الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحقيقةُ. وهو أحقُّ النَّاسِ بهذا، فإنَّه قال: لو تزوَّجَ امرأةً في مجلسِ الحاكم، ثم طلَّقَها فيه، فأتَتْ بولَدٍ، لَحِقَهُ. مع العلمِ بأنَّه لم يَطَأْهَا في الزَّوْجِيَّة، فكَيفَ يُحْكَمُ بحَقيقةِ الوَطْءِ مع تحَقُّقِ انْتِفَائِه! وهكذا لو كان لامرأةٍ وَلَدٌ من زَوْجٍ، فأنكرَتْ أن يكونَ وَطِئَها، لم يَثْبُتْ إحصانُها لذلك.
فصل:
ولو شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الإِحْصانِ أنَّه دخلَ بزَوْجتِه، فقال أصحابُنا: يثْبُتُ الإِحصانُ به؛ لأنَّ الْمفهومَ من لفظِ الدُّخولِ كالمَفْهومِ من لَفْظِ المُجامَعةِ. وقال محمد بن الحسن: لا يُكْتَفَى به حتى تقولَ: جامَعَها أو باضَعَها. أو نحوَه؛ لأنَّ الدُّخولَ يُطْلَقُ على الخَلْوَةِ بها، ولهذا تثْبُتُ بها أحكامُه. وهذا أصحُّ القَوْلَيْن، إن شاءَ اللهُ تعالى. فأمَّا إذا قالتْ: جامعَها أو باضعَها. فلم نعلَمْ خِلَافًا في ثُبُوتِ الإِحصانِ، وكذلك (49) ينْبغِى إذا قالتْ: وَطِئَها. فإنْ قالَتْ: باشرَها، أو مَسَّها، أو أصابَها، أو أتاهَا. فينْبَغِى أن لا يَثْبُتَ به الإِحْصانُ؛ لأنَّ هذا يُسْتَعْمَلُ فيما دُونَ الجماعِ في الفَرْجِ كثيرًا، فلا يثْبُتُ به الإِحْصانُ الذي يَنْدَرِئُ بالاحْتمالِ.
فصل: وإذا جُلِدَ الزَّانِى على أنَّه بِكْرٌ، ثم بانَ مُحْصَنًا، رُجِمَ؛ لما رَوَى جابرٌ، أنَّ رجلًا زَنَى بامرأةٍ، فأَمَرَ به رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فجُلِدَ الحَدَّ، ثم أُخْبِرَ أنَّه مُحْصَنٌ، فَرُجِمَ. روَاه أبو داودَ (50). ولأنَّه وجبَ الجمعُ بينَهما، فقد أتَى ببعضِ الواجبِ، فيجبُ إتْمامُه، وإن لم يجبِ الجمعُ بينهما تبيَّنَ أنَّه لم يأْتِ بالحدِّ الواجبِ، فيجبُ أن يَأْتِىَ به.
1552 - مسألة؛ قال: (ويُغسَّلَانِ، ويُكَفَّنانِ، ويُصَلَّى عَلَيْهِمَا، ويُدْفَنَانِ)
لا خِلافَ في تَغْسيلِهما ودَفْنِهما، وأكثرُ أهلِ العلمِ يَرَوْنَ الصَّلاةَ عليهما.
(49) في م: "وهكذا".
(50)
في: باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 461.
كما أخرجه البيهقي، في: باب من جلد في الزنى ثم علم بإحصانه، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 217.
قال الإِمامُ أحمدُ: سُئِلَ عَلِىٌّ، رَضِىَ اللَّه عنه، عن شُرَاحَةَ، وكَانَ رَجَمَها، فقال: اصْنَعُوا بها كما تصنَعُونَ بمَوْتاكم. وصَلَّى عَلىٌّ على شُرَاحةَ (1). وقال مالِكٌ: مَنْ قتلَه الإِمامُ في حَدٍّ، لا نُصَلِّى عليه؛ لأنَّ جابرًا قال في حديثِ ماعِزٍ: فرُجِمَ حتى ماتَ، فقالَ له النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم خيرًا، ولم يُصَلِّ عليه. مُتَّفَقٌ عليه (2). ولَنا، ما روَى أبو داودَ، بإسْنادِهِ عن عِمْران بنِ حُصَيْنٍ، في (3) حديثِ الجُهَنِيَّةِ: فأمرَ بها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فرُجِمَتْ، ثم أمرَهُم فصلَّوا عليها، فقال عمرُ: يا رسولَ اللَّه أتُصَلِّى عليها وقد زَنَتْ؟ فقال: "وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِه، لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعينَ مِنْ أهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ أَفْضَلَ من (4) [أنْ جَادَتْ] (5) بِنَفْسِهَا؟ "(6). ورَواه التِّرْمِذِىُّ وفيه: فرُجِمَتْ، وصَلَّى عليها. وقال: هو (3) حديثٌ حسنٌ صحيحٌ (6). وقال النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ"(7). ولأنَّه مسلمٌ لو ماتَ قبلَ الحَدِّ صُلِّىَ عليه، فيُصَلَّى عليه بعدَه، كالسَّارِقِ. وأمَّا خبرُ ماعِزٍ، فيَحْتَمِلُ أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لم يحْضُرْهُ، أو اشْتَغَلَ عنه بأمْرٍ، أو غيرَ ذلك، فلا يُعارِضُ ما رَوَيْنَاه.
(1) أخرجه البيهقي، في: باب من اعتبر حضور الإِمام. . .، من كتاب الحدود. السنن الكبرى 8/ 220. وعبد الرزاق، في: باب الرجم والإِحصان، من كتاب الطلاق. المصنف 7/ 328.
(2)
أخرجه البخاري، في: باب الرجم بالمصلى، من كتاب الحدود. صحيح البخاري 8/ 206. ومسلم، في: باب من اعترف على نفسه بالزنى، من كتاب الحدود. صحيح مسلم 3/ 1318.
كما أخرجه أبو داود، في: باب رجم ماعز بن مالك، من كتاب الحدود. سنن أبي داود 2/ 457، 459. والترمذي، في: باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع، من أبواب الحدود. عارضة الأحوذى 6/ 202. والنسائي، في: باب ترك الصلاة على المرجوم، من كتاب المرجوم. المجتبى 4/ 50، 51. والدارمى، في: باب الاعتراف بالزناء، من كتاب الحدود. سنن الدارمي 2/ 167. والإِمام أحمد في: المسند 3/ 323، 381.
ولفظ: "لم يصل عليه" ليس موجودًا في البخاري، ولا مسلم، ولا الدارمي. بل في البخاري أنه صلى عليه. وانظر تحقيق ذلك في عون المعبود 4/ 256.
(3)
سقط من: م.
(4)
في م: "ممن".
(5)
في ب، م:"أجادت".
(6)
تقدم تخريجه، في صفحة 311.
(7)
تقدم تخريجه، في: 3/ 357.