الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدَّاخلُ دخَلَ بغيرِ إذْنِه، فلا ضَمانَ على الحافرِ؛ لأنَّه لا عُدْوانَ منه. وإن دخَلَ بإذْنِه، والبئرُ بَيِّنَةٌ مَكْشُوفةٌ، والداخلُ بَصِيرٌ يُبْصِرُها، فلا ضَمانَ أيضًا؛ لأنَّ الواقِعَ هو الذي أهْلَكَ نفسَه، فأشْبَهَ ما لو قَدَّمَ إليه سِكِّينًا (43)، فقَتَلَ [نَفْسَه بها](44) وإن كان الدَّاخلُ أعْمَى، أو كانت في ظُلْمةٍ لا يُبْصِرُها الدَّاخلُ، أو غَطَّى رَأْسَها (45)، فلم يَعْلَم الدَّاخلُ بها حتى وقَعَ فيها، فعليه ضَمانُه. وبهذا قال شُرَيْحٌ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، وحَمَّادٌ، ومالكٌ. وهو أحدُ الوَجْهينِ لأصْحابِ الشافعىِّ. وقالوا (46) في الآخَرِ: لا يَضْمَنُه؛ لأنَّه هَلَكَ بفِعْلِ نَفْسِه (47). ولَنا، أنَّه تَلِفَ بسَبَبِه، فضَمِنَه، كما لو قَدَّمَ له طَعامًا مَسْمُومًا فأكَلَه، وبهذا يَنْتَقِضُ ما ذكَرُوه. وإن اخْتَلَفا، فقال صاحبُ الدارِ: ما أَذِنْتُ لك في الدخولِ. وادَّعَى وَلِىُّ الهالِكِ أنَّه أَذِنَ له، فالقولُ قولُ المالِكِ؛ لأنَّه مُنْكِرٌ. وإن قال: كانت مَكْشوفةً. وقال الآخَرُ: كانت مُغَطَّاةً. فالقولُ قولُ ولِىِّ الواقعِ؛ لأنَّ الظاهِرَ معه، فإنَّ الظاهرَ أنَّها لو كانت مكْشُوفةً لم يَسْقُطْ فيها. ويَحْتَمِلُ أنَّ القولَ قولُ المالِكِ؛ لأنَّ الأصْلَ بَراءةُ ذِمَّتِه، فلا تَشْتَغِلُ بالشَّكِّ، ولأنَّ الأصْلَ عَدَمُ تَغْطِيَتِها.
فصل:
وإذا بَنَى في مِلْكِه حائِطًا مائِلًا إلى الطريقِ، أو إلى مِلْكِ غيرِه، فتَلِفَ به شيءٌ، أو سَقَطَ (48) على شيءٍ فأتْلَفَه، ضَمِنَه؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بذلك، فإنَّه ليس له الانْتفاعُ بالبِنَاءِ في هَواءِ مِلْكِ غيرِه، أو هواءٍ مُشْتَرَكٍ، ولأنَّه يُعَرِّضُه للوُقُوعِ على غيرِه في غيرِ مِلْكِه، فأشْبَهَ ما لو نَصَبَ فيه مِنْجَلًا يَصِيدُ به. وهذا مذهبُ الشافعىِّ. ولا أعلمُ فيه خِلافًا. وإن بَنَاهُ في مِلْكِه مُسْتَوِيًا، أو مائِلًا إلى مِلْكِه، فسَقَطَ من غيرِ اسْتِهْدامٍ ولا مَيْلٍ، فلا ضَمانَ على صاحِبِه فيما تَلِفَ به؛ لأنَّه لم يَتَعَدَّ ببِنائِه، ولا حَصَلَ منه تَفْرِيطٌ
(43) في ب: "سيفا". وفي م: "سيف".
(44)
في ب، م:"به نفسه".
(45)
في ب، م:"رأسه".
(46)
في م: "وقال".
(47)
سقط من: ب.
(48)
في ب، م:"وسقط".
بإبْقائِه. وإن مالَ قبلَ وُقُوعِه إلى مِلْكِه، ولم يَتَجاوَزْه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه بمَنْزِلةِ بِنائِه مائِلًا في مِلْكِه. وإن مال قبلَ وُقوعِه إلى هواءِ الطريقِ، أو إلى مِلْكِ إنسانٍ، أو مِلْكٍ مُشْتَرَكٍ بينَه وبينَ غيرِه، نَظَرْنا؛ فإن لم يُمْكِنْه نَقْضُه، فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه لم يتَعدَّ ببنائِه، ولا فَرَّطَ في تَرْكِ نَقْضِه لعَجْزِه عنه، فأشْبَهَ ما لو سَقَطَ من غيرِ مَيْلٍ. وإنْ أمْكَنَه نَقْضُه فلم يَنْقُضْه، لم يَخْلُ من حالَيْنِ؛ أحدهما، أن يُطالَبَ بنَقْضِه. والثانى، أن لا يُطالَبَ به، فإن لم يُطالَبْ به، لم يَضْمَنْ، في المَنْصُوصِ عن أحمدَ، وهو ظاهرُ كلامِ الشافعىِّ، ونحوُه قَوْلُ (49) الحسنِ، والنَّخَعِىِّ، والثَّوْرِىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ؛ لأنَّه بَنَاهُ في مِلْكِه، والميلُ حادِثٌ بغيرِ فِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو وقَعَ قبلَ مَيْلِه. وذكَرَ بعضُ أصحابِنا فيه وجْهًا آخَرَ، أنَّ عليه الضَّمانَ. وهو قولُ ابنِ أبي لَيْلَى، وأبى ثَوْرٍ، وإسْحاقَ؛ لأنَّه مُتَعَدٍّ بتَرْكِه مائِلًا، فضَمِنَ ما تَلِفَ به، كما لو بَناه مائلًا إلى ذلك ابتداءً، ولأنَّه لو طُولِبَ بنَقْضِه فلم يَفْعَلْ، ضَمِنَ ما تَلِفَ به (50)، ولو لم يكُنْ ذلك (51) مُوجِبًا للضَّمانِ، لم يَضْمَنْ بالمُطالَبةِ، كما لو لم يكُنْ مائِلًا، أو كان مائلًا إلى مِلْكِه. وأمَّا إن طُولِبَ بنَقْضِه فلم يَفْعَلْ، فقد تَوَقَّفَ أحمدُ عن الجوابِ فيها. وقال أصحابُنا: يَضْمَنُ. وقد أوْمأَ إليه أحمدُ. وهو مذهبُ مالكٍ، ونحوَه قال الحسنُ، والنَّخَعِىُّ، والثَّوْرِىُّ. وقال أبو حنيفةَ: الاسْتِحْسانُ أن يَضْمَنَ؛ لأنَّ حَقَّ الجوازِ للمسلمينَ، وميلُ الحائِطِ يَمْنَعُهم ذلك، [فكان لهم](52) المُطالبةُ بإزالَتِه، فإذا لم يُزِلْه ضَمِنَ، كما لو وضَعَ عِدْلًا على حائطِ نَفْسِه، فوَقَعَ في مِلْكِ غيرِه، فطُولِبَ بِرَفْعِه فلم يَفْعَلْ حتى عَثَرَ به إنسانٌ. وفيه وجْهٌ آخرُ، لا ضَمانَ عليه. قال أبو حنيفةَ: وهو القياسُ؛ لأنَّه بَنَاه في مِلْكِه، ولم يَسْقُطْ بفِعْلِه، فأشْبَهَ ما لو لم يُطالِبْه بنَقْضِه، أو سَقَطَ قبلَ مَيْلِه، أو لم يُمْكِنْه نَقْضُه، ولأنَّه لو وجَبَ الضَّمانُ به (50)، لم تُشْتَرَطِ المُطالبةُ به (50)، كما لو بنَاه مائلًا إلى غيرِ مِلْكِه. فإن قُلْنا:
(49) في م: "قال".
(50)
سقط من: م.
(51)
سقط من: الأصل.
(52)
في م: "فلهم".
عليه الضمانُ إذا طُولِبَ؛ فإنَّ المُطالبةَ من كلِّ مسلمٍ أو ذِمِّىٍّ تُوجِبُ الضَّمانَ إذا كان مَيْلُه إلى الطريقِ، لأنَّ لكلِّ واحدٍ منهم حَقَّ المرُورِ، فكانتْ له المُطالبةُ، كما لو مال الحائطُ إلى مِلْكِ جماعةٍ، فإنَّ (53) لكلِّ واحدٍ منهم المطالبةَ، وإذا طالَبَ واحدٌ، فاسْتَأْجَلَه صاحبُ الحائِطِ، أو أجَّلَه له الإِمامُ، لم يَسْقُطْ عنه الضَّمانُ؛ لأنَّ الحَقَّ لجميعِ (54) المسلمينَ، فلا يَمْلِكُ واحدٌ منهم إسْقاطَه. وإن كانت المُطالبةُ لمُسْتَأْجِرِ الدَّارِ، أو مُرْتَهِنِها، أو مُسْتَعِيرِها، أو مُسْتَوْدَعِها، فلا ضَمانَ عليهم؛ لأنَّهم لا يَمْلِكُونَ النَّقْضَ، وليس الحائطُ مِلْكًا لهم. وإن طُولِبَ المالكُ في هذه الحال، فلم يُمْكِنْه اسْتِرْجاعُ الدَّارِ، ونَقْضُ الحائِطِ، فلا ضَمانَ عليه؛ لعدمِ تَفْرِيطِه، وإن أمْكَنَه اسْتِرْجاعُها، كالمُعِيرِ (55)، والمُودِعِ، والرَّاهِنِ إذا أمْكَنَه فَكاكُ الرَّهْنِ، فلم يَفْعَلْ، ضَمِنَ؛ لأنَّه أمْكَنَه النَّقْضُ. وإن كان المالِكُ مَحْجُورًا عليه، لِسَفَهٍ أو صِغَرٍ أو جُنُونٍ، فطُولِبَ هو، لم يَلْزَمْه الضَّمانُ؛ لأنَّه ليس أهلًا للمُطالَبةِ، وإن طُولِبَ وَلِيُّه أو وَصِيُّه، فلم يَنْقُضْه، فالضمانُ على المالِكِ؛ لأنَّ سَبَبَ الضَّمانِ مالُه، فكان الضَّمانُ عليه دُونَ المُتَصَرِّفِ، كالوَكِيلِ مع المُوَكِّلِ. وإن كان المِلْكُ مُشْتَرَكًا بينَ جماعةٍ، فطُولِبَ أحَدُهُم بنَقْضِه، احْتَمَلَ وَجْهينِ؛ أحدهما، لا يَلْزَمُه شيءٌ؛ لأنَّه لا يُمْكِنُه نَقْضُه بدُونِ إذْنِهِم، فهو كالعاجِزِ عن نَقْضِه. والثانى، يَلْزَمُه بحِصَّتِه؛ لأنَّه يتَمَكَّنُ من النَّقْضِ بمُطالَبةِ شُرَكائِه، وإلْزامِهِم النَّقْضَ، فصار بذلك مُفَرِّطًا. وأما إن كان مَيْلُ الحائطِ إلى مِلْكِ آدَمِىٍّ مُعَيَّنٍ، إمَّا واحدٍ وإمَّا جماعةٍ، فالحكمُ على ما ذكَرْنا، إلَّا أنَّ المُطالبةَ للمالِكِ، أو ساكنِ المِلْكِ الذي مال إليه دُونَ غيرِه. وإن كان لجماعةٍ، فأيُّهم طالَبَ، وجَبَ النَّقْضُ بمُطالَبَتِه، كما لو طالَبَ واحدٌ بنَقْضِ المائلِ إلى الطريقِ، إلَّا أنَّه متى طالَبَ (56)، ثم أجَّلَه صاحِبُ المِلْكِ، أو أبْرَأه منه، أو فَعَلَ ذلك ساكنُ الدَّارِ التي
(53) في ب، م:"كان".
(54)
في ب، م:"الجميع".
(55)
في ب، م:"كالمعسر".
(56)
في الأصل: "طولب".