الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن ابن إسحاق: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} بإسحاق، ويعقوب ولد من صلب إسحاق، وأمن مما كان يخاف، قال:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39)} (1).
القول الثاني: البشرى إهلاك قوم لوط
.
وقد ذكره الطبري في تفسيره، وصدره بقوله: قيل، وممن قال به قتادة {وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى} قال: حين أخبروه أنهم أرسلوا إلى قوم لوط، وأنهم ليسوا إياه يريدون. (2)
قلت: وكأن الصحيح عن قتادة أن المراد بالبشرى إسحاق، بدليل أن معمر قال: وقال آخرون بشر بإسحاق. (3)
القول الثالث: البشرى نبوته
.
عن عكرمة - يعني قوله {جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} قال: بشر بنبوته (4).
وهذا القول مردود لأسباب:
أولًا: ضعف الخبر.
ثانيًا: أن نبوة إبراهيم عليه السلام كانت قبل ذلك بكثير.
القول الرابع: أنهم بشروه بإخراج محمد صلى الله عليه وسلم من صلبه، وأنه خاتم الأنبياء
. (5)
ورد هذا القول: بأن البشرى جاءت مصرحة في بعض الآيات، قال تعالى:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28]، وقال:{إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53].
(1) جامع البيان (12/ 77)، وإسناده ضعيف.
(2)
جامع البيان (12/ 77)، ابن أبي حاتم (11036)، وعبد الرزاق في تفسيره (1219)، إسناده صحيح، والطبري، وابن أبي حاتم، من طريق محمد بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة. .، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر به، ومحمد بن عبد الأعلى: ثقة - التقريب (2/ 533)، ومحمد بن ثور: ثقة. التقريب (2/ 516).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في تفسيره (1220)، جامع البيان (12/ 78).
(4)
أخرجه ابن أبي حاتم (6/ 2053) حديث (11005).
(5)
النكت والعيون (2/ 482)، زاد المسير (4/ 127).
قلت: الراجح أن البشرى كانت بإسحاق عليه السلام، وذلك للآتي:
أولًا: صحة الدليل عليه.
ثانيًا: سياق القصة يدل عليه.
ثالثًا: أن البشرى قد حصلت قبل أن يخبروه بأنهم أُرسلوا إلى قوم لوط ولو كانت البشرى هي إهلاك قوم لوط فلماذا سألهم عن حالهم وماذا يريدون لقوله تعالى: {قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57)} [الحجر: 57].
رابعًا: لو كانت البشرى بإهلاك قوم لوط؛ فلماذا كان يجادل الملائكة في أمرهم بعد ذلك؟
وهذا بعض كلام أهل العلم في معنى البشرى:
قال الشنقيطي: قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا} [هود: 69]، لم يبين هنا ما المراد بهذه البشرى التي جاءت بها الرسل - الملائكة - إبراهيم، ولكنه أشار بعد هذا إلى أنها البشارة بإسحاق ويعقوب في قوله:{وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71]؛ لأن البشارة بالذرية الطيبة شاملة للأم والأب، كما يدل لذلك قوله:{وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 112]، وقوله:{قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات: 28]، وقوله:{قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} [الحجر: 53].
وقيل: البشرى هي إخبارهم له بأنهم أرسلوا لإهلاك قوم لوط، وعليه فالآيات المبينة لها: كقوله هنا في هذه السورة: {قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود: 70]، وقوله:{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آلَ لُوطٍ} [الحجر: 58، 59]، وقوله:{قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (32) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (33)} [الذاريات: 32، 33]، وقوله:{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31].
والظاهر القول الأول، وهذه الآية الأخيرة تدل عليه؛ لأن فيها التصريح بأن إخبارهم بإهلاك قوم لوط بعد مجيئهم بالبشرى؛ لأنه مرتب عليه بأداة الشرط التي هي (لما) كما ترى. (1)
(1) أضواء البيان (3/ 25، 26).
قال الشوكاني: والبشرى التي بشروه بها هي بشارته بالولد، وقيل بإهلاك قوم لوط، والأول أولى. (1)
قال ابن عطية: وهذه الآية تقضي باشتراكهم في البشارة بإسحاق، وقالت فرقة - وهي الأكثر -:{الْبُشْرَى} هي بإسحاق، وقالت فرقة:{الْبُشْرَى} هي بإهلاك قوم لوط. (2)
قال السعدي: {بِالْبُشْرَى} أي: بالبشارة بالولد، حين أرسلهم الله لإهلاك قوم لوط، وأمرهم أن يمروا على إبراهيم، فيبشروه بإسحاق. (3)
* * *
(1) فتح القدير (2/ 711)، فتح البيان (6/ 210).
(2)
المحرر الوجيز (3/ 187).
(3)
تيسير الكريم الرحمن (385).