الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحاجَةٍ، ومُجَرَّدُ الدُّخُولِ المشْهودِ به لا يُوجِبُ إهْدارَ دَمِه. وإن تجارحَ رَجُلَانِ، وذكَر (32) كَلُّ واحِدٍ منهما أنِّى جَرَحْتُه دَفْعًا عن نفسِى. حَلَفَ كُلُّ واحدٍ منهما على إبْطالِ دَعْوَى صاحِبِه، وعليه ضَمَانُ ما جَرَحَه؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ منهما مُدَّعٍ على الآخرِ ما يُنْكِرُه، والأصلُ عَدَمُه.
فصل:
ولو عَضَّ رَجُلٌ يدَ آخَرَ، فله جَذْبُها من فِيهِ، فإن جَذَبَها فوَقَعَتْ ثَنايَا العاضِّ، فلا ضَمانَ فيها. وبهذا قال أبو حنيفةَ، والشَّافِعِىُّ، ورَوَى سعيدٌ، عن هُشَيْمٍ، عن محمدِ بنِ عبدِ اللَّه أنَّ رجلًا عَضَّ رجلًا، فانْتَزعَ يدَهُ من فيهِ، فسقطَ بعضُ أسْنانِ العاضِّ، فاختَصَما إلى شُرَيْحٍ، فقالَ شُرَيْحٌ: انْزَعْ يدَك مِن فِي السَّبُعِ، وأبْطِلْ أسْنانَه. وحُكِىَ عن مالِكٍ، وابنِ أبي ليلى، عليه الضَّمانُ؛ لقولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ"(33). ولَنا، ما روَى يَعْلَى بنُ أُمَيَّةَ قال: كان لي أجيرٌ، فقاتَلَ إنسانًا، فعَضَّ أحدُهما يدَ الآخَرِ، قال: فانتزَعَ المعْضُوضُ يدَه من فِي العاضِّ، فانْتزَعَ إحْدَى ثَنِيَّتَيْه، فأتَى النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، [فأهْدَرَ ثَنِيَّتَه، فَحَسِبْتُ أنَّه قال: قال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم](34): "أَفَيَدَعُ يَدَه في فِيكَ تَقْضَمُها قَضْمَ الفَحْلِ! ". مُتَّفَقٌ عليه (35). ولأنَّه عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورةَ دَفْعِ شرِّ صاحِبِه، فلم يُضْمَنْ، كما لو صالَ عليه، فلم يُمْكِنْه دَفْعُه إلَّا بقَطْعِ عُضْوِه. وحديثُهم يَدُلُّ على دِيَةِ السِّنِّ إذا قُلِعَتْ ظُلْمًا، وهذه لم تُقْلَعْ ظُلْمًا، وسَواءٌ
(32) في م: "وادعى".
(33)
تقدم تخريجه، في صفحة 131.
(34)
سقط من: ب. نقل نظر.
(35)
أخرجه البخاري، في: باب الأجير في الغزو، من كتاب الإِجارة، وفى: باب الأجير، من كتاب الجهاد والسير، وفى: باب إذا عض رجلا فوقعت ثناياه، من كتاب الديات. صحيح البخاري 3/ 116، 117، 4/ 65، 9/ 9. ومسلم، في: باب الصائل على نفس الإنسان أو عضوه. . .، من كتاب القسامة. صحيح مسلم 3/ 1301.
كما أخرجه النسائي، في: باب الرجل يدفع عن نفسه، وباب ذكر الاختلاف على عطاء. . .، من كتاب القسامة. المجتبى 8/ 26، 27، 28. وابن ماجه، في: باب من عضّ رجلا فنزع يده فندر ثناياه، من كتاب الديات. سنن ابن ماجه 2/ 886، 887. والإِمام أحمد، في: المسند 4/ 222، 224، 428، 430.
كان المعْضُوضُ ظَالِمًا أو مَظْلُومًا؛ لأنَّ العَضَّ مُحَرَّمٌ، إلَّا أن يكونَ العَضُّ مُباحًا، مثل أن يُمْسِكَه في موضعٍ يتضَرَّرُ بإمْساكِه، أو يَعَضُّ يدَه، ونحو ذلك ممَّا لا يقدِرُ على التخَلُّصِ من ضَررِه إلَّا بِعَضِّه، فيَعَضُّه، فما سَقَطَ من أسْنانِه ضَمِنَه؛ لأنَّه عَاضٌّ والعَضُّ مُبَاحٌ. وكذلك (36) لو عَضَّ أحدُهما يدَ الآخَرِ، ولم يُمْكِنِ المعْضُوضَ تخليصُ يَدِهِ إلَّا بِعَضِّه، فله عَضُّه، ويَضْمَنُ الظَّالِمُ منهما ما تَلِفَ من المظْلومِ، وما تَلِفَ من الظالِم [كان هَدْرًا](37). وكذلك الحُكْمُ فيما إذا عَضَّه في غيرِ يَدِه، أو عَمِلَ به عملًا غيرَ العَضِّ أفضَى إلى تَلَفِ شَىْءٍ من الفاعلِ، لم يَضْمَنْه. وقد رَوَى محمدُ بنُ عُبَيْد اللَّه (38): أنَّ غُلامًا أخذَ قِمَعًا من أقْماعِ الزَّيَّاتِينَ، فأدخَلَه بينَ رِجْلَىْ (39) رَجُلٍ، وَنَفَخَ فيه، فذُعِرَ الرَّجُلُ من ذلك، وخَبَطَ بِرِجْلِه، فَوَقَعَ على الغُلامِ، فَكَسَرَ بعضَ أسنانِه، فاخْتَصَمُوا إلى شُرَيْحٍ، فقال شُرَيْحٌ: لا أعْقِلُ الكَلْبَ الهَرَّارَ. قال القاضي: يُخَلِّصُ المعْضُوضُ يدَه بأسْهَلِ ما يُمْكِنُه (40)، فإنْ (41) أمْكَنَه فَكُّ لَحْيَيْه بيدِه الأُخْرَى فَعَلَ، وإن لم يُمْكِنْه لَكَمَه في (42) فَكِّه، فإن لم يُمْكِنْه جَذَبَ يَدَه مِن فِيه، فإن لم يَخْلُصْ، فله أن يَعْصِرَ خُصْيَتَيْه، فإن لم يُمْكِنْه، فله أن يَبْعَجَ بَطْنَه، وإن أتَى على نَفْسِه. والصَّحِيحُ أنَّ هذا الترتيبَ غيرُ مُعْتَبَرٍ، وله أن يْجذِبَ يدَه [من فِيهِ](43) أوَّلًا؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْتَفْصِلْ، ولأنَّه لا يَلْزَمُه تَرْكُ يدِه في فَمِ العاضِّ حتى يتحَيَّلَ بهذه الأشْياءِ المذكورة، ولأنَّ جَذْبَ يَدِه مُجَرَّدُ تَخْليصٍ ليَدِه، وما حَصَلَ من سُقوطِ الأسنانِ حَصَلَ ضَرُوةَ التَّخْليصِ الجائزِ، ولَكْمُ فَكِّه جِنَايَةٌ غيرُ التَّخْلِيصِ، وربَّما تضمَّنتِ التَّخْليصَ، وربَّما أتْلَفتِ الأسْنانَ التي
(36) في ب، م:"ولذلك".
(37)
في م: "هدر".
(38)
في م: "عبد اللَّه".
(39)
في م: "فخذى".
(40)
في ب، م:"يمكن".
(41)
في م: "فإنه".
(42)
في ب: "على".
(43)
سقط من: الأصل، ب.