الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - شبهة الغرانيق
نص الشبهة:
تحت عنوان: (وحي من الشيطان) كتب أعداء الإسلام ما يلي:
جاء في سورة الحج: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} [الحج: 52]، حيث قالوا: قال المفسرون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم لما كان في مجلس قريش أنزل الله عليه سورة النجم فقرأها حتى بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} ، فألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه - وهو: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فلما سمعت قريش فرحوا به، ومضى محمد صلى الله عليه وسلم في قراءته، فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها، وسجد المسلمون بسجوده، كما سجد جميع المشركين، وقالوا: لقد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، وقد عرفنا أن الله يحيي ويميت؛ ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده! .
قالوا: ونحن نسأل: كيف يقر محمد صلى الله عليه وسلم لوحدانية الله عز وجل ويمدح آلهة قريش ليتقرب إليهم، ويفوز بالرياسة عليهم بالأقوال الشيطانية؟ وما الفرق بين النبي الكاذب والنبي الصادق إذا كان الشيطان ينطق على لسان كليهما؟
والجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن القصة من جهة الإسناد لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
-.
الوجه الثاني: الراجح عند أهل العلم أن المرسل ليس بحجة.
الوجه الثالث: الأدلة من القرآن على بطلان هذه القصة.
الوجه الرابع: الأدلة من السنة على بطلان واستحالة هذه القصة.
الوجه الخامس: الأدلة من المعقول على بطلان القصة.
الوجه السادس: في ذكر بعض كلام المحققين على هذه القصة.
الوجه السابع: ولكن أهل العلم أجابوا عنها على فرض صحتها، وقد أعاذنا الله من صحتها.
وإليك التفصيل
الوجه الأول: أن القصة من جهة الإسناد لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالطريق المسندة عن ابن عباس رضي الله عنه شديدة الضعف وبقية الطرق مرسلة، وإليك بيان كل طريق وما فيه من علة.
أولا الرواية المسندة: عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فلما بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وشفاعتهم ترتجى فلما بلغ آخرها سجد، وسجد المسلمون، والمشركون فأنزل الله عز وجل {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} إلى قوله {عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ} يوم بدر. (1)
(1) ضعيف جدًا، وله طرق عن ابن عباس رضي الله عنه:
الطريق الأول: أخرجه الطبراني في الكبير (12450)، ، ومن طريقه الضياء في المختارة (84) من طريق الحسين بن إسحاق التستري، وعبدان بن أحمد.
وأخرجه الضياء في المختارة (83) من طريق ابن مردويه، عن محمد بن أحمد بن إبراهيم عن علي بن الحسين بن الجنيد، عن أحمد بن محمد بن عاصم، وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (3/ 72) من طريق يوسف بن حماد، جميعهم (الحسين، وعبدان، وأحمد بن محمد بن عاصم، ويوسف بن حماد) عن أمية بن خالد، عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس فيما أحسب وذكره بهذا الشك فيه واختلف على شعبة في وصل الحديث وأرسله، فأخرجه عنه أمية بن خالد كما تقدم متصلًا، وخالفه جماعة فرووه عن شعبة بهذا الإسناد إلى ابن جبير مرسلًا وها هم:
1 -
محمد بن جعفر (وهو أثبت الناس في شعبة) أخرجه الطبري في تفسير سورة الحج آية (52) من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة به مرسلًا.
2 -
عبد الصمد، أخرجه الطبري من طريق ابن المثنى، حدثني عبد الصمد، عن شعبة به مرسلًا.
3 -
أبو داود الطيالسي، أخرجه ابن أبي حاتم كما ذكره ابن كثير من طريق يونس بن حبيب، عن أبي داود عن شعبة به، فهؤلاء أصحاب شعبة الأثبات فيه، ومحمد بن جعفر هو ربيب شعبة، وهو المشهور بغندر، قال ابن المبارك: إذا اختلف الناس في حديث شعبة فكتاب غندر حكم بينهم.
قلت: وتابعه اثنان من الأثبات على الإرسال، فثبت شذوذ أمية بن خالد ووهمه في الرواية.
الطريق الثاني: أخرجه الضياء في المختارة، فقال: أخبرنا أبو القاسم بن أحمد بن أبي القاسم الخباز، أن أبا الخير محمد بن رجاء بن إبراهيم أخبرهم ابن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن موسى بن مردويه حدثني إبراهيم بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= محمد حدثني أبو بكر محمد بن علي المقرئ البغدادي، ثنا جعفر بن محمد الطيالسي، ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد ضعيف فيه أبو بكر المقريء؛ واسمه محمد بن على بن الحسن أبو بكر المقريء ترجم له الخطيب في التاريخ (3/ 68) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الألباني: مجهول الحال واختلف على عثمان بن الأسود، فأخرجه عنه أبو عاصم النبيل كما سبق متصلًا وأخرجه عنه يحيى القطان مرسلًا.
