الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير من بلاد المسلمين؟ !
فكيف يكون الحج رمزًا من رموز الجاهلية؟ وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه المخالفات التي كانت في الجاهلية والتي تتناقض مع نقاء الإسلام وطُهرِهِ. . ومن المعلوم أن كل العبادات وما جاء فيها من أوامر ونواه كلها أمور توقيفية. . لا دخل للاجتهاد فيها؛ كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الأمور التي جاء بها الشرع الحكيم. فهذا يدلنا على أن الإسلام أراد بالحج تثبيت التوحيد لا إدخال طقوس الشرك.
الوجه الثامن: النبي صلى الله عليه وسلم يلغي أمور الجاهلية في حجته صلى الله عليه وسلم
-.
من أجل ذلك - حفاظًا على الإسلام - ألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل أمور الجاهلية. . وفي خطبة عرفات قال صلى الله عليه وسلم في جزء من الخطبة القيمة: ، فكان مما قال فيها:"أَلَا كُلُّ شيء مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قدمي مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا في بني سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ"(1).
فكيف يكون الحج رمزًا من رموز الجاهلية؟ وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم كل هذه المخالفات التي كانت في الجاهلية والتي تتناقض مع نقاء الإسلام وطُهرِهِ. ومن المعلوم أن كل العبادات وما جاء فيها من أوامر ونواه كلها أمور توقيفية. لا دخل للاجتهاد فيها؛ كالصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الأمور التي جاء بها الشرع الحكيم. (2)
الوجه التاسع: التماس بعض الحكم من أعمال الحج
.
تقبيل الحجر:
قال السعدي: فمن تبرك بشجر أو حجر ونحوهما فإن ذلك من الشرك، ومن أعمال المشركين فإن العلماء اتفقوا على أنه لا يشرع التبرك بشيء من الأشجار والأحجار والبقع والمشاهد وغيرها. فإن هذا التبرك غلو فيها وذلك يتدرج به إلى دعائها وعبادتها، وهذا هو الشرك الأكبر كما تقدم انطباق الحد عليه، وهذا عام في كل شيء حتى مقام إبراهيم وحجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصخرة بيت المقدس وغيرها من البقع الفاضلة.
(1) أخرجه مسلم (1218).
(2)
الصواعق السماوية علي منكري آيات الكتاب وصحيح السنة (راشد بن عبد المعطي بن محفوظ) 1/ 24.
وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته فهو روح التعبد. فهذا تعظيم للخالق وتعبد له، وذلك تعظيم للمخلوق وتأله له.
فالفرق بين الأمرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد، والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد. (1)
فقد اتفق العلماء على أنه لا يشرع تقبيل شيء من الأحجار واستلامه إلا الحجر الأسود خاصة، وأجمعوا على حرمة الطواف بالقبور وأنه من وسائل الشرك إلا إن كان يقصد بطوافه التقرب والتعبد للمقبور فهو شرك أكبر، وأجمعوا على حرمة الطواف بالمساجد المبنية بعرفة أو منى. (2)
ولقد انعقد إجماع الأمة على مشروعية تقبيل الحجر الأسود، وعليه فمن يدعي أن ذلك ينافي دعوة الإسلام لنبذ الأوثان فدعواه باطلة فشتان بين من يأتي ذلك طاعة لله ورسوله معتقدًا أن الحجر لا ينفع ولا يضر وبين من يقدس الأوثان التي نهى الله عن الاقتراب منها، فطواف المسلم بالكعبة المشرفة وصلاته إليها إنما هي عبادة لله لا لها.
الرمي: قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحج من الإحياء: وأما رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهارًا للرق والعبودية، وانتهاضًا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس في ذلك؛ ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم عليه السلام حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية، فأمره الله عز وجل أن يرميه بالحجارة طردًا له وقطعًا لأمله، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان، فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟
فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي، فبذلك ترغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره،
(1) القول السديد شرح كتاب التوحيد 1/ 15.
(2)
الإجماع العقدي 1/ 7.
إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيمًا له بمجرد الأمر، من غير حظ للنفس والعقل فيه. (1)
القصد بذبح الذبائح أيام منى، وفي عيد الأضحى في سائر الأمصار هو طاعة الله، وامتثال ما أمر به، وما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه لأمته، وتقوى الله سبحانه وتعالى في هذا كله، لأن ذلك من شعائر الله، وتقوى الله سبحانه وتعالى في هذا كله، لأن ذلك من شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب - أي أوامره - فإنها من تقوى القلوب، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن.
ومن القصد بالذبائح أيام منى إظهار نعمة الله بالتوسعة على فقراء المسلمين، وإحياء سنة الخليل إبراهيم عليه السلام، وإذا كان من المعلوم المستقر عند الخلق أن علامة المحبة الصحيحة بذل الروح والمال في مرضاة المحبوب، فالمحبوب الحق - الذي لا تنبغي المحبة إلا له، وكل محبة سوى محبته فالمحبة له باطلة - أولى بأن يشرع لعباده الجهاد الذي هو غاية ما يتقربون به إلى إلههم وربهم.
وكانت قرابين من قبلهم من الأمم ذبائحهم وقرابينهم تقديم أنفسهم للذبح في الله مولاهم الحق، فأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة، ولهذا ادخرها الله لأكمل الأنبياء، وأكمل الأمم، عقلًا وتوحيدًا، ومحبة لله.
وأما الضحايا والهدايا فقربان إلى الخالق سبحانه تقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف فدية وعوضًا وقربانًا إلى الله، وتشبها بإمام الحنفاء، وإحياء لسنته، أن فدى الله ولده بالقربان، فجعل ذلك في ذريته باقيًا أبدًا.
وتأمل حكمة الرب تعالى في أمره إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم بذبح ولده، لأن الله اتخذه خليلًا، والخلة منزلة تقتضي إفراد الخليل بالمحبة، وأن لا يكون له فيها منازع أصلًا، بل قد تخللت محبته جميع أجزاء القلب والروح، فلم يبق فيها موضع خال من حبه، فضلًا عن أن يكون محلًا لمحبة غيره. (2)
فلما سأل إبراهيمُ الولدَ وأعطيه، أخذ شعبةً من قلبه، كما يأخذ الولد شعبة من قلب والده، فغار المحبوب على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره، فأمره بذبح الولد ليخرج حبه من قلبه،
(1) مجلة المنار 16/ 675.
(2)
إقامة الحجة والدليل وإيضاح الحجة والسبيل 1/ 26.