الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في أنَّها يَمِينٌ واحدةٌ من وَجْهَيْنِ؛ أحدُهما، أنَّه وحَّد (12) اليَمِينَ، فيَنْصَرِفُ إلى واحدةٍ. والثاني، أنَّه لمْ يُفرِّقْ في (13) اليَمِينِ المشْروعةِ، فيَدُلُّ على التَّسْوِيَةِ بين المَشْروعةِ في الدَّمِ والمالِ، ولأنَّها يَميِنٌ يَعْضُدُها الظاهرُ والأصْلُ، فلمْ تُغَلَّظْ، كسائرِ الأيْمانِ، ولأنَّها يَمِينٌ مَشْروعةٌ في جَنَبةِ المدَّعَى عليه ابْتِدَاءً، فلم تُغَلَّظْ بالتَّكْريرِ، كسائرِ الأيْمانِ، وبهذا فارقَ ما ذكَرُوه. فإنْ نَكَلَ المُدَّعَى عليه عنِ اليَمِينِ، لم يجب القِصاصُ، بغيرِ خلافٍ في المذهبِ. وقال أصحابُ الشَّافعيِّ: إنْ نَكَلَ المُدَّعَى عليه، رُدَّتِ اليَمِينُ على المُدَّعِى، فحلَفَ خمسينَ يَمِينًا، واسْتَحَقَّ القِصاصَ إنْ كانتِ الدَّعْوَى عَمْدًا، والدِّيةَ (14) إنْ كانتْ مُوجَبًا (15) للقَتْلِ؛ لأنَّ يَمِينَ المُدَّعِي مع نُكُولِ المُدَّعَى عليه كالبَيِّنَةِ أو الإِقْرارِ، والقصاصُ يجبُ بكلِّ واحدٍ منهما. ولَنا، أنَّ القَتلَ لم يثْبُتْ ببَيِّنَةٍ ولا إقْرارٍ، ولم يَعْضُدْه لَوْثٌ، فلم يَجب القِصاصُ، كما لو لمْ يَنْكُلْ، ولا يَصحُّ إلْحاقُ الأيْمانِ مع النُّكُولِ ببَيِّنَةٍ ولا إقْرارٍ؛ لأنَّها أضْعَفُ منها، بدليلِ أنَّه لا يُشْرَعُ إلَّا عنَد عَدَمِهما، فيكونُ بَدلًا عنهما، والبدلُ أضْعَفُ من المُبْدَلِ، ولا يَلْزَمُ من ثُبوتِ الحُكْم بالأقْوَى، ثُبوتُه بالأضْعَفِ، ولا يَلْزَمُ من وُجوبِ الدِّيَةِ، وُجوبُ القصاصِ؛ لأنَّه لَا يَثْبُتُ بشهادةِ النِّساءِ مع الرِّجالِ، ولا بالشَّاهدِ (16) واليَمِينِ، ويُحْتَاطُ له، ويُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ، والدِّيَةُ بخلافِه. فأمّا الدِّيَةُ فتَثْبُتُ بالنُّكُولِ عنَد من يُثْبِتُ المالَ به، أو تُرَدُّ اليَمِينُ على المُدَّعِى، فيَحْلِفُ يَمِينًا واحدةً، ويَسْتَحِقُّها، كما لو كانت الدَّعْوَى في مالٍ، واللهُ أعلمُ.
1521 - مسألة؛ قال: (فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ وَلَوْثٌ، فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى وَاحِدٍ، حَلَفَ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى قَاتِلِهِ خَمْسِيْنَ يَمِيْنًا، وَاسْتَحَقُّوا دَمَهُ إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى عَمْدًا)
الكلامُ في هذه المسألَةِ في فصولٍ أربعةٍ:
(12) في ب زيادة: "في".
(13)
في الأصل: "بين".
(14)
في م: "أو الدية".
(15)
في م: "موجبة".
(16)
في ب: "بالشهادة".
الأوَّلُ: في اللَّوثِ المُشْتَرَطِ في القَسَامَةِ، واخْتَلَفَتِ الرِّوَايةُ عَنْ أحمدَ فيه، فَرُوِيَ عنه أنَّ اللَّوْثَ هو العَداوَةُ الظَّاهِرَةُ بينَ المقْتُولِ والمدَّعَى عليه، كَنَحْوِ ما بينَ الأنصارِ ويهودِ خَيْبَرَ، وما بينَ القبائل، والأَحْياءِ، وأَهْلِ القُرَى الذين بينَهمُ الدِّماءُ وَالحُروبُ، وما بين [أهْلِ البَغْي و](1) أهْل العَدْلِ، وما بينَ الشُّرَطَةِ واللُّصُوصِ، وَكُلِّ مَن بَيْنَه وبينَ المقْتُولِ ضِغْنٌ يَغْلِبُ على الظَّنِ أنَّه قَتَلَه. نقل مُهَنَّا عن أحمدَ، في مَن وُجِدَ قَتِيلًا في الْمَسْجدِ الحرامِ، يُنْظَرُ مَن بينه وبينه في حياتِهِ شيءٌ. يعني ضِغْنًا يُؤْخَذُون به. ولم يَذْكُرِ القاضي في اللَّوْثِ غَيرَ الْعَداوَةِ، إلَّا أنَّه قد (2) قال في الفَرِيقَيْنِ يَقْتَتِلَانِ؛ فينْكَشِفُون عن قتيلٍ، فَاللَّوْثُ على الطَّائِفَةِ [التي القَتِيلُ من غيرِها، سواءٌ كان القَتْلَى بالْتِحَامٍ، أو مُراماةً بالسِّهامِ، وإن لم تبْلُغِ السِّهامُ، فاللَّوْثُ](3) على طائفةِ القَتيلِ. إذا ثَبَتَ هذا، فإنَّه لا يُشْتَرَطُ مع العدَاوةِ أنْ لا يكونَ في المَوْضِعِ الذي به القتيلُ غيرُ العَدُوِّ. نَصَّ عليه أحمدُ، في روايةِ مُهَنَّا التي ذَكَرْناها. وكَلامُ الْخِرَقِيِّ يَدُلُّ عليه أيضًا. واشْتَرَطَ القاضي أنْ (4) يُوجَدَ القتيلُ في مَوْضِع عَدُوٍّ لا يخْتَلِطُ بهم غيرُهم. وهذا مذْهبُ الشَّافِعيِّ؛ لأنَّ الأنْصارِيَّ قُتِلَ [في خَيْبَرَ](5) ولم يكُنْ فيها إلَّا اليهودُ، وجميعُهم أعداءٌ. ولأنَّه مَتى اخْتلَطَ بهم غيرُهم، احْتَمَلَ أنْ يكونَ القاتلُ ذلك الغَيْرَ. ثم ناقَضَ القاضي قولَه، فقال في قومٍ ازْدَحَمُوا في مَضِيقٍ، فافْتَرقُوا عن قَتيلٍ: إنْ كان في القومِ مَنْ بينَه وبَيْنَه (6) عداوةٌ، وأمْكَنَ أَنْ يكونَ هو قَتَلَه؛ لكَوْنِه بقُرْبِه، فهو لَوْثٌ. فجعلَ العَداوةَ لَوْثًا مع وجُودِ غيرِ العَدُوِّ. ولَنا، أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَسْأَلِ الأنْصارَ: هل كانَ بِخَيْبَرَ غيرُ اليهودِ أم لا؟ مع أنَّ الظاهرَ وُجودُ غيرِهم فيها؛ لأنَّها كانتْ أمْلاكًا للمسلمين، يقصِدُونها لأَخْذِ غَلَّاتِ أمْلاكِهم
(1) سقط من: م.
(2)
سقط من: م.
(3)
مكان هذا في م: "واللوث". وما عداه ساقط منها.
(4)
في م زيادة: "لا".
(5)
في ب: "بخيبر".
(6)
في م: "وبينهم".
منها، وعمارَتِها، والاطِّلاعِ عليها، والْامْتيارِ منها، ويبْعُدُ أنْ تكونَ مدينةٌ على جَادَّةٍ تخْلُو من غيرِ أهلِها. وقولُ الأنصارِ: ليس لنا بخَيْبَرَ عَدُوٌّ إلَّا يَهودُ. يَدُلُّ على أنَّه قد كانَ بها غَيرُهم ممَّنْ ليس بعَدُوٍّ؛ ولأَنَّ اشْتراكَهم في العَداوةِ، لا يَمْنَعُ مِن وُجودِ اللَّوْثِ في حقِّ واحدٍ، وتخْصيصِه بالدَّعْوَى مع مُشاركةِ غيرِه في احْتمالِ قَتْلِه؛ فلأَنْ لا (7) يَمْنَعَ ذلك وُجودُ مَنْ يَبْعُدُ منه القَتْلُ أوْلَى. وما ذكرُوه من الاحْتمالِ، لا يَنْفِى اللَّوْثَ، فإنَّ اللَّوْثَ لا يُشْتَرطُ فيه يَقِينُ القتلِ من المُدَّعَى عليه، ولا يُنافِيه الاحْتمالُ، ولو تُيُقِّنَ القتلُ من المدَّعَى عليه، لَما احْتيجَ إلى الأيْمانِ، ولو اشْتُرِطَ نَفْيُ الاحْتمالِ؛ لَما صَحَّتِ الدَّعوَى على واحدٍ من جماعةٍ؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّ القاتلَ غيرُه، ولا على الجماعةِ كلِّهم؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنْ لا يشْترِكَ الجميعُ في قَتْلِه. والرِّوايةُ الثانيةُ، عن أحمدَ، أنَّ اللَّوْثَ ما يُغَلِّبُ على الظَّنِّ صِدْقَ المُدَّعِي، وذلك [في دارٍ](8)[أو غيرها](9)، من وُجوهٍ؛ أحدها، العداوةُ المذكورةُ. والثاني، أن يتَفَرَّقَ جماعةٌ عن قتيلٍ، فيكونَ ذلك لَوْثًا في حقِّ كلِّ واحدٍ منهم، فإن ادَّعَى الوَلِيُّ على واحدٍ فأنْكَرَ كَوْنَه مع الجماعةِ، فالقولُ قولُه مع يَمِينِه. ذكَره القاضي. وهو مذهبُ الشافعي؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ ذلك، إلَّا أن يثْبُتَ ببَيِّنَةٍ. الثالث، أن يزْدَحِمَ الناسُ في مَضِيقٍ، فيُوجدَ (10) فيهم قتيلٌ، فظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ هذا ليس بلَوْثٍ، فإنَّه قال في من ماتَ بالزِّحامِ يومَ الجمعةِ: فَدِيَتُه في بيتِ المالِ. وهذا قولُ إسْحاقَ. ورُوِيَ ذلك عن عمرَ وعليٍّ؛ فإنَّ سعيدًا رَوَى في "سُنَنِه"، عن إبراهيمَ، قال: قُتِلَ رجلٌ في زحامِ الناسِ بعَرفةَ، فجاءَ أهلُه إلى عمرَ، فقالَ: بَيِّنتُكم على مَنْ قتلَه. فقالَ عليٌّ: يا أميرَ المؤمنين، لا يُطَلُّ دَمُ امْرئٍ مسلمٍ، إِن عَلِمْتَ قاتلَه، وإِلَّا فأعْطِ (11)
(7) سقط من: م.
(8)
سقط من: ب، م.
(9)
سقط من: م.
(10)
في الأصل: "فوجد".
(11)
في م: "فأعطه".
دِيَتَه من بيتِ المالِ (12). وقال (13) أحمدُ، في مَن وُجِدَ مقتولًا في المسجدِ الحرامِ: يُنْظَرُ مَنْ كان بينَه وبينَه شيءٌ في حياتِه - يَعْنِي عداوةً - يُؤْخَذونَ. فلم يجْعَل الحضورَ لَوثًا، وإنَّما جعلَ اللَّوْثَ العداوةَ. وقال الحسنُ، والزُّهْرِيُّ، في مَن ماتَ في الزِّحامِ: دِيَتُه على مَن حضَرَ؛ لأنَّ قَتْلَه حصلَ منهم. وقالَ مالكٌ: دَمُه هَدْرٌ؛ لأنَّه لا يُعْلَمُ له قاتلٌ، ولا وُجِدَ لَوْثٌ؛ فَيُحْكَمُ بالقَسامةِ فيه (14). وقد رُوِيَ عن عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ، أنَّه كُتِبَ إليه في رجلٍ وُجِدَ قتيلًا، لم يُعْرَفْ قاتلُه، فكَتبَ إليهمْ: إنَّ من القَضايَا قضَايَا لا يُحْكَم فيها إلَّا في الدَّارِ الآخِرةِ، وهذا منها. الرابعُ، أنْ يُوجَدَ قتيلٌ لا يُوجَدُ بقُرْبِه إلَّا رجلٌ معه سيفٌ أو سِكِّينٌ مُلَطَّخٌ بالدَّمِ، ولا يُوجَدُ غيرُه مِمَّن يغْلِبُ على الظَّنِّ أنَّه قتلَة، مثل أنْ يَرَى رجلًا هاربًا يَحْتَمِلُ أنَّه القاتلُ أو سَبُعًا يَحْتَمِلُ ذلك فيه. الخامسُ، أن يقْتَتِلَ فِئتانِ، فيفْتَرِقون عن قتيلٍ من إحْداهما، فاللَّوْثُ على الأخْرَى. ذكرَه القاضي. فإن كانوا بحيثُ لا تَصِلُ سهامُ بعضهِم بعضًا، فاللَّوْثُ على طائفةِ القتيلِ. هذا قولُ الشافعيِّ. ورُوِيَ عن أحمدَ، أنَّ عَقْلَ القتيلِ على الذين نازَعُوهم فيما إذا اقْتتَلت الفِئَتانِ، إلَّا أنْ يَدَّعُوا على واحدٍ بعَيْنِه. وهذا قولُ مالك. وقال ابنُ أبي ليلى: عَقْلُه (14) على الفَريقَيْن جميعًا؛ لأنَّه يَحْتَمِلُ أنَّه ماتَ من فِعْلِ أصحابِه، فاسْتَوى الجميعُ فيه. وعن أحمدَ في قومٍ اقْتَتلُوا، فَقُتِلَ بعضُهم، وجُرِحَ بعضُهم: فدِيَةُ المَقْتُولِين على المجْرُوحين، تَسْقُطُ منها دِيَةُ الجِرَاحِ. وإن كان فيهم مَنْ لا جُرْحَ فيه، فهل عليه من الدِّياتِ شيءٌ؟ على وَجْهَين، ذكرَهما ابنُ حامد. السادسُ، أنْ يشْهدَ بالقتلِ عَبِيدٌ أو نساءٌ (15)، فهذا فيه عن أحمد رِوَايتانِ؛ إحداهما، أنَّه لَوْثٌ؛ لأنَّه يُغَلِّب على الظَّنِّ صِدْقَ المُدَّعِى في دَعْوَاه، فأشْبَهَ العَداوةَ. والثانية، ليس بلَوْثٍ؛ لأنَّها شهادةٌ مَرْدُودةٌ، فلم تكُنْ لَوْثًا، كما لو شَهِدَ به كُفَّارٌ. وإن
(12) تقدم تخريجه، في صفحة 49.
(13)
سقطت الواو من: م.
(14)
سقط من: م.
(15)
في ب، م:"ونساء".