الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
2037 -
[4989]- قوله: والإتيان في الدبر حرام؛ لما روي أنّه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: "في أيّ الْخُرْبَتَينِ؛ أَمِنْ دُبُرِهَا في قُبُلِهَا فنعم، أَو مِن دُبُرِهَا في دُبُرهَا فَلَا، إنّ الله لا يَستحيي من الحقِّ، لا تأتوا النّساءَ في أَدْبَارِهِنَّ". قال: والْخُرْبَة: الثُّقبة.
الشّافعي (1) من حديث خزيمة بن ثابت: أنّ رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيان النساء في أدبارهن -أو إتيان الرجل امرأته في دبرها-؟ فقال: "حَلَالٌ". فَلَمَّا الرجل وَلَّى دعاه أو أمر به فدعي، فقال:"كيف قلتَ؟ في أيِّ الْخُرْبَتين- أو في أَيِّ الْخُرْزَتَيْنِ، أَو في أيّ الْخَصَفَتَيْنِ؛ أَمِنْ دُبُرِهَا في قُبُلِهَا فَنَعَمْ، أَمْ مِنْ دُبُرِهَا في دُبُرِهَا فَلَا، إنّ الله لا يَسْتَحْيي مِن الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَدْبَارِهِنَّ".
تنبيه
الْخُربتَيْن: تثنية خُربة -بضمّ المعجمة وسكون الرّاء بعدها موحّدة.
والْخُرْزَتَيْن تثنية خُرزَة بوزن الأولى لكن بزاي، بدل الموحدة.
والْخَصَفَتَيْن: تثنية خَصَفَة بفتحات والخاء معجمة أيضًا والصاد مهملة، بعدها فاء.
وقال الخطابي (2): كلّ ثقب مستديرة خُرْبَة، والجمع خُرَب -بضمةٍ ثمّ فتحٍ.
(1) مسند الشافعي (ص 275).
(2)
غريب الحديث (1/ 376).
وقال الأزهري (1): أراد بالخربتين: المسلكين.
وقال ابن داود: خرب الفاس ثقبه الذي فيه النصاب، والخرزتين تثنية خرزة، وهي الثقب (2) الذي يثقبه الخرَّاز، [ليخرز](3)، كَنَى به عن المأتي.
والخصفتين: تثنية خَصفة من قولك: خصفت الجلد على الجلد إذا خرزته مطابقًا (4).
وفي هذا الإسناد عمرو بن أحيحة (5) وهو مجهول الحال، واختلف في إسناده اختلافا كثيرا، وقد أطنب النسائي في تخريج طرقه، وذكر الاختلاف فيه، وهو من رواية عبد الله بن علي بن السائب، يرويه عنه: محمّد بن علي بن شافع، ورواه عن محمَّد بن علي: الشّافعِيُّ الإمامُ، وابن عمِّه إبراهيم بن محمَّد بن العباس.
[4990]
- وقد روى الدارقطني في "فوائد أبي الطاهر الذهلي" من طريق إبراهيم بن محمَّد هذا، عن محمَّد بن علي، قال: جاء رجل إلى محمَّد بن كعب فسأله عن هذه المسألة؟ فقال: هذا شيخُ قريشٍ فاسأله -يعني: عبد الله بن علي بن السّائب- فسأله فقال عبد الله: اللهم قَذِرًا ولو كان حلالًا. انتهى.
(1) الصحاح (1/ 107) مادة (خرب).
(2)
[ق/515].
(3)
من "م" و "هـ".
(4)
انظر: لسان العرب (1/ 347 فما بعد) مادة (خرب).
(5)
مال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(8/ 3) إلى كون عمرو بن أحيحة هذا صحابيا روى عن صحابي، وجملة القول: إنه إن لم يكن صحابيا فهو تابعي كبير، وقد أثنى عليه الإمام الشافعي خيرا، فأقل أحواله أن يكون حسن الحديث. والله أعلم. انظر: إرواء الغليل، للشيخ الألباني (7/ 68).
وقد اختلف فيه على عبد الله بن السائب، فرواه النسائي (1) من طريق بن وهب، عن سعيد بن أبي هلال، عن عبد الله بن علي بن السائب، عن حصين ابن محصن، عن هرمي بن عبد الله، عن خزيمة بن ثابت.
ومن طريق هرمي أخرجه أحمد (2) والنسائي وابن حبان (3). وهرمي لا يعرف حاله أيضا. وقد قال الشافعي: غلط ابن عيينة في إسناد حديث خزيمة -يعني حيث رواه.
وقال البزار (4): لا أعلم في الباب حديثًا صحيحًا؛ لا في الحظر، ولا في الإطلاق، وكلما روى فيه عن خزيمة بن ثابت من طريق فيه؛ فغير صحيح. انتهى وكذا روى الحاكم، عن الحافظ أبي علي النيسابوري، ومثله عن النسائي.
[وقاله](5) قبلهما البخاري.
2038 -
[4991]- قوله: وعن أبي هريرة: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَلْعُونٌ مَن أَتَى امْرَأَةً في دُبُرِهَا".
أحمد (6) وأبو داود (7) وبقية أصحاب السنن (8) من طريق سهيل بن أبي صالح،
(1) السنن الكبرى للنسائي (8989).
(2)
مسند الإمام أحمد (5/ 215).
(3)
صحيح ابن حبان (الإحسان/ رقم 4198).
(4)
انظر: كشف الأستار (2/ 173).
(5)
في الأصل: (وقال)، والمثبت من "م" و"هـ".
(6)
مسند الإمام أحمد (2/ 444).
(7)
سنن أبي داود (رقم 2162).
(8)
سنن الترمذي (رقم 1164)، والسنن الكبرى، للنّسائي (رقم 9015)، وسنن ابن ماجه (رقم 1923).
عن الحارث بن مخلد، عن أبي هريرة مرفوعًا.
لفظ أبي داود والنسائي وابن ماجه: "لَا يَنْظُرُ الله يَومَ الْقِيَامَةِ إِلَى رَجُلٍ أَتَى امْرَأَتَه في دُبُرِهَا".
وأخرجه البزار، وقال: الحارث بن مخلد ليس بمشهور.
وقال ابن القطان (1): لا يُعرف حاله.
وقد اختلف فيه على سهيل؛ فرواه إسماعيل بن عياش، عنه، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، أخرجه الدارقطني (2) وابن شاهين. ورواه عمر مولى غفرة، عن سهيل، عن أبيه، عن جابر، أخرجه ابن عدي (3) وإسناده ضعيف.
ولحديث أبي هريرة طريقٌ أخرى أخرجها، أحمد (4) والترمذي (5) من طريق حماد بن سلمة، عن حكيم الأثرم، عن أبي تميمة، عن أبي هريرة بلفظ:"مَن أَتَى حَائضًا أَو امْرَأةً في دُبُرهَا أَوْ كَاهِنًا فَصَدَّقَه بما يَقُول فَقَدْ كَفَرَ بِما أُنزِل عَلى مُحَمَّد".
قال الترمذي: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم.
وقال البخاري (6): لا يعرف لأبي تميمة سماع من أبي هريرة.
(1) بيان الوهم والإيهام (4/ 456).
(2)
سنن الدارقطني (2/ 288).
(3)
الكامل لابن عدي (4/ 347).
(4)
مسند الإمام أحمد (2/ 408).
(5)
سنن الترمذي (رقم 135).
(6)
التاريخ الكبير (3/ 17).
وقال البزار: هذا حديث منكر، وحكيم لا يحتج به، وما [تفرد](1) به فليس بشيء.
وله طريق ثالث أخرجها النّسائي (2) من رواية الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
قال حمزة الكناني الرّاوي عن النسائي (3): [هذا](4) حديث منكر (5)، ولعل عبد الملك بن محمّد الصنعاني سمعه من سعيد بن عبد العزيز بعد اختلاطه، قال: وهو باطل من حديث الزّهريّ، [و] (6) المحفوظ: عن الزهريّ، عن أبي سلمة: أنّه كان ينهى عن ذلك. [انتهى](7).
وعبد الملك قد تكلم فيه دُحَيْم، وأبو حاتم وغيرهما.
وله طريق رابعة؛ أخرجها النّسائي أيضا (8) من طريق بكر بن [خنيس](9)، عن ليث، عن مجاهد، عن أبي هريرة بلفظ:"مَن أَتَى شَيْئًا مِنَ الرّجَال أو النِّسَاء في الأَدْبَارِ فَقَدْ كَفَر". و [بكر](10) وليث ضعيفان. وقد رواه الثوري عن ليث
(1) في الأصل: (وأما ما انفرد)، وفي "هـ":(وما انفرد)، والمثبت من "م".
(2)
السنن الكبرى للنسائي (9010).
(3)
انظر تحفة الأشراف (11/ 25).
(4)
من "م" و "هـ".
(5)
[ق/516].
(6)
من "م" و "هـ".
(7)
من "م" و "هـ".
(8)
لم أجده في المجتبى ولا في الكبرى، ولم يعزه إليه المزي في أطرافه (10/ 317).
(9)
في الأصل: (حنيش)، والمثبت من "م" و "هـ".
(10)
في الأصل: (بكير)، والمثبت من "م" و "هـ".
بهذا السّند موقوفا، ولفظه: إتيان الرّجال والنِّساء في أدبارهن كفرٌ.
وكذا أخرجه أحمد (1) عن إسماعيل، عن ليث، والهيثم بن خلف، في "كتاب ذم اللواط" من طريق محمّد بن فضيل، عن ليث.
وفي رواية: "مَن أَتَى امْرَأَتَهُ في دُبِرِهَا فَتِلْكَ كَفْرَةٌ (2) ".
وله طريق خامسة (3) رواها عبد الله بن عمر بن أبان، عن مسلم بن خالد الزنجي، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، بلفظ:"مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى النسَاءَ في أَدْبَارِهِن".
ومسلم فيه ضعف، وقد رواه يزيد بن أبي حكيم عنه، موقوفًا.
وفي الباب:
[4992]
- عن ابن عباس أخرجه الترمذي (4) والنسائي (5) وابن حبان في صحيحه (6) وأحمد (7) والبزار من طريق كريب، عن ابن عباس.
قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد أحسن من هذا، تفرد به أبو
(1) لم أجده في المسند من هذا الطريق.
(2)
في الأصل: "كفر".
(3)
الكامل، لابن عدي (6/ 211)، وانظر: تفسير ابن كثير (1/ 264)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (رقم 4754)، وأبو يعلى في مسند (رقم 6462) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن مسلم بن خالد، به.
(4)
سنن الترمذي (رقم 1165) وقال: "حسن غريب".
(5)
السنن الكبرى للنسائي (رقم 9001).
(6)
صحيح ابن حبان (الإحسان/ رقم 4203، 4204، 4418).
(7)
لم أجده في مسنده.
خالد الأحمر، عن الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب.
وكذا قال ابن عدي (1).
[ورواه](2) النسائي (3) عن هناد، عن وكيع، عن الضحاك، موقوفا، وهو أصح عندهم من المرفوع.
[4993]
- وعن ابن عباس من طريق أخرى موقوفة، رواها عبد الرزاق (4) عن معمر، عن [ابن](5) طاوس، عن أبيه: أنّ رجلًا سأل ابن عبّاس، عن إتيان المرأة في دبرها، فقال: تسألني عن الكفر؟!
وأخرجه النسائي (6) من رواية ابن المبارك، عن معمر، وإسناده قويّ.
وسيأتي له طريق أخرى بعد قليل.
وفي الباب أيضا:
[4994]
- عن عليّ بن طلق أخرجه الترمذي (7) والنسائي (8) وابن حبان (9) بلفظ: "إنَّ الله لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النسَاءَ في أَعْجَازِهِنَّ".
(1) الكامل لابن عدي (3/ 282).
(2)
في الأصل: (وروي)، والمثبت من "م" و "هـ".
(3)
السنن الكبرى، للنسائي (رقم 9002).
(4)
مصنف عبد الرزاق (رقم 20952).
(5)
من "م" و "هـ".
(6)
السنن الكبرى، للنسائي (رقم 9004).
(7)
سنن الترمذي (رقم 1164).
(8)
السنن الكبرى، للنسائي (9023).
(9)
صحيح ابن حبان (الإحسان/ رقم 4201).
[4995]
- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده، أخرجه أحمد (1) بلفظ: سئل عن الرّجل يأتي المرأة في دُبرها؟ فقال: "هِي اللّوطِيَّةُ الصُّغْرَى".
وأخرجه النسائي أيضا (2) وأعله، والمحفوظ: عن عبد الله بن عمرو من قوله، كذا أخرجه عبد الرّزاق (3) وغيره.
[4996]
- وعن أنس؛ أخرجه الإسماعيلي في "معجمه"(4) وفيه يزيد الرقاشي، وهو ضعيف.
[4997]
- وعن أبي بن كعب؛ في "جزء [الحسن] (5) بن عرفة"(6) بإسناد ضعيف جدًّا.
[4998]
- وعن ابن مسعود؛ عند ابن عدي (7) بإسناد واهٍ.
[4999]
- وعن عقبة بن عامر؛ عند أحمد (8)، وفيه ابن لهيعة.
(1) مسند الإمام أحمد (2/ 182).
(2)
السنن الكبرى، للنسائي (رقم 8997).
(3)
مصنف عبد الرزاق (رقم 20956).
(4)
معجم شيوخه (رقم 47).
(5)
في الأصل: (جزء والحس)، وصوابه في "م" و "هـ".
(6)
جزء الحسن بن عرفة (رقم 42)، فيه عبد الله بن محمَّد العدوي، رماه وكيع بالوضع.
(7)
الكامل (3/ 206).
(8)
لم أجده في المسند، ولا ذكره الحافظ ابن حجر في مسند عقبة بن عامر في كتابه (إتحاف المهرة)(11/ 180 - 245)، وإنما أخرجه ابن عدي في الكامل له (4/ 148) من هذا الطريق، في ترجمة (عبد الله بن لهيعة) وإليه فقط عزاه ابن الملقن في البدر المنير (7/ 657).
[5000]
- وعن عمر؛ أخرجه النّسائي (1) والبزار (2) من طريق زمعة بن صالح، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن الهاد (3)، عن عمر. وزمعة ضعيف.
وقد اختلف عليه في وقفه ورفعه.
2039 -
قوله: وحكى ابن عبد الحكم، عن الشّافعي أنه قال: لم يصحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء، والقياس أنّه حلال.
قلت: هذا سمعه ابن أبي حاتم من محمّد (4)، وكذلك الطّحاوي (5).
وأخرجه عنه ابن أبي حاتم في "مناقب الشافعي"(6) له وأخرجه الحاكم في "مناقب الشافعي" عن الأصم، عنه.
وأخرجه الخطيب عن أبي سعيد بن موسى، عن الأصم.
وروى الحاكم (7) عن نصر بن محمَّد المعدّل، عن محمَّد بن القاسم بن شعبان الفقيه، قال: حدثنا الحسن بن عياض، ومحمّد بن أحمد بن حماد، قالا:
(1) السنن الكبرى، للنسائي (9008).
(2)
مسند البزار (رقم 339).
(3)
في الأصل: (الهادي)، وصوابه في "م" و"هـ".
(4)
[ق/517].
(5)
قوله: "وكذلك الطحاوي"، آخره في الأصل إلى بعد جملة:"في مناقب الشافعي له"، والمثبت من "م" و "هـ".
(6)
(ص 217).
(7)
في مناقب الشافعي. كما في فتح الباري (8/ 191).
حدثنا محمَّد بن عبد الله -يعنيان ابنَ عبد الحكم، قال: قال الشافعي كلامًا كلَّم به محمّد بن الحسن في مسألة إتيان المرأة في دبرها، قال: سألني محمّد بن الحسن، فقلت له: إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الرّوايات وإن لم تصح، فأنت أعلم، وإن تكلّمت بالمناصفة كلَّمتُك. قال: على المناصفة. قلت: فبأي شيء حَرَّمته؟ قال: بقول الله عز وجل: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} ، وقال:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} ، وَالحرث لا يكون إلَّا في الْفَرْجِ، قلت: أفيكون ذلك محرَّمًا لما سواه؟ قال: نعم. قلت: فما تقول لو وطئها بين ساقيها، أو في أعكانها، أو تحت إبطها، أو أخذت ذكره بيدها؟ أفي ذلك [حرث] (1)؟ قال: لا. قلتُ: أفيحرم ذلك؟ قال: لا. قلت: فلم تحتجّ بما لا حجّة فيه. قال: فإن الله قال: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [الآية](2). قال: فقلت له: إنّ هذا مما يحتجّون به للجواز، إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته [وما] (3) ملكت يمينه. فقلت: أنت [يتحفّظ من زوجته ومما ملكت يمينه](4).
قال الحاكم: لعلّ الشّافعي كان يقول بذلك في القديم، فأما في الجديد؛ فالمشهور أنّه حرَّمه.
(1) في الأصل: (حرمت)، والمثبت من "م" و"هـ".
(2)
من "م" و"هـ".
(3)
في الأصل: (أو ما).
(4)
في الأصل: (تحفظ من زوجتك ومما ملكت يمينك)، والمثبت من "م" و "هـ"، وهو أنسب للسياق.
2040 -
قوله: قال الربيع: كذب والله الذي لا إله إلا هو قد نصّ الشافعي على تحريمه في ستَةِ كُتب. هذا سمعه أبو العباس بن الأصمّ من الربيع، وحكاه عنه جماعة، منهم: الماوردي في "الحاوي"(1) وأبو نصر بن الصباغ في "الشامل" وغيرهما.
وتكذيب الرّبيع لمحمد لا معنى له؛ لأنه لم ينفرد بذلك، فقد تابعه عبد الرّحمن ابن عبد الله أخوه عن الشّافعي، أخرجه أحمد بن أسامة بن أحمد بن أبي السّمح المصري، عن أبيه، قال: سمعت عبد الرحمن، فذكر نحوه عن الشّافعي، وأخرج الحاكم عن الأصمّ عن الربيع، قال: قال الشافعي: قال الله: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} احتملت الآية معنيين:
أحدهما: أن تُؤتى المرأةُ [من](2) حيث شاء زوجها؛ لأنّ {أَنَّى شِئْتُمْ} يَأتي بمعنى: أين شئتم.
ثانيهما: أن الحرث إنما يراد به النّبات في موضعه دون ما سواه. فاختلف أصحابنا في ذلك، وأحسب كلا من الفريقين تأوّلوا ما وصفتُ من احتمال الآية، قال: فطلبنا الدِّلالَةَ من السنّة فوجدنا حديثَيْن مختلِفَيْن؛ أحدهما ثابتٌ وهو حديث خزيمة في التحريم. قال: فأخذنا به.
(1) انظر: الحاوي (9/ 317).
(2)
من "م" و "هـ".
2041 -
قوله: وفي "مختصر الجويني" أن بعضهم أقام ما رواه -أي ابن عبد الحكم- قولًا. انتهى.
وإن كان كذلك فهو قولٌ قديمٌ، وقد رجع عنه الشّافعي كما قال الرّبيع، وهو أولى من إطلاق الرّبيع تكذيب محمَّد بن عبد الله بن عبد الحكم؛ فإنه لا خلاف في ثقته وأمانته، وإنما اغتر محمّد يكون الشّافعي قصّ له القصّة الّتي وقعت له بطريق المناظرة [بينه وبين محمَّد بن الحسن، ولا شكّ أن العالم في المناظرة يتقلّد القولَ وهو لا يختاره، فيذكر أدلّته إلى أن ينقطع خصمُه، وذلك غير مستنكر في المناظرة](1)، والله أعلم.
2042 -
قوله: وروي عن مالك. وقال بعد ذلك: ويعلم قوله الإتيان في الدبر بالميم؛ لما روي عن مالك قال: وأصحابه العراقيون لم يثبتوا الرِّواية. انتهى.
قرأت (2) في "رحلة ابن الصلاح" أنه نقل ذلك من كتاب "المحيط" للشّيخ أبي محمَّد الجويني، قال: وهو مذهب مالك، وقد رجع متأخرو أصحابه عن ذلك، وأفتوا بتحريمه، إلا أن مذهبه الجواز، قال: وكان عندنا قاضٍ يُقال له أبو واثلة، وكان يرى بجوازه، فرفعت إليه امرأةٌ زوجها، واشتكت منه أنه يطلب منها ذلك، فقال: قد ابتليتِ فاصبري.
(1) ما بين المعقوفتين ساقط من الأصل، والمثبت من "م" و "هـ".
(2)
[ق/518].
وقال القاضي أبو الطيب في "تعليقه" نصّ في "كتاب السر" عن مالك على إباحته. ورواه عنه أهلُ مصر وأهل المغرب.
قلت: و"كتاب السر" وقفت عليه في كراسة لطيفة، من رواية الحارث بن مسكين، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك، وهو يشتمل على نوادر من المسائل، وفيها كثير مما يتعلّق بالخلفاء، ولأجل هذا سمي كتابَ السرِّ (1)، وفيه هذه المسألة (2). وقد رواه أحمد بن أسامة التجيبي، وهذّبه ورتبة على الأبواب، وأخرج له أشباهًا ونظائرَ في كلِّ باب. وروى فيه من طريق معن بن عيسى قال: سألت مالكا عنه؟ فقال: ما أعلم فيه تحريمًا.
وقال ابن رشد في كتاب "البيان والتحصيل في شرح العتبية": روى العتبي عن [ابن](3) القاسم، عن مالك أنه قال له. وقد سأله عن ذلك مُخْلِيًا (4) به
(1) في الأصل: (بالسر)، وسقط لفظ (كتاب)، والمثبت من "م" و "هـ".
(2)
قال المناوي في (فيض القدير)(6/ 4)"وما نسب إلى مالك في كتاب السر من حل دبر الحليلة أنكره جمع".
وكتاب السر، يروى عن عبد الرحمن بن القاسم، ولا يصح عنه، قال الخليلي في الإرشاد (1/ 404 - 405): "يروى عن عبد الرحمن بن القاسم (كتاب السِّرِّ) لمالك، والحفاظ قالوا: لا يصحّ عن عبد الرّحمن أنّه روى ذلك؛ لأنه فيه أشياء ينزّه مالك عنها
…
".
ويقول القرطبي في تفسيره (3/ 93): "
…
وحذّاقُ أصحابِ مالكٍ ومشايخُهم يُنكرون ذلك الكتاب، ومالكٌ أجلّ من أن يكون له كتابُ سِرٍّ".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره (1/ 263): "
…
وأكثر النّاس يُنكر أن يصحّ ذلك عن الإمام مالكٍ رحمه الله".
(3)
في الأصل: (أبي)، والمثبت من "م" و "هـ".
(4)
في "م": (مختليا).
فقال: حلال، ليس به بأس. قال ابن القاسم: ولم أدرك أحدًا أقتدي به في دين يشكّ فيه، والمدنيّون يروون فيه الرّخصة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
يشير بذلك إلى ما روي عن ابن عمر، وأبي سعيد.
أمّا حديث ابن عمر؛ فله طرقٌ رواه عنه نافع، وزيد بن أسلم، وعبيد الله بن عبد الله بن عمر، وسعيد بن يسار، وغيرهم.
أمَّا نافع فاشتهر عنه من طرق كثيرة جدًّا، منها: رواية مالك، وأيوب، وعبيد الله بن عمر العمري، وابن أبي ذئب، وعبد الله بن عون، وهشام بن سعد، وعمر بن محمّد بن زيد (1)، وعبد الله بن نافع، وأبان بن صالح، وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة.
[5001]
- قال الدارقطني في "أحاديث مالك التي رواها خارج الموطأ": حدثنا أبو جعفر الأسواني المالكي بمصر، حدثنا محمَّد بن أحمد بن حماد، حدثنا أبو الحارث أحمد بن سعيد الفهري، حدثنا أبو ثابت محمَّد بن عبيد الله (2)، حدّثني الدراوردي، عن عبيد الله بن عمر بن حفص، عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك على المصحف يا نافع، فقرأ حتى أتى على هذه الآية:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ، فقال: تدري يا نافع فيم أُنزلتْ هذه الآية؟ قال: قلت لا، قال: فقال لي: في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها، فأعظم النّاس ذلك، فأنزل الله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} . الآية. قال نافع: فقلت لابن عمر: من دبرها في قبلها؟ قال: لا، [إلاّ في](3) دبرها. قال أبو
(1) في "م": (يزيد).
(2)
في "م": (عبد الله) وهو خطأ.
(3)
في الأصل: (إلا أن) والمثبت من "م" و "هـ".
ثابت: وحدّثني به الدَّراوردي عن مالك، وابن أبي ذئب، وفيهما: عن نافع مثله.
وفي تفسير البقرة من "صحيح البخاري"(1):
[5002]
- حدثنا إسحاق، أخبرنا النضر أخبرنا ابن عون، عن نافع، قال: كان [ابن](2) عمر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، قال: فأخذت عليه يومًا، فقرأ سورةَ البقرة، حتى انتهى إلى مكان فقال: تدري فيم أنزلت؟ فقلت: لا. قال: نزلت في كذا وكذا، ثمّ مضى.
[5003]
- وعن عبد الصمد، حدثني أبي -يعني عبد الوارث- حدثني أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في قوله تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} قال: يأتيها في
…
(3).
قال: ورواه محمّد بن يحيى بن سعيد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عن ابن عمر، هكذا (4) وقع عنده. والرّواية الأولى في "تفسير إسحاق بن راهويه" مثل ما ساق، لكن عين الآية وهي:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} وعَيَّنَ قولَه: "كذا وكذا"، فقال: نزلت في إتيان النساء في أدبارهن.
وكذا رواه الطبري (5) من طريق بن علية، عن ابن عون.
وأمّا رواية عبد الصمد فهي في "تفسير إسحاق" أيضا عنه، وقال فيه: يأتيها
(1) صحيح البخاري (رقم 4527).
(2)
من "م" و"هـ".
(3)
وضع في الأصل هنا علامة التصحيح.
(4)
[ق/519].
(5)
في "م": (الطبراني).
في الدبر.
[5004]
- وأما رواية محمَّد؛ فأخرجها الطبراني في "الأوسط"(1) عن علي ابن سعيد، عن أبي بكر الأعين، عن محمَّد بن يحيى بن سعيد بلفظ: إنما نزلت {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} رخصةً في إتيان الدبر.
وأخرجه الحاكم في "تاريخه" من طريق عيسى بن مثرود، عن عبد الرحمن ابن القاسم، ومن طريق سهل بن عمار، عن عبد الله بن نافع.
ورواه الدارقطني في "غرائب مالك" من طريق زكريا السّاجي عن محمَّد بن الحارث المدني، عن أبي مصعب.
ورواه الخطيب في "الرواة عن مالك" من طريق أحمد بن الحكم العبدي.
ورواه أبو إسحاق الثعلبي في "تفسيره" والدارقطني أيضا من طريق إسحاق بن محمّد الفروي.
ورواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" من طريق محمَّد بن صدقة الفدكي، كلهم عن مالك.
قال الدارقطني: هذا ثابت عن مالك.
[5005]
- وأما زيد بن أسلم؛ فروى النّسائي (2) والطبري (3) من طريق أبي بكر ابن أبي أويس، عن سليمان بن بلال، عنه، عن ابن عمر: أنّ رجلًا أتى امرأته في دبرها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد من ذلك [وجدًا](4) شديدًا،
(1) المعجم الأوسط (رقم 3827).
(2)
السنن الكبرى، للنسائي (رقم 8981).
(3)
تفسير الطبري (2/ 234).
(4)
في الأصل: (وجلا) والمثيت من "م" و"هـ".
فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية.
[5006]
- وأمّا عبيد الله بن عبد الله بن عمر، فروى النسائي (1) من طريق يزيد ابن رومان، عنه:[أن](2) ابن عمر كان لا يرى به بأسا. موقوف.
[5007]
- وأما سعيد بن يسار؛ فروى النسائي (3) والطحاوي (4) والطبري (5) من طرق عن عبد الرحمن بن القاسم، قال: قلت لمالك: إنّ عندنا بمصر الليث بن سعد يحدّث عن الحارث بن يعقوب، عن سعيد بن يسار، قال: قلت لابن عمر: إنا نشتري الجواري (6) فنحمض (7) لهن -والتحميض الإتيان في الدبر- فقال: أفٍّ! أَوَ يَفعل هذا مسلم؟! قال ابن القاسم: فقال لي مالك: أشهد على ربيعة يحدثني (8) عن سعيد بن يسار، أنه سأل ابن عمر عنه؟ فقال: لا بأس به.
