحوا فتنظروا إليه فذكرت قول سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} . فرده الله خاسئًا. (3)
وإذا أمكنه الله منه في الصلاة فأن يحفظه منه في إبلاغ الوحي من باب أولى.
4 -
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله، قال: وإياي؛ إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير"(4)
(1) شرح مسلم للنووي (15/ 166).
(2)
تحفة الأحوذي (10/ 123).
(3)
أخرجه البخاري (1152) ومسلم (542).
(4)
أخرجه مسلم (2814).