الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتراضية، ويقدر قول محذوف: وقلنا لا تزد الظالمين، والمعنى: ولا تزد في دعائهم فإن ذلك لا يزيدهم إلَّا ضلالًا، فالزيادة منه تزيدهم كفرًا وعنادًا، وبهذا يبقى الضلال مستعملًا في معناه المشهور في اصطلاح القرآن، فصيغة النهي مستعملة في التأييس من نفع دعوته إياهم، وأعلَمَ الله نوحًا أنه مهلكهم بقوله:{أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا} [نوح: 25] وهذا في معنى قوله: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [هود: 36، 37](1).
ثامنًا: أنَّ يكون المعنى كما هو على ظاهره. وإنما دعا عليهم بعد أن أعلمه الله أنهم لا يؤمنون وهو قوله تعالى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} (هود: 36)(2).
وهذا دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله: {رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس: 88]، وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه وأغرد اأمته بتكذيبهم لما جاءهم به (3). وإنما دعا ذلك ليأسه من إيمانهم (4).
ومع هذا فقد ثبت في حديمث الشفاعة في الصحيح أنه يقول: إني دعوت على أهل الأرض دعوة لم أؤمر بها، فإنه وإن لم ينه عنها فلم يأمر بها، فكان أولى أن لا يدعو إلا بدعاء مأمور به واجب أو مستحب، فإن الدعاء من العبادات فلا يعبد الله إلا بمأمور به واجب أو مستحب، وهذا لو كان مأمورًا به لكان شرعًا لنوح، ثم ننظر في شرعنا هل نسخه أم لا؟ (5)
الوجه الثامن: فضل نوح عليه السلام
-.
1 -
أنه أول رسول إلى أهل الأرض بعد آدم عليه السلام (6).
(1) التحرير والتنوير لابن عاشور (29/ 211).
(2)
تفسير الخازن (4/ 347)، مجموع فتاوى ابن تيمية (8/ 336).
(3)
تفسير ابن كثير (4/ 568).
(4)
تفسير القاسمي (16/ 300).
(5)
فتاوى ابن تيمية (8/ 336).
(6)
تفسير ابن كثير (2/ 158).
2 -
قال عنه رب العالمين: {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ} أي: من قبله هديناه كما هديناه، ووهبنا له ذرية صالحة، وكل منهما له خصوصية عظيمة، أما نوح عليه السلام، فإن الله تعالى لما أغرق أهل الأرض إلا من آمن به - وهم الذين صحبوه في السفينة - جعل الله ذريته هم الباقين، فالناس كلهم من ذرية نوح، وكذلك الخليل إبراهيم عليه السلام لم يبعث الله عز وجل بعده نبيًّا إلا من ذريته، كما قال تعالى:{وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [العنكبوت: 27]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد: 26]، وقال تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)} [مريم: 58](1).
3 -
دعوته لقومه لخوفه عليهم ولحب الخير لهم. قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} [الأعراف: 59].
وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (106) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (107) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (108) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (109) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (110)} [الشعراء: 106 - 110].
4 -
من جزاء الله لنوح عليه السلام ثناء الناس عليه. قال تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} [الصافات: 79 - 81].
قال ابن كثير: وقوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79)} مفسر لما أبقى عليه من الذي الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه في جميع الطوائف والأمم {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي: هكذا نجزي من أحسن من العباد في طاعة الله، نجعل له لسانَ صدْق يذكر به بعده بحسب مرتبته في ذلك، ثم قال:{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} أي: المصدقين الموحدين الموقنين (2).
أثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين فيسلمون عليه بكليتهم، ثم إنه
(1) تفسير ابن كثير (2/ 208).
(2)
تفسير ابن كثير (7/ 22)، وانظر تفسير الطبري (21/ 59).