الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجمع أهل العلم على أن من أُكره على الكفر حتى خَشِيَ على نفسه القتل أنه لا يأثم عليه إن كفر وقلبه مطمئن بالإيمان، ولا تَبِينُ منه زوجته، ولا يحكم عليه بحكم الكفر (1).
2 - شروط الإكراه أربعة:
الأول: أن يكون فاعله قادرًا على إيقاع ما يهدد به والمأمور عاجزًا عن الدفع ولو بالفرار.
الثاني: أن يغلب على ظنه أنه إذا امتنع أوقع به ذلك.
الثالث: أن يكون ما هدده به فوريًا، فلو قال: إن لم تفعل كذا ضربتك غدًا لا يعد مكرهًا، ويستثنى ما إذا ذكر زمنًا قريبًا جدًّا أو جرت العادة بأنه لا يخلف.
الرابع: أن لا يظهر من المأمور ما يدل على اختياره كمن أكره على الزنا فأولج وأمكنه أن ينزع ويقول: أنزلت فيتمادى حتى ينزل، وكمن قيل له: طلق ثلاثًا فطلق واحدة، وكذا عكسه، ولا فرق بين الإكراه على القول والفعل عند الجمهور (2).
3 - استعمال المعاريض
.
قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، ومتى لم يكن كذلك كان كافرًا لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها مثاله: أن يقال له: اكفر بالله، فيقول: باللاهي، فيزيد الياء، وكذلك إذا قيل له: اكفر بالنبي، فيقول: هو كافر بالنبي - مشددًا - وهو المكان المرتفع من الأرض، ويطلق على ما يعمل من الخوص شبه المائدة؛ فيقصد أحدهما بقلبه ويبرأ من الكفر، ويبرأ من إثمه، فإن قيل له: اكفر بالنبيء مهموزًا فيقول: هو كافر بالنبيء؛ يريد بالمخبر أيَّ مخبرٍ كان كطليحة ومسيلمة الكذاب، أو يريد به النبيء الذي قال فيه الشاعر:
فأصبح رتما دقاق الحصى
…
مكان النبيء من الكاث (3)
الصبر على العذاب أفضل من التلفظ بالكفر
.
أجمعوا على أنه لا يجب عليه التكلم بكلمة الكفر وإن اختار القتل فهو أعظم أجرًا عند
(1) تفسير القرطبي (10/ 160)، المغني لابن قدامة (10/ 97)، وفتح الباري (16/ 78).
(2)
فتح الباري (16/ 78).
(3)
تفسير القرطبي (10/ 160)، تفسير الرازي (20/ 97).
الله ممن اختار الرخصة ويدل عليه وجوه:
أحدها: أنا روينا أن بلالًا صبر على ذلك العذاب، وكان يقول: أحد أحد، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: بئس ما صنعت بل عظمه عليه، فدل ذلك على أنه لا يجب التكلم بكلمة الكفر.
وثانيها: ما رُوي أن مسيلمة الكذاب أخذ رجلين فقال لأحدهما: ما تقول في محمد؟ فقال: رسول الله، فقال: ما تقول في؟ قال: أنت أيضًا، فخلاه وقال للآخر: ما تقول في محمد؟ قال: رسول الله، قال: ما تقول في؟ قال: أنا أصم، فأعاد عليه ثلاثًا، فأعاد جوابه فقتله، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"أما الأول فقد أخذ برخصة الله، وأما الثاني فقد صدع بالحق، فهنيئًا له" وجه الاستدلال بهذا الخبر من وجهين: الأول: أنه سمى التلفظ بكلمة الكفر رخصة. والثاني: أنه عظم حال من أمسك عنه حتى قتل. وثالثها: أن بذل النفس في تقرير الحق أشق؛ فوجب أن يكون أكثر ثوابًا لقوله عليه السلام: "أفضل العبادات أحمزها" أي: أشقها. ورابعها: أن الذي أمسك عن كلمة الكفر طهر قلبه ولسانه عن الكفر، أما الذي تلفظ بها فهب أن قلبه طاهر عنه إلا أن لسانه الظاهر قد تلطخ بتلك الكلمة الخبيثة؛ فوجب أن يكون حال الأول أفضل، والله أعلم (1).
واختلفوا فيمن أكره على غير القتل من فعل ما لا يحل له.
فقال أصحابُ مالكٍ الأخذَ بالشدة في ذلك، واختيار القتل والضرب أفضل عند الله من الأخذ بالرخصة. روى خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة فقلت: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشي بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون" فوصفه صلى الله عليه وسلم هذا عن الأمم السالفة على جهة المدح لهم والصبر على المكروه في ذات الله، وأنهم لم يكفروا في الظاهر وتبطنوا الإيمان ليدفعوا العذاب عن
(1) تفسير الرازي (20/ 98).