الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1508 - مسألة؛ قال: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِى الَّتي تَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ)
وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العلمِ، منهم أهلُ المدينةِ، وأهلُ الكوفةِ، وأهلُ الحديثِ، وأصحابُ الرَّأْيِ، إلَّا مَكْحولًا، قال فيها: في الْعمدِ ثُلثَا الدِّيَةِ. ولَنا، قولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في كِتاب عَمْرو بن حَزْم:"وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلْثُ الدِّيةِ"(1). وعن ابن عمرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثلُ ذلك (2). ولأنَّها جِرَاحةٌ فيها مُقَدَّرٌ، فلم يخْتلِفْ قدْرُ أَرْشِها بالعَمْدِ والخَطَإِ، كالمُوضِحَة، ولا نعلمُ في جِرَاح البَدَنِ الخاليةِ عن قَطْعِ الأعْضاءِ وكسْرِ العِظامِ مقدَّرًا غيرَ الجائفةِ، والجائفةُ: ما وصل إلى الجَوْفِ من بَطْنٍ، أو ظَهْرٍ، أو صَدْرٍ، أو ثَغْرةِ نَحْرٍ، أو وَرِكٍ، أو غيرِه. وذكرَ ابنُ عبد البَرِّ، أنَّ مالكا، وأبا حنيفةَ، والشَّافعيَّ، والْبَتِّيَّ، وأصْحابَهم، اتَّفَقُوا على أن الجائفةَ لا تكونُ إلَّا في الجَوْف. قال ابنُ القاسِم: الجائفةُ ما أفْضَى إلى الجَوْفِ ولو بمَغْرِزِ إبْرَةٍ، فأمَّا إنْ خَرَقَ شِدْقَه. فوصل إلى باطِنِ الفَمِ، فليس بجائفةٍ؛ لأنَّ داخلَ الفَمِ حُكْمُه حُكْمُ الظَّاهرِ، لا حُكْمُ الباطنِ. وإنْ طَعنَه في وَجْنَتِه، فكسرَ العَظْمَ، ووصَلَ إلى فِيهِ، فليس بجائفةٍ؛ لما ذكرْنَا. وقال الشَّافعيُّ، في أحدِ قوليْهِ: هو جائفةٌ؛ لأنَّه قد وصل إلى جَوْفٍ. وهذا ينْتَقِضُ بما إذا خَرَق شِدْقَه. فعلى هذا يكونُ عليه دِيَةُ هاشمةٍ، لكَسْرِ العظمِ، وفيما زادَ حُكومةٌ. وإنْ جَرَحَه في أَنْفِه فأنْفَذَه، فهو كما لو جَرَحَه في وَجْنَتِه فأنْفَذَه إلى فِيهِ، في الحُكْمِ والخلافِ. وإنْ جَرَحَه في ذَكَرِه، فوصلَ إلى مَجْرَى البَوْلِ مِن (3) الذَّكَر، فليس بجائِفة؛ لأنَّه ليس بجَوْفٍ يُخافُ التَّلَفُ من الوُصولِ إليه، بخلاف غيرِه.
فصل:
وإن أجافَه جائفَتَيْنِ، بينهما حاجِزٌ، فعليه ثُلثا الدِّيَةِ. وإنْ خَرَقَ
(1) تقدم تخريجه، في صفحة 5.
(2)
أخرجه البزار، في: باب دية الأعضاء، من كتاب الديات. كشف الأستار 2/ 207. عن عبيد اللَّه بن عمر عن عمر مرفوعا. انظر تلخيص الحبير 4/ 26.
(3)
سقط من: م.
الجاني ما بينهما، أو ذهبَ بالسَّرَايةِ، صار جائفةً واحدةً، فيها (4) ثُلثُ الدِّيَةِ لا غيرُ. وإن خَرقَ ما بينهما أجْنَبِيٌّ، أو المَجْنِيُّ عليه، فعلى الأوَّل ثُلثا الدِّيَةِ، وعلى الأجْنَبِيِّ الثَّاني ثُلثُها، ويسْقُطُ ما قابلَ فِعْلَ المَجْنِيِّ عليه. وإن احْتاجَ إلى خَرْق ما بينهما للمُداواةِ، فخَرقها المَجْنِيُّ عليه أو غيرُه بأمْرِه، أو خرقها وَلِيُّ المَجْنِيِّ عليه لذلك، أو الطَّبِيبُ بأمْرِه، فلا شىءَ في خَرْق الحاجزِ، وعلى الأوَّل ثُلثَا الدِّيَةِ. وإن أجافَه رجلٌ، فوسَّعَها آخَرُ، فعلى كلِّ واحدٍ منهما أرْشُ جائفةٍ؛ لأنَّ فعلَ كُلِّ واحدٍ منهما لو انْفَردَ كانَ جائفةً، فلا يسْقُطُ حُكْمُه بانْضمامِه إلى فعلِ غيرهِ، لأنَّ (5) فعلَ الإِنسان لا يَنْبَنِى على فِعْلِ غيرِه. وإن وسَّعها الطبيبُ بإذنِه، أو إذْنِ وَلِيِّه لمصلحتِه، فلا شىءَ عليه. وإن وَسَّعها جانٍ آخَرُ، في الظَّاهر دُونَ الباطنِ، أو في الباطنِ دُونَ الظاهرِ، فعليه حُكومةٌ؛ لأنَّ جِنايتَه لم تبلُغ الجائفةَ. وإنْ أدخلَ السِّكِّينَ في الجائفةِ ثم أخْرجَها، عُزِّرَ، ولا أرْشَ عليه. وإنْ كان قد خاطَها، فجاءَ آخَرُ، فقَطَع الخُيوطَ، وأدخلَ السِّكِّينَ فيها قبلَ أنْ تلْتَحِمَ، عُزِّرَ أشدَّ من التَّعْزيرِ (6) الذي قبلَه، وغَرِمَ (7) ثمنَ الخُيوطِ وأُجْرةَ الخَيَّاطِ، ولم يَلْزَمْه أرْشُ جائفَةٍ؛ لأنَّه لم يُجِفْهُ. وإن فعلَ ذلك بعدَ الْتحامِها، فعليه أرْشُ الجائفةِ وثمنُ الخُيوطِ؛ لأنَّه بالالْتِحامِ عادَ إلى الصِّحَّةِ، فصار كالذي لم يُجْرَحْ. وإن الْتَحمَ بعضُها دونَ بعضٍ، ففتَقَ بَعْضَ (8) ما الْتَحَمَ، فعليه أرْشُ جائفةٍ؛ لما ذكرْنا. وإن فتَق غيرَ ما الْتَحمَ (9)، فليس عليه أرْشُ الجائفةِ، وحكْمُه حكمُ مَنْ فعلَ مثلَ فِعْله قبلَ أن يلْتَحِمَ منها شيءٌ. وإن فتَقَ بعضَ ما الْتَحَم في الظَّاهرِ دونَ الباطنِ، أو الباطنِ دُون الظاهرِ، فعليه حكومةٌ، كما لو وسَّعَ جُرْحَه كذلك.
(4) في ب: "ففيها".
(5)
في ب: "ولأن".
(6)
في م زيادة: "الأول".
(7)
في ب، م:"وغرمه".
(8)
سقط من: ب، م.
(9)
في ب، م زيادة:"عليه".