الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة: قتل الصبيان واستحياء النساء
.
نص الشبهة:
قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} [القصص: 4].
فاعترضوا على ذلك بقولهم: هنا يأمر فرعون بقتل الصبيان واستحياء البنات الذين آمنوا مع موسى عندما جاءهم بالحق. وفي التوراة أن فرعون أمر بقتل الصبيان قبل ولادة موسى؟
والجواب على هذه الشبهة من وجهين:
الوجه الأول: كتابكم محرف فلا يجوز الاعتراض به علي القرآن.
الوجه الثاني: القرآن أثبت أن القتل كان مرتين، وبيان الحكمة من ذلك
.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أن كتابكم محرف فلا يجوز الاعتراض به على القرآن
.
ومن ذلك أن التاريخ يأتي في موضع ويأتي في نفس الموضع أو غيره ما يناقضه، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى أن عندهم في كتابهم أن فرعون كان يأمر بقتل الأولاد (الذكور) من بني إسرائيل لتضعف شوكة بني إسرائيل فلا يقاومونهم إذا غالبوهم أو قاتلوهم، أو أنهم ينضمون إلي أعداء فرعون إذا حدث حرب سفر الخروج (1/ 11: 9). وكل هذا عنهم كان قبل ولادة موسى عليه السلام.
وهذا كما قال ابن كثير: فيه نظر بل هو باطل (1). وذلك لأن هذا القتل إنما كان بعد بعثة موسى عليه السلام. وأيضًا فما الدافع من قتل الولدان إلا إذا كان خوفًا من ظهور موسى الغلام الذي يزول ملك فرعون علي يده، وهو موسى عليه السلام.
وكيف يخاف فرعون من بني إسرائيل وهو أيضًا قد سخرهم في أعماله وليست لهم شوكة.
الوجه الثاني: القرآن أثبت أن القتل كان مرتين وبيان الحكمة من ذلك.
(1) قصص الأنبياء (2/ 6).
الموضع الأول: فكان قبل ولادة موسى عليه السلام كما قال تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4)} [القصص: 4]. وكان هذا الأمر لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عدوهم أو لمجموع الأمرين.
الموضع الثاني: فكان بعد ما وقع من الأمر العظيم وهو الغلب الذي غلبته القبط في ذلك الموقف الهائل وأسلم السحرة الذي استنصروا بهم، كما قال تعالى:{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127)} [الأعراف: 127]. وكما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)} [غافر: 25]. وكان الغرض من هذا الأمر لإهانة هذا الشعب والتقليل لملأ بني إسرائيل لئلا يكون لهم شوكة يمتنعون بها ويصولون على القبط بسببها وليتشاءموا بموسى عليه السلام.
وهذا هو قول جمهور المفسرين (1). وممن قال بهذا القول قتادة رضي الله عنه حيث قال في تفسير هذه الآية: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (25)} [غافر: 25].
قال رحمه الله: هذا بعد القتل الأول. وفي لفظ هذا قتل غير القتل الأول الذي كان (2).
* * *
(1) جامع البيان للطبري (14/ 56)، والرازي (27/ 54)، والقرطبي (15/ 292)، وابن كثير (12/ 184)، وفتح القدير (4/ 685)، وروح المعاني (24/ 62)، والتحرير والتنوير (24/ 123).
(2)
عبد الرزاق في تفسيره (2670) من حديث معمر عن قتادة وإسناده صحيح، وأخرجه الطبري تفسيره (24/ 56) من حديث سعيد بن أبي عروبة عنه.