الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا هو الهدف الثالث في دعوة الأنبياء والرسل. لأن كل نبي كان يأتي لقومه ليعالج مشكلة معينة، ومن خلال معالجته لتلك المشكلة يدعو قومه إلى العمل الصالح.
سيدنا نوح عليه السلام: حيث قال الله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (3)} [نوح: 3]. والتقوى هي: جماع خصال البر.
سيدنا لوط عليه السلام وهو ينفر قومه من ارتكاب جريمة اللواط، حيث قال الله تعالى:{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)} [الأعراف: 85، 86]. ثم يبين لهم الأفضل من ذلك في معرض الكلام: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ} [الشعراء: 166]. سيدنا شعيب عليه السلام ينهي قومه عما فشا فيهم من التطفيف في الكيل والميزان وبخس الناس أشياءهم والسعي بالفساد بين الناس وصدهم عن سبيل الله. قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ. . .} (الأعراف: 85). وسيدنا موسى عليه السلام: قال تعالى: {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)} [الأعراف: 128].
سيدنا عيسى عليه السلام حيث قال الله تعالى على لسان عيسى عليه السلام: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30)} [مريم: 30].
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التي جمعت شريعته هذه الخصال حيث قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ. . .} [الأنعام: 151 - 153].
ومن هنا يتضح لنا أن الدين واحد وهو الإسلام كما أن أصول الرسالات السماوية واحدة، إلا أن كل نبي يبعث إلى أمة معينة لأهداف معينة استلزمت اختلاف الشرائع التي شرعها الله لكل أمة.
المبحث الثالث: لكل أمة شرعةً ومنهاجًا
.
قد قدمنا في المبحثين الأولين أن أصل الدين واحد وهو دين الإسلام، وأن الأهداف التي جاءت بها الرسالات واحدة. فهذا لا يمنع أن تختلف الشرائع وذلك حسب الظروف والأوضاع التي كانت سائدة بها بما يكفل صلاحها ويزيل ما ران في قلوبها من ظلمات. والقرآن الكريم يخبرنا أن الرسل جميعًا حملوا ميزان العدل والقسط، قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]. وأنهم أمروا بأن يكسبوا رزقهم بالحلال، قال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51]، ولذلك قال الله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48].
فهذا إخبار عن الأمم المختلفة باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد. فالشرائع مختلفة في الأوامر والنواهي، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حرامًا، ثم يحل في الشريعة الأخرى وبالعكس، وخفيفًا فيزداد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة والحجة الدامغة. وهذا خطاب لجميع الأمم وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة لا ينسخ منها شيئًا. ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرعة على حدة ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة وجعله خاتم الأنبياء كلهم. ولهذا قال تعالى:{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة: 48]. أي أنه تعالى شرع لنا الشرائع مختلفة ليختبر عباده فيما شرع لهم. ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله (1).
وممن قال به علي رضي الله عنه قال: الإيمان منذُ بَعث الله تعالى ذكره آدم صلى الله عليه وسلم: شهادةُ أن لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله، لكلّ قوم ما جاءَهم من شرعة أو منهاج، فلا يكون المقرُّ
(1) تفسير الطبري (6/ 270)، والمحرر الوجيز (2/ 200)، والقرطبي (6/ 201 - 202)، وابن كثير (5/ 448 - 449)، وفتح البيان (3/ 443 - 445).