الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذبح لغير الله تعالى، وجعله من المحرمات {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ، فكيف وهم يذبحون لعزازيل وهو الشيطان بزعمهم.
خصوصية الحج في الإسلام:
وهذا يتضح بجلاء من خلال معاينة النقاط التالية:
1 -
لقد خطا الإسلام بالضمير الإنساني شوطًا بعيدًا في جميع المناسك والعبادات، فالمسلم لا يحج إلى الكعبة ليعزز فيها سلطان الكهان أو ليقدم إليهم القرابين والإتاوات، وإنما هي فريضة للأمة وفي مصلحة الأمة، وعلى شريعة المساواة بين أبناء الأمة، وهي بهذه المثابة فريضة اجتماعية تعلن فيها الأمم الإسلامية وحدتها، والمساواة بين الكبير والصغير أمام الله وعند بيت الله.
أي جاذبية تلك التي تجمع هذا العدد العظيم من الناس على اختلاف ألسنتهم وألوانهم؟ ، وعلى الرغم من هذا يتحد تفكيرهم بعد المجيء إلى مكة، فالكل يسير نحو هدف مشترك حتى إنه ليبدو أن هناك مغناطيسًا ربانيًا يجذب كل هؤلاء إلى نقطة واحدة مشتركة، وهذا التوحد والانصهار إنما يعيد صياغة المسلم بقوة واقتدار، فيريه جنسيته الحقيقية، إنه مسلم، وهذه جنسيته الحقيقية التي منحه إياها الإسلام، وهذا الوطن المعنوي الذي يحتل الأرض كلها والسماء له عليه حقوق، وإخوانه في هذه الجنسية لهم عليه حقوق، وهذا الفهم يحدث اتساعًا في مدارك المسلم بقدر اتساع آفاق الإسلام.
2 -
إن هؤلاء اليهود والنصارى يعيبون شعيرة الرجم في الإسلام ويعيبون تقبيل الحجر الأسود ويعتبرون ذلك من بقايا الوثنية، والإسلام بريء من افتراءاتهم، فإن تعظيم المسلم للمناسك وأماكنها تعظيم لله تعالى، وهم على الرغم من ذلك يبعدون النجعة في فهمهم لمعنى الضحية، فيقدمون ضحيتين إحداهما لله والأخرى لروح الشر التي يمثلها عزازيل، فإن التضحية ليست في الإسلام طعامًا للكهان أو طعامًا للإله أو قربانًا لكسب الرضى من عزازيل، ولكنها صدقة أو سخاء من النفس في سبيل العبادة، يشير بها الإنسان إلى واجب الضحية بشيء من الدنيا في سبيل الدين متجشمًا لذلك مشقة الرحلة وتكاليفها جهد المستطيع، وهي في الإسلام تطهير النفس وطعمة للفقراء والمساكين، فإنها تعني إراقة دم الرذيلة بيد اشتد ساعدها في بناء الفضيلة، ورمز للتضحية والفداء على مشهد من جند الله الأطهار الأبرار،
فليست التضحية سلبية تعني اتقاء قوى الشر، ولكنها في الإسلام تتعدى هذا المعنى السلبي إلى معنى أجل وأرفع، وهو مقاومة الشر والرذيلة والتضحية في سبيل ذلك.
3 -
والحج في الإسلام شحنة روحية متقدة لا تخبو، تريه ماضي دينه العريق وحاضره الخصب ومستقبله المأمول، وتربطه بمشاعر الحب والأخوة والمسئولية فتملأ جوانحه خشية وتقى لله، وعزمًا على طاعته وندمًا على معصيته، وتغذي فيه عاطفة الحب لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولمن عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أُنزل معه، وتوقظ فيه مشاعر الأخوة لأبناء دينه في كل مكان وتوقد صدره شعلة الحماسة لدينه والغيرة على حرماته، وهذه الدلالة الروحية في الإسلام لا ترتبط بموسم الزرع والحصاد، فإنه يتفق في جميع المواسم والمواعيد ويأتي في الشتاء أو الصيف كما يأتي في الربيع، وهو بهذا المعنى علاقة سماوية روحية تناسب مقصدها الأسمى من تحقيق الرابطة بين الأمم التي تدين بعقيدة واحدة في أرجاء الكرة الأرضية على تباعد مواقعها واختلاف أجوائها وفصولها، فهو رابطة من روابط السماء تؤمن بها أمم وحدتها العقيدة السماوية، وإن فرقت بينها شتى المطارح والبقاع.
4 -
الحج في الإسلام هو فريضة الله الباقية في صورتها الشاملة الكاملة كما نزل بها الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن ضيع اليهود والنصارى هذه الشعيرة واستبدلوا بها شعائر ما نزَّل الله بها من سلطان، بل وضعها كهنتهم ورجال دينهم، ولقد طال بحث المؤرخين الغربيين عن أصول الحج إلى الكعبة قبل الإسلام وتواترت الأقوال بتعدد الأبنية التي كانت من قبليها في الجزيرة العربية، ومنها كعبة صنعاء التي يقال إنها كانت في موضع مسجد غمدان وكعبة نجران التي كشفها الرحالة المعروف الشيخ عبد الله فلبي سنة 1936 م، وغير هاتين الكعبتين مما ورد في بعض الأخبار الضعاف بغير سند من دلائل الثقات، وأيًا كان القول الفصل في تاريخ الماضي فالحج الإسلامي في عصرنا هذا هو الفريضة الوحيدة الباقية من قبيلها في جميع الأديان الكتابية.
فهيكل بيت المقدس قد تهدم منذ القرن الأول للميلاد، ولم يرد في الأناجيل المسيحية نص على مكان مقدس مفروض على المسيحيين أن يحجوا إليه، وكل ما عرف بعد القرون الأولى فإنما اتبع فيه الخلف سنة الملكة (هيلانة) أم الإمبراطور قسطنطين التي قيل إنها وجدت
الصليب الأصيل في فلسطين عندما توجهت إليها لزيارة آثار السيد المسيح، وهي قصة يكفي للدلالة على قيمتها التاريخية أن رواتها جميعًا نقلوها بعد عصر الملكة (هيلانة)، وأن مؤرخ العصر الأكبر (يوسيبيوس) لم يشر إليها بكثير أو قليل على شدة اهتمامه باستقصاء الأخبار التي لا تُدرك بالقياس إلى هذا الخبر العظيم، أما فريضة الحج الإسلامي قد بقيت لها رسالتها التي لا عبث فيها ولا موضع للمكر والدسيسة من ورائها، وإن رسالتها اليوم في العالم الإسلامي لأعظم وألزم من رسالتها في جميع الأزمنة لأنا العهد المجدد في كل عام بين شعوب الإسلام في عصرهم أحوج ما يكونون فيه إلى الوفاق والوئام.
فنحن الآن أمام فريضة إلهية وتنزلات سماوية، لا تدخُّل فيها لبشر، ولا إضافة ولا حذف، بل هي وحي الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم لم تَشُبْه لوثات الجاهلين ولا افتراءات المضللين. (1)
* * *
(1) شبهات المستشرقين حول العبادات في الإسلام د. ناصر السيد صـ 408 - 383 باختصار.