أخرجه الواحدي في أسباب النزول (1/ 209) فقال: أخبرنا أبو بكر الحارثي، قال: أخبرنا أبو بكر بن حيان قال: أخبرنا أبو يحيى الرازي قال: أخبرنا سهل العسكري قال: أخبرنا يحيى (هو القطان) عن عثمان بن الأسود، عن سعيد بن جبير به مرسلًا.
وإسناده صحيح إلى سعيد بن جبير، والقطان أحفظ من أبي عاصم ورواية أبي عاصم مقدمة على روايته، ثم إن إسناد الطريق الأول ضعيف.
الطريق الثالث: أخرجه الطبري فقال: حدثني محمد بن سعد قال: ثني أبي قال: ثني عمي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس بنحوه،
قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على تفسير الطبري 1/ 263: هو إسناد مسلسل بالضعفاء من أسرة واحدة، إن صح هذا التعبير! وهو معروف عند العلماء بـ "تفسير العوفي"، لأن التابعي - في أعلاه - الذي يرويه عن ابن عباس، هو "عطية العوفي". اهـ
ففي الإسناد محمد بن سعد قال الخطيب: كان لينًا (التاريخ 5/ 322، 323)
والده سعد بن محمد بن الحسن بن عطية العوفي ضعيف (تاريخ بغداد 9/ 126)
وعمه الحسين بن الحسن بن عطية متفق على ضعفه (تاريخ بغداد 8/ 29)
وأبوه الحسن بن عطيه وجده عطية العوفي ضعيفان مشهوران بالضعف (تهذيب التهذيب 2/ 272). فالطريق واهي لا يصلح للاعتبار.
الطريق الرابع: أخرجه ابن مردويه - نقلًا عن فتح الباري 8/ 439 من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وقال البزار: وإنما يروى هذا عن أبي صالح عن ابن عباس.
قلت: وإسناده ضعيف جدًا، والكلبي متهم بالكذب ورمي بالرفض كما قال الحافظ في التقريب (5901)، وأبو صالح لم يسمع من ابن عباس.
الطريق الخامس: عن ابن عباس ذكرها الحافظ بعد ذكر الطريق السابقة فقال فيما يعزوه لابن مردويه: وعن أبي بكر الهذلي، وأيوب عن عكرمة، عن ابن عباس.
وهذا إسناد ضعيف جدًا أبو بكر الهذلى إخباري متروك الحديث؛ كما في التقريب (8283)
ثانيًا: الروايات المرسلة:
أولًا: مرسل سعيد بن جبير وهو صحيح إليه، وقد سبق تخريجه مع طريق ابن عباس.
ثانيًا: مرسل محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه فأنزل الله عليه: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2)} [النجم: 1، 2] فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 19، 20] ألقى عليه الشيطان كلمتين: تلك الغرنقة العلى وإن شفاعتهن لترتجى فتكلم بها ثم مضى فقرأ السورة كلها فسجد في آخر السورة وسجد القوم جميعا معه ورفع الوليد بن المغيرة ترابًا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخًا كبيرًا لا يقدر على السجود فرضوا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليه السلام فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ} [الإسراء: 73] إلى قوله: {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)} [الإسراء: 75] فما زال مغمومًا مهمومًا حتى نزلت عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض
= وأيوب هو السختياني والظاهر أن الراوي قرن أيوب مع أبي بكر في رواية أصل الحديث لا في هذه الزيادة ومما يبين ذلك أن البخاري أخرج رواية أيوب للحديث برقم (4862: 1071) من غير ذكر ولا إشارة لقصة الغرانيق فظهر بهذا أنها ليست من رواية أيوب ولكن الراوي قرنه معه في قصة السجود فقط.
الطريق السادس: ذكرها الحافظ وعزاها لابن مردويه من طريق سليمان التيمي عمن حدثه عن ابن عباس به، وهذه رواية ظاهرة الانقطاع ومن ثم قال الحافظ في الفتح 8/ 439 بعد ذكر هذه الطرق: وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع.
وكلام ابن حجر هذا يؤيد ما رجحناه من شذوذ الطريق الموصولة، وأن المحفوظ الطريق المرسل.
الحبشة أن أهل مكة قد أسلموا كلهم فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحب إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ الله ما ألقى الشيطان" (1)
ثالثًا: مرسل محمد بن كعب القرظي:
قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تولي قومه عنه، وشق عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند الله تمنى في نفسه أن يأتيه من الله ما يقارب به بينه وبين قومه وكان يسره مع حبه وحرصه عليهم أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم حين حدث بذلك نفسه وتمنى وأحبه فأنزل الله:{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} [النجم: 1، 2]، فلما انتهى إلى قول الله {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمنى أن يأتي به قومه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن ترتضى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا وسرهم وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم فأصاخوا له والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم ولا يتهمونه على خطأ ولا وهم ولا زلل فلما انتهى إلى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون بسجود نبيهم تصديقًا لما جاء به واتباعًا لأمره وسجد من في المسجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخًا كبيرًا فلم يستطع فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها ثم تفرق الناس من المسجد وخرجت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم يقولون: قد ذكرنا محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقد زعم فيما يتلو أنه الغرانيق العلى وأن شفاعتهن ترتضى وبلغت السجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله
(1) ضعيف. أخرجه الطبري 9/ 174، قال: حدثنا القاسم بن الحسن ثنا الحسين بن داود ثنا حجاج عن أبي معشر عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس به.
وهو مع الإرسال إسناده ضعيف فيه أبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي قال الحافظ في التقريب (ت 7100): ضعيف من السادسة أسن واختلط والحسين بن داود المصيصي يلقب سُنَيد ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 236) وقال: قال النسائي: الحسين بن داود ليس بثقة، وقال أبو داود لم يكن بذاك.
والقاسم بن الحسن ذكره صاحب معجم شيوخ الطبري (47) وقال: لم أعرفه. ولم يعرفه الشيخ أحمد شاكر.
- صلى الله عليه وسلم وقيل: أسلمت قريش فنهضت منهم رجال وتخلف آخرون وأتى جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ماذا صنعت؟ لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله وقلت ما لم يقل لك فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وخاف من الله خوفًا كبيرًا فأنزل الله تبارك وتعالى عليه وكان به رحيمًا يعزيه ويخفض عليه الأمر ويخبره أنه لم يكن قبله رسول ولا نبي تمنى كما تمنى ولا أحب كما أحب إلا والشيطان قد ألقى في أمنيته كما ألقى على لسانه صلى الله عليه وسلم فنسخ الله ما ألقى الشيطان وأحكم آياته أي فأنت كبعض الأنبياء والرسل فأنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية فأذهب الله عن نبيه الحزن وأمنه من الذي كان يخاف ونسخ ما ألقى الشيطان على لسانه من ذكر آلهتهم أنها الغرانيق العلى وأن شفاعتهن ترتضى يقول الله حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى إلى قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [النجم: 26] أي فكيف تنفع شفاعة آلهتكم عنده فلما جاءه من الله ما نسخ ما كان الشيطان ألقى على لسان نبيه قالت قريش: ندم محمد على ما كان من منزلة آلهتكم عند الله فغير ذلك الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسوله قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرًا إلى ما كانوا عليه". (1)
رابعًا: مرسل أبي العالية قال: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جلساؤك عبد بني فلان ومولى بني فلان فلو ذكرت آلهتنا بشيء جالسناك فإنه يأتيك أشارف العرب فإذا رأوا
(1) ضعيف. أخرجه الطبري 9/ 174، فقال: حدثنا ابن حميد قال: ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن يزيد بن زياد المدني عن محمد بن كعب به.
قلت: وإسناده ضعيف جدًّا، وفيه محمد بن حميد بن حيان الرازي (ضعفه جمهور النقاد)، قال أبو نعيم بن عدي: سمعت أبا حاتم الرازي في منزله وعنده ابن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جدًا وأنه يحدث بما لم يسمعه وأنه يأخذ أحاديث أهل البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين وقال النسائي: ليس بشيء، وقال مرة: كذاب، وقال ابن حجر: حافظ ضعيف. اهـ من تهذيب التهذيب 9/ 114، وتقريب التهذيب (5834)، وفيه أيضًا محمد بن إسحاق: مدلس؛ وقد عنعن.
جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك قال: فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترجى مثلهن لا ينسى قال: فسجد النبي صلى الله عليه وسلم حين قرأها وسجد معه المسلمون والمشركون، فلما علم الذي أجري على لسانه كبر ذلك عليه فأنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52)} (1)
خامسًا: مرسل الضحاك قال الضحاك في قوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} الآية: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة أنزل الله عليه في آلهة العرب فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها فسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم ففرحوا بذلك ودنوا يستمعون فألقى الشيطان في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم: "تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فقرأها النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فأنزل الله عليه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} إلى: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (2)
سادسًا: مرسل أبي بكر بن عبد الرحمن: عن ابن شهاب أنه سئل عن قوله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} ، قال ابن شهاب: ثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ عليهم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} [النجم: 1]، فلما بلغ
(1) مرسل صحيح الإسناد. أخرجه الطبري 9/ 174، فقال حدثنا ابن عبد الأعلى، قال ثنا المعتمر، قال: سمعت داود (هو ابن أبي هند)، عن أبي العالية به.
وأخرجه من وجه آخر عن حماد بن سلمة، عن داود به، وإسناده صحيح إلى أبي العالية، وأبو العالية هو رفيع بن مهران ثقة من الطبقة الثانية وهو كثير الإرسال والمرسل كما هو معلوم ضعيف لكن ثبت هذا القول إلى أبى العالية ولم يتعده.
(2)
موضوع. أخرجه الطبري 9/ 174، قال: حُدِّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال: سمعت الضحاك، وذكره.
وهذا إسناد منقطع فالطبري لم يذكر شيخه، والحسين هو ابن الفرج يعرف بابن الخياط، قال ابن معين: كذاب يسرق الحديث، وقال في رواية ابن أبي حاتم: كذاب صاحب سكر شاطر، وقال أبو زرعة: ذهب حديثه اهـ، وقال ابن حجر: وقال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي بالبصرة أيام أبي الوليد ثم تركه وقول الذهبي مشاه غيره ما علمت من عنى. اهـ من لسان الميزان (2/ 307).
{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} [النجم: 19، 20]، قال: إن شفاعتهن ترتجى وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيه المشركون الذين في قلوبهم مرض فسلموا عليه وفرحوا بذلك فقال لهم: إنما ذلك من الشيطان فأنزل الله {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} حتى بلغ فينسخ الله ما يلقي الشيطان. (1)
سابعًا: مرسل ابن شهاب قال: أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم، والشر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم، وأحزنه ضلالهم فكان يتمنى هداهم فلما أنزل الله سورة النجم قال:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20) أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21)} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله الطواغيت فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة وذلت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمدًا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد وسجد كل من حضره من مسلم أو مشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا كبيرًا فرفع على كفه ترابا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين ولم يكن المسلمون سمعوا الآية الذي ألقى الشيطان في مسامع المشركين فاطمأنت أنفسهم لما ألقى الشيطان في أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدثهم به الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السورة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ومن بها من المسلمين عثمان بن مظعون، وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم
(1) مرسل صحيح الإسناد. إلى قائله أخرجه الطبري 9/ 175، قال: حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب به، وهذا إسناد صحيح، وأبو بكر تابعي من الطبقة الثالثة مرسله واهي. ومراسيل الزهري واهية كما قال ابن أبي حاتم.
وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفه وحدثوا أن المسلمين قد أمنوا بمكة فأقبلوا سراعًا، وقد نسخ الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته، وحفظه من الفرية، وقال الله:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)} فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم، وعداوتهم المسلمين واشتدوا عليهم. (1)
ثامنًا: عن موسى بن عقبة في قصة الذين خرجوا إلى أرض الحبشة وفيها:
وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، ولكنه لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل ما يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله هو وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم وكان يتمنى هداهم، فلما أنزل الله عز وجل سورة النجم قال:{أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الله عز وجل آخر الطواغيت فقال: وإنهن الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجى.
وكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وزلت بها ألسنتهم وتباشروا بها، وقالوا: إن محمدا قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد، وسجد كل من حضر من مسلم أو مشرك، غير أن الوليد بن المغيرة وكان شيخًا كبيرًا رفع ملء كفيه ترابًا فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود بسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأما المسلمون فعجبوا لسجود المشركين معهم على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين، وأما المشركون
(1) مرسل. أخرجه ابن أبي حاتم (كما قال ابن كثير في التفسير 3/ 308): فقال: حدثنا موسى بن أبي موسى الكوفي، حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي، حدثنا محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب به. قلت: ومراسيل ابن شهاب واهية.
فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما ألقي في أمنية النبي صلى الله عليه وسلم وحدثهم الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم، وفشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة، ومر بها من المسلمين عثمان بن مظعون وأصحابه، وحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه، وحدثوا أن المسلمين قد آمنوا بمكة، فأقبلوا سراعًا وقد نسخ الله عز وجل ما ألقى الشيطان وأحكم الله آياته وحفظها من الباطل، فقال الله عز وجل:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} فلما بين الله عز وجل قضاءه وبرأه من سجع الشيطان، انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم على المسلمين واشتدوا عليهم. (1)
تاسعًا: مرسل قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن لا يعيب الله آلهة المشركين فألقى الشيطان في أمنيته فقال: إن الآلهة التي تدعي أن شفاعتها لترتجي وإنها للغرانيق العلى فنسخ الله ذلك وأحكام الله آياته {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19)} حتى بلغ {مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23]، قال قتادة: لما ألقى الشيطان ما ألقى قال المشركون: قد ذكر الله آلهتهم بخير ففرحوا بذلك فذكر قوله: {لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} (2)
(1) معضل، وإسناده حسن إلى موسى بن عقبة. أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، ببغداد قال: أنبأنا أبو بكر بن عتاب قال: حدثنا القاسم بن عبد الله بن المغيرة قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمه موسى بن عقبة في كتاب المغازي، وذكره مطولًا.
قلت: وموسى بن عقبة من الطبقة الخامسة، فجُلّ روايته عن التابعين وأتباع التابعين، فأنَّى له برواية مثل هذا، وقد حدّث بهذا على طريقة الإخباريين وأصحاب المغازي، ولم يسند ما قاله، فالإعضال في الرواية شديد.
(2)
معضل، وهو صحيح الإسناد إليه. أخرجه الطبري من طريق ابن عبد الأعلى، عن أبي ثور. ومن طريق الحسن، عن عبد الرزاق كلاهما - أبو ثور، وعبد الرزاق - عن معمر، عن قتادة به، وإسناده إلى قتادة ظاهره الصحة ولكنه مرسل، وقتادة من الطبقة الرابعة ومراسيله واهية.
عاشرًا: مرسل عروة بن الزبير: عن عروة بن الزبير في قصة مهاجري الحبشة قال: وقال المشركون من قريش: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه، وأصحابه فإنه لا يذكر أحدًا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله عز وجل السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهن لمن الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى، وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك، وذلت بها ألسنتهم، واستبشروا بها، وقالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم قد رجع إلى دينه الأول، ودين قومه، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر السورة التي فيها النجم سجد، وسجد معه كل من حضر من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا كبيرًا فرفع على كفه ترابًا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه لما سمعوا الذي ألقى الشيطان في أمنية النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثهم الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة فلما سمع عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس قد أسلموا وصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه أقبلوا سراعًا، وكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه، فأمره فقرأ عليه فلما بلغها تبرأ منها جبريل عليه السلام وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم شق عليه وقال: أطعت الشيطان، وتكلمت بكلامه، وشركني في أمر الله فنسخ الله عز وجل ما ألقى الشيطان وأنزل عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ
وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53)}، فلما برأه الله من سجع الشيطان، وفتنته انقلب المشركون بضلالهم، وعداوتهم، وبلغ المسلمين ممن كان بأرض الحبشة، وقد شارفوا مكة فلم يستطيعوا الرجوع من شدة البلاء الذي أصابهم، والجوع، والخوف خافوا أن يدخلوا مكة فيبطش بهم فلم يدخل رجل منهم إلا بجوار. . . . الحديث. (1)
الحادى عشر: مرسل المطلب بن عبد الله بن حنطب ومحمد بن فضالة الظفري
قالا: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفًا عنه فجلس خاليًا فتمنى فقال ليته لا ينزل علي شيء ينفرهم عني وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يومًا مجلسًا في نادٍ من تلك الأندية حول الكعبة، فقرأ عليهم {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)} حتى إذا بلغ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)} ألقى الشيطان كلمتين على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فتكلم رسول صلى الله عليه وسلم بهما ثم مضى فقرأ السورة كلها، وسجد وسجد القوم جميعًا، ورفع الوليد بن المغيرة ترابًا إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخًا كبيرًا لا يقدر على السجود، ويقال إن أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابًا فسجد عليه رفعه إلى جبهته، وكان شيخًا كبيرًا فبعض الناس يقول إنما الذي رفع التراب الوليد، وبعضهم يقول أبو أحيحة، وبعضهم يقول كلاهما جميعًا فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، وأما إذ جعلت لها نصيبًا فنحن معك، فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة فقال جبريل: جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله
(1) ضعيف مع إرساله. أخرجه الطبراني في الكبير (8316) فقال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني، ثنا أبي، ثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة به. قلت: وإسناده ضعيف، وفيه علتان: الإرسال، وابن لهيعة ضعيف، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 172): أخرجه الطبراني مرسلا وفيه ابن لهيعة ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة.