الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحاجِزِ، وحدُّهما طُولًا طولُ الفَمِ إلى حاشِيَةِ الشِّدْقَيْنِ، وليستْ حاشيةُ الشِّدْقَيْن منهما.
1490 - مسألة؛ قال: (وَفِى اللِّسَانِ الْمُتَكَلَّمِ بِهِ الدِّيَةُ)
أجْمعَ أهلُ العلمِ على وُجوبِ الدِّيَةِ في لسانِ (1) النَّاطِقِ. ورُوِىَ ذلك عن أبي بكرٍ، وعمرَ، وعلىٍّ، وابنِ مسعودٍ، رَضِىَ اللهُ عنهم. وبه قال أهلُ المدينةِ، وأهلُ الكوفةِ، وأصْحابُ الرَّأْىِ، وأصحابُ الحديثِ، وغيرُهم. وفى كتاب النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بن حَزْم:"وَفِى اللِّسَانِ الدِّيةُ"(2). ولأنَّ فيه جمالًا ومَنْفعةً، فأشْبَهَ الأْنفَ؛ فأمَّا الجمال فقد رُوِىَ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الجمال، فقال:"فِي اللِّسَانِ"(3). ويُقال: جَمالُ الرجلِ في لسانِه، والمرءُ بأصْغَريْه قلبِه ولسانِهِ. ويُقال: ما الإِنْسانُ لولا اللِّسانُ إلَّا صورةً مُمَثَّلَةً، أو بَهيمةً مُهْمَلَةً. وأمَّا النَّفْعُ، فإنَّ به تُبْلَغُ الأغْراضُ، وتُسْتَخْلَصُ الحقوقُ، وتُدْفَعُ الآفاتُ، وتُقْضَى (4) الحاجاتُ، وتَتِمُّ العباداتُ؛ في القراءةِ، والذِّكرِ، والشُّكرِ، والأمرِ بالمعْروفِ، والنَّهْىِ عن المُنْكَرِ، والتَّعْليمِ، والدَّلالةِ على الحقِّ المُبِين والصِّراط المُسْتقيم، وبه يَذوقُ الطَّعامَ، ويسْتَعِينُ في مَضْغِه وتَقْليبه، وتَنْقيةِ الفَمِ، وتنْظيفِه، فهو أعْظَمُ الْأَعْضاءِ نَفْعًا، وأتَمُّها جَمالًا، فإيجابُ الدِّيَةِ في غَيرِه تَنْبيهٌ علي إيجابِها فيه. وإنَّما تجِبُ الدِّيَةُ في لِسان النَّاطقِ، فإنْ كان أخْرَسَ، لم تجبْ فيه دِيَةٌ كاملةٌ، بغيرِ خلافٍ؛ لذَهابِ نفْعِه المقْصودِ منه، كاليَدِ الشَّلَّاءِ، والعَيْنِ القائمَةِ.
فصل:
وفى الْكلامِ الدِّيةُ، فإذا جنَى عليه فخَرِسَ، وجَبتْ دِيَتُه؛ لأنَّ كُلَّ ما تعلَّقتْ الدِّيَةُ بإتْلافِه، تعلَّقتْ بإتْلافِ مَنْفَعتِه، كاليَدِ. فأمَّا إنْ جَنَى عليه، فأذْهَبَ ذَوْقَه،
(1) في ب: "اللسان".
(2)
تقدم تخريجه، في صفحة 5.
(3)
انظر: الجامع الكبير للسيوطي 1/ 403، وعزاه إلى ابن الأنبارى.
(4)
في ب، م زيادة:"به".
فقالَ أبو الخطَّابِ: فيه الدِّيَةُ؛ لأنَّ الذَّوْقَ حاسَّةٌ، فأشْبَهَ الشَّمَّ. وقياسُ المذهبِ أنَّه لا دِيَةَ فيه، فإنَّه لا يُخْتَلَفُ في أنَّ (5) لسانَ الأخْرَسِ لا تجبُ فيه الدِّيَةُ. وقد نَصَّ أحمدُ، رحمه الله، على أنَّ فيه ثُلُثَ الدِّيَةِ. ولو وجبَ في الذَّوْقِ ديَةٌ، لَوجبتْ في ذَهابِه مع ذَهابِ اللِّسان بطَريقِ الأَوْلَى. واخْتلَف أصحابُ الشافعيِّ؛ فمنهم من قالَ: قد نَصَّ الشافعيُّ على وُجوبِ الدِّية فيه. ومنهم من قال: لا نَصَّ له فيه. ومنهم من قال: قد نَصَّ على أنَّ في لسانِ الأخْرسِ حكومةً، وإنْ ذهبَ الذَّوْقُ بذَهابِه. والصَّحيحُ، إنْ شاءَ اللَّه، أنَّه لا دِيَةَ فيه؛ لأنَّ في إجْماعِهم على أنَّ لسانَ الأخْرسِ لا تكْمُلُ الدِّيَةُ فيه؛ إجماعًا على أنَّها لا تكْمُلُ في ذَهاب الذَّوْقِ بمُفْرَدِه؛ لأنَّ كلَّ عُضْوٍ لا تكْمُلُ الدِّيَةُ فيه بمَنْفعتِه، لا تكْمُلُ [في مَنْفَعتِه](6) دُونَه، كسائِر الأعْضاءِ. ولا تَفْرِيعَ على هذا الْقَولِ. فأمَّا على الأوَّلِ، فإذا ذهَب ذَوْقُه كلُّه، ففيه دِيَةٌ كاملةٌ، وإن نَقَصَ نَقْصًا غيرَ مُقَدَّرٍ، بأنْ يُحِسَّ المَذاقَ كلَّه، إلَّا أنَّه لا يُدْرِكُه على الكمالِ، ففيه حُكومةٌ، كما لو نَقَصَ بصرُه نقصًا لا يتَقَدَّرُ، وإنْ كان نَقْصًا يتَقَدَّرُ، بأنْ لا يُدرِكَ بأحدِ المَذاقِ الخَمْسِ، وهى: الحلاوةُ، والمرارةٌ (7)، والحموضةُ، والمُلوحةُ، والعُذوبةُ، ويُدْرِكَ بالباقِى، ففيه خُمْسُ الدِّيَةِ، وفى اثْنتَيْن خُمُساها، وفى ثلاثٍ ثلاثةُ أَخْماسِها. وإنْ لم يُدْرك بواحدةٍ، ونقَصَ الباقى، فعليه خُمسُ الدِّيَةِ، وحُكومةٌ لنَقْصِ الباقى. وإن قطعَ لسانَ أخْرسَ، فذهبَ ذَوْقُه، ففيه الدِّيَةُ؛ لإِتْلافِه الذَّوْقَ. وإنْ جَنَى على لسانِ ناطِقٍ، فأذْهَب كلامَه وذَوْقَه، ففِيه دِيَتانِ. وإن قطَعَه، فذهبَا (8) معًا، ففيه دِيَةٌ واحدةٌ؛ لأنَّهما يذْهبانِ تَبَعًا لذَهابِه، فوجَبتْ ديتُه دُونَ دِيَتِهما، كما لو قَتَلَ إنسانًا، لم تجبْ إلَّا دِيَةٌ واحدةٌ. ولو ذهَبتْ مَنافعُه مع بقائِه، ففى كلِّ مَنْفَعةٍ دِيَةٌ.
(5) سقط من: ب.
(6)
في م: "بمنفعته".
(7)
في الأصل: "المرورة".
(8)
في النسخ: "فذهب".