[5008]
- وأما حديث أبي سعيد، فروى أبو يعلى (9) وابن مردويه في
(1) السنن الكبرى، للنسائي (رقم 8980).
(2)
في الأصل: (عن) والمثبت من "م" و "هـ".
(3)
المصدر السابق (رقم 8979).
(4)
شرح معاني الآثار (3/ 41) ولم يذكر حكاية مالك.
(5)
تفسير الطبري (2/ 233 - 234).
(6)
في الأصل: (الجوار)، وصوابه من "م" و "هـ".
(7)
في "م": (فنخمض) -بالخاء في الموضعين، والمثبت هو الصواب، انظر لسان العرب (7/ 141).
(8)
في الأصل: (فحدثني) -بالفاء في أوله- والمثبت من "م" و"هـ".
(9)
مسند أبي يعلى (رقم 1103).
"تفسيره" والطبري (1) والطحاوي (2) من طرق، عن عبد الله بن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري: أن رجلًا أصاب امرأةً في دبرها، فأنكر الناس ذلك عليه، وقالوا: أثفرها (3). فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} .
ورواه أسامة بن أحمد التجيبي من طريق يحيى بن أيوب، عن هشام بن سعد، ولفظه: كنّا نأتي النّساء في أدبارهنّ، ويسمى ذلك الإثفار، فأنزل الله الآية.
ورواه من طريق معن بن عيسى، عن هشام، ولم يسمّ أبا سعيد، قال: كان [رجل](4) من الأنصار
…
قلت: وقد أثبت ابن عباس الرواية في ذلك عن ابن عمر، وأنكر عليه في ذلك، وبين أنه أخطأ في تأويل الآية:
[5009]
- فروى أبو داود (5) من طريق (6) محمَّد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: إن ابن عمر -والله يغفر له- أوهم، إنما كان هذا الحي من الأنصار، وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود، وهم أهل كتاب، [و](7) كانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم، فكانوا يقتدون
(1) تفسير الطبري (2/ 234)، وليس فيه ذكر أبي سعيد الخدري.
(2)
شرح معاني الآثار (3/ 40).
(3)
في الأصل: (ثفر) بدون الألف، والمثبت من "م" و "هـ".
(4)
في الأصل: (رجال) والمثبت من "م" و"هـ":
(5)
سنن أبي داود (رقم 2164).
(6)
[ق/520].
(7)
من "م" و "هـ".
بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرا، ويتلذذون منهن مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأةً من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فأنكرته عليه، وقالت: إنما كنّا نُؤتَى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتنبني. فَسرى أمرُهما حتى بلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} -أي مقبلات، ومدبرات، ومستلقيات، يعني بذلك: موضعَ الولد.
وله شاهد من حديث أم سلمة:
[5010]
- قال الإمام أحمد (1): حدثنا عفان، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله ابن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، قال: دخلت على حفصة بنت عبد الرّحمن فقلت: إنّي سائلكِ عن أمرٍ وأنا أستحيي أن أسألك، قالت: فلا تستحيي يا ابن أخي، قال: عن إتيان النساء، [في أدبارهن؟ فقالت: حدثتني أمّ سلمة قالت: كانت الأنصار لا تجبي، وكانت المهاجرون تجبي] (2)، وكانت اليهود تقول: إنه من جَبى امرأتَه كان ولده أحول، فلما قدم المهاجرون المدينة نكحوا في نساء الأنصار، فجبوهن فأبت امرأةٌ أن تطيع زوجَها، وقالت: لن نفعل ذلك حتى آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت على أمِّ سلمة فذكرت لها ذلك
(1) مسند الإمام أحمد (6/ 305).
(2)
ما بين المعقوفتين ساقط من "الأصل" و"م"، وأثبتّه من "هـ". وفي "مسند الإمام أحمد": (عن إتيان النساء في أدبارهنَّ؟ قالت: حدَّثتني أمّ سلمة: أن الأنصار كانوا لا يجبون النّساء
…